هل تحمل 2021 لقاحاً لتغيّر المناخ؟

هل تحمل 2021 لقاحاً لتغيّر المناخ؟
TT

هل تحمل 2021 لقاحاً لتغيّر المناخ؟

هل تحمل 2021 لقاحاً لتغيّر المناخ؟

قد تدخل 2021 التاريخ على أنها السنة التي شهدت التغلب على أخطر كارثة صحية في هذا العصر، عن طريق اللقاح، بعد وصول الجائحة إلى الذروة. فهل تشهد أيضاً عملاً دولياً جاداً على جبهة التصدي للتغير المناخي؟ الفارق أنه إذا كان ممكناً وضع حد لفيروس «كورونا» بلقاح، فليس من لقاح سحري يوقف التغير المناخي.
يستقبل العالم سنة 2021 بمزيج من الانكسار والتفاؤل. فأبعد من آثارها الصحية المروعة المستمرة التي أصابت نحو 100 مليون شخص، وأدت إلى وفاة أكثر من مليون ونصف المليون خلال سنة واحدة، ضربت الجائحة الاقتصاد العالمي، ووضعت مئات الملايين خارج سوق العمل. وقد جاء تطوير لقاحات فعالة، وبدء توزيعها على نطاق واسع، ليعطي إشارة بدء الخروج من النفق المظلم؛ ولا بد أن إرادة البقاء والتقدم ستنتصر في النهاية.
التحرر التدريجي من القيود الاجتماعية والاقتصادية التي فرضها الوباء سيعيد إلى دائرة الاهتمام الأولى التحدي الأكبر الذي يواجه البشرية في هذا العصر، وهو التغير المناخي. وستشهد سنة 2021 أهم قمة مناخية بعد قمة باريس عام 2015 التي تمخضت عن اتفاقية استثنائية لخفض الانبعاثات الكربونية. وتوقع رئيس الحكومة البريطانية، بوريس جونسون، أن تكون 2021 «سنة مفصلية للعمل المناخي»، وهو محق في هذا لأسباب عدة؛ فالقمة المقبلة ستكون الفرصة الأولى لمراجعة ما تم إنجازه من الالتزامات الطوعية بموجب اتفاقية باريس. كما أنها تأتي مباشرة بعد جائحة كورونا التي ترافقت فيها الأزمات الاقتصادية مع تخصيص موازنات ضخمة بمئات آلاف الملايين لخطط التعافي. وشهدت السنوات الماضية بعض أبرز الاكتشافات العلمية التي تؤكد بما لا يقبل الشك تفاقم أخطار التغير المناخي، مما يستدعي تسريع وتيرة تخفيف الانبعاثات، والوصول إلى «صفر كربون» قبل سنة 2050، مع تخفيض الحد الأعلى المقبول لمعدلات ارتفاع درجات الحرارة من درجتين مئويتين إلى درجة ونصف الدرجة، لكن الحدث الأهم الذي سيطبع قمة المناخ المقبلة هو خروج دونالد ترمب من السلطة، ووصول جو بايدن إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة.
لقد تبنى ترمب سياسات متوحشة، ألغت كثيراً من قيود حماية البيئة داخلياً، وأخرجت الولايات المتحدة من اتفاقية باريس المناخية، لمصلحة رفع حجم الدخل القومي، وزيادة أرباح الشركات. وفي الداخل الأميركي، أبطلت إدارة ترمب مفاعيل نحو مائة قانون بيئي، فخففت القيود على التنقيب في قاع البحر، وتراخت في معايير تلوث المياه، والانبعاثات من محطات توليد الكهرباء، ومستويات تلوث الهواء في مصافي البترول. كما سمحت بالتنقيب في المناطق المحمية، ومرور أنابيب النفط والغاز عبرها.
الرئيس المنتخب جو بايدن أعلن صراحة في برنامجه الانتخابي أن إعادة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس ستكون من أول قرارات إدارته، إلى جانب إعادة تفعيل القوانين البيئية الوطنية.
وبالاستناد إلى الوعود الواضحة التي أعلنها، والتي لم يسبق لأي رئيس أميركي آخر أن التزم بمثلها، من المتوقع أن تتبوأ الولايات المتحدة الموقع الأول في قيادة العمل المناخي العالمي. ولن يقتصر هذا على خفض الانبعاثات الكربونية على النحو الذي يكفل عدم تجاوز ارتفاع الحرارة حدود الدرجة ونصف الدرجة، بل الأهم الالتزام بالمساهمة في دعم الدول النامية بمائة مليار دولار سنوياً بين 2020 و2030، لمساعدتها في تخفيف الانبعاثات، والتكيف مع المتغيرات التي لن يمكن وقفها.
المائة مليار دولار سنوياً، حتى لو سُددت بالكامل، تبقى جزءاً بسيطاً مما هو مطلوب لعمل مناخي عاجل فاعل. لكن آلاف المليارات التي تم تخصيصها حول العالم لخطط التعافي الاقتصادي من كورونا قد توفر مخرجاً مناخياً أيضاً، وهذا يكون بتوجيه الدعم المالي نحو برامج اقتصادية تخفف من حدة التغير المناخي. فالحل الأمثل هو في زيادة فرص العمل، بالتوازي مع الحفاظ على سلامة البيئة وخفض الانبعاثات الكربونية. وهذا هدف ممكن، لكنه يتطلب إرادة سياسية.
جو بايدن أعلن تخصيص مئات المليارات لتحسين كفاءة الأبنية في الولايات المتحدة، خاصة بالعزل الحراري والتحول إلى الطاقات المتجددة، للحد من استهلاك الطاقة، وتخفيف الانبعاثات. هذا برنامج يمكن تعميمه في بلدان العالم جميعاً، مع الدعم الملائم. كما يمكن تخصيص الجزء الأكبر من أموال التعافي لزيادة حصة الطاقات المتجددة، وتخفيف الانبعاثات من وسائل النقل، وتطوير برامج التقاط الكربون وتخزينه أو إعادة استخدامه التي أقرتها قمة العشرين في الرياض. ويمكن تخصيص جزء من أموال التعافي لإدارة أفضل للغابات والبحار والمناطق المحمية، وكلها تساعد في امتصاص الكربون.
هذه كلها برامج تخلق وظائف تفوق بأضعاف تلك التي تحتاجها النشاطات التقليدية، فتساعد في التعافي الاقتصادي بينما تحافظ على سلامة البيئة، وتحد من تغير المناخ.
وفي الذكرى السنوية الخامسة لاتفاقية باريس، في 12 ديسمبر (كانون الأول)، عُقدت «قمة الطموح المناخي» الافتراضية، بمشاركة 75 رئيس دولة وعشرات من رؤساء المنظمات الدولية وقادة قطاع الأعمال والمجتمع المدني. وكان الهدف تقديم تعهدات جديدة لخفض الانبعاثات والتكيف. وفي كلماتهم، قدم 45 رئيس دولة التزامات وطنية جديدة بخفض الانبعاثات، بينما حددت 24 دولة تواريخ أقرب للوصول إلى هدف «صفر كربون»، وقدمت 20 دولة خططاً جديدة للتكيف. هكذا، يتجاوز عدد الدول التي التزمت بخفض الانبعاثات الكربونية إلى الصفر قبل سنة 2050 عتبة الـ70، على أن تعلن نحو 80 دولة أخرى التزامات مشابهة في المستقبل القريب. وقد ألزمت آلاف الشركات العالمية نفسها طوعاً بهذا الهدف؛ كل هذا كان خارج البحث حين عُقدت قمة باريس قبل 5 سنوات.
اللافت أن العرب كانوا شبه غائبين عن «قمة الطموح المناخي» في ديسمبر (كانون الأول). فالرئيس العراقي كان العربي الوحيد المشارك، وقد ألقى كلاماً عاماً حفل بالنيات الحسنة، وافتقر إلى التعهدات. وفي حين استفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي من المنبر الدولي لعرض كثير من الوعود، خسر العرب فرصة أخرى لتقديم أنفسهم بصفتهم شركاء فعليين في المساعي العالمية لمجابهة التغير المناخي.
المأمول أن تكون 2021 سنة التعافي من كورونا، والتحول الجذري في العمل المناخي العالمي الذي ستظهر نتائجه في قمة غلاسكو، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ولكن قبل ذلك التاريخ، نتوقع خطوات كبيرة سريعة تعكس حراجة الموقف. فمزيد من الدول ستعلن وقف إنتاج وبيع السيارات العاملة على البنزين والديزل قبل سنة 2035، في خطوة ضرورية لخفض الانبعاثات. وستتحول شركات كثيرة إلى ممارسات وأساليب إنتاج تخفف من انبعاثات الكربون، وصولاً إلى إلغائها بالكامل، وذلك لحجز مكان لها في الاقتصاد الأخضر الجديد. وسيأتي التمويل المناخي من حيث لم يكن منتظراً، إذ بينما اختلفت الدول في قمة باريس وبعدها على كيفية توزيع عبء تقديم 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول الفقيرة على خفض الانبعاثات، إذا بالأموال التي تراوح من 10 إلى 20 تريليون دولار، وهي تساوي 20 ضعفاً لما تم التعهد به لصندوق المناخ على فترة 10 سنين، تهبط في صورة مساهمات في خطط التعافي من الجائحة. وقد وعدت معظم الدول، وفي طليعتها دول الاتحاد الأوروبي، بتوجيه هذه الأموال نحو الاقتصاد الأخضر؛ والأكيد أن «أميركا بايدن» ستتبعها في هذا المجال.
إلى أن يلتقي العالم في قمة غلاسكو، على العرب أن يستعدوا للمشاركة الفاعلة في العمل الجدي لتعافي كوكب الأرض من التدهور البيئي، والتصدي للتغير المناخي، فالأفعال وحدها تُثبت صدق النيات.

- الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.