ملاديتش يرفض تقديم شهادة تخدم رفيقه كراديتش

مثول أبرز زعيمين صربيين سابقين ملاحقين بجرائم حرب في لاهاي

ملاديتش أمام المحكمة في لاهاي أمس (أ.ب) و كراديتش أمام المحكمة في لاهاي أمس (أ.ب)
ملاديتش أمام المحكمة في لاهاي أمس (أ.ب) و كراديتش أمام المحكمة في لاهاي أمس (أ.ب)
TT

ملاديتش يرفض تقديم شهادة تخدم رفيقه كراديتش

ملاديتش أمام المحكمة في لاهاي أمس (أ.ب) و كراديتش أمام المحكمة في لاهاي أمس (أ.ب)
ملاديتش أمام المحكمة في لاهاي أمس (أ.ب) و كراديتش أمام المحكمة في لاهاي أمس (أ.ب)

رفض زعيم قوات صرب البوسنة الجنرال راتكو ملاديتش أمس الإدلاء بشهادته في محاكمة رفيقه الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كراديتش، أمام محكمة الجزاء الدولية الخاصة للنظر في جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة، مشيرا إلى أنها محكمة «شيطانية».
وعلل ملاديتش موقفه هذا بـ«أسباب صحية»، و«حتى لا تضر» الإفادة المطلوبة بقضيته، وذلك خلال مثولهما معا أمام المحكمة في لاهاي.
وكان كراديتش المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، والذي يدافع عن نفسه بنفسه، أبدى رغبته في أن يدلي ملاديتش المتهم بالتهم نفسها، في محاكمة منفصلة، بشهادته لصالحه. وهما يعدان أبرز زعيمين صربيين سابقين تلاحقهما محكمة الجزاء الدولية بجرائم حرب.
وكان يفترض أن تفيد الشهادة في توضيح العلاقة بين الرجلين حين وقوع مذبحة سريبرينيتسا التي سقط فيها ثمانية آلاف مسلم في يوليو (تموز) 1995 في بعضة أيام وخلال حصار سراييفو الذي دام 44 شهرا وأسفر عن سقوط عشرة آلاف مدني. لكن ملاديتش المعتقل في السجن نفسه الذي يسجن فيه كراديتش في ضواحي لاهاي، رفض المثول أمام المحكمة واستنفد كل الطعون القانونية قبل أن يؤدي اليمين في النهاية صباح أمس. وانطلق حينها في هجوم كلامي وصف خلاله محكمة الجزاء بأنها محكمة «شيطانية» و«محكمة الحقد»، إلا أنه حصل على تعليق الجلسة لمدة عشرين دقيقة بعد أن قال «هل يمكن أن يأتي لي عناصر الأمن بأسناني من زنزانتي كي أتمكن من التكلم بشكل أفضل؟»، مثيرا ضحك الحاضرين. واستؤنفت الجلسة بعد ذلك بإلقاء أول سؤال ألقاه كراديتش على زميله السابق فقال «هل أخبرتني يوما خطيا أو شفاهيا بأن معتقلي سريبرينيتسا سيعدمون؟». فرد عليه ملاديتش كما رد على كل الأسئلة التالية حول سريبرينيتسا وحصار سراييفو بالقول «أرفض الإدلاء بشهادة لأن ذلك قد يضر بصحتي وقضيتي».
وحاول برانكو لوكيتش، محامي ملاديتش، لآخر مرة صباح أمس إقناع القضاة بعدم السماح بدعوة موكله إلى الإدلاء بشهادته متعذرا بمبررات صحية. وقال لوكيتش «نعتقد أن ملاديتش ليس في حالة تمكنه من الإدلاء بشهادة»، مؤكدا أن موكله يعاني من اضطرابات في الذاكرة ولا يمكنه التمييز بين «الحقيقة والخيال»، وأنه «يخترع أمورا ويعتقد أنها الحقيقة».
ويُتهم كراديتش (68 سنة) وملاديتش (72 سنة) بتدبير عملية تطهير عرقي في البوسنة خلال حرب أسفرت عن سقوط مائة ألف قتيل ونزوح 2.2 مليون شخص بين 1992 و1995. وأمام رفض ملاديتش قرر القضاة عدم إرغام الجنرال السابق الذي بدا شاحبا في بدلته الرمادية.
وعندما اقتاده الحرس خارج الجلسة قال راتكو ملاديتش لرادوفان كراديتش باللغة الصربية الكرواتية «آسف يا رادوفان لأن هؤلاء الأغبياء لم يتركوني أتكلم، إنهم يدافعون عن الحلف الأطلسي». وفعلا كان القاضي رفض قبل ذلك السماح لملاديش بتلاوة بيان أعده مسبقا في سبع صفحات.
وأفاد مستشاره القانوني بيتر روبنسون بأن كراديتش «يحاول بكل جهده الحصول على كل المعلومات الممكنة من كل المصادر حول ما جرى خلال حرب البوسنة». وصرح للصحافيين أمام المحكمة «إنه مخيب لأن المحكمة لم تسمح للجنرال ملاديتش» بأن يقرأ بيانه.
وكلفت محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا سابقا التي أنشأها مجلس الأمن الدولي في 1993، بمحاكمة المسؤولين عن عمليات الإبادة جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب ارتكبت خلال حرب البوسنة والهرسك. وكان يمكن أن يحاكم الزعيمان، كراديتش الزعيم السياسي وملاديتش الزعيم العسكري، معا لو جرى اعتقالهما في ظرف قريب، لأنهما متهمان بالجرائم نفسها. واعتقل الأول في يوليو (تموز) 2008 في بلغراد، بينما اعتقل الثاني بعد ثلاث سنوات في مايو (أيار) 2011 في قرية بشمال صربيا.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»