القصف التركي في كردستان العراق... خسائر من دون تعويض

قرويون ومسؤولون محليون لـ «الشرق الأوسط»: ما ذنبنا ليتحول ليلنا إلى كوابيس؟

قروي يقف قرب فتحة أحدثها قصف تركي في سقف منزله (الشرق الأوسط)
قروي يقف قرب فتحة أحدثها قصف تركي في سقف منزله (الشرق الأوسط)
TT

القصف التركي في كردستان العراق... خسائر من دون تعويض

قروي يقف قرب فتحة أحدثها قصف تركي في سقف منزله (الشرق الأوسط)
قروي يقف قرب فتحة أحدثها قصف تركي في سقف منزله (الشرق الأوسط)

يحمل آزاد خالد طفله ذا العامين الملفوف ببطانية ومن خلفه زوجته وابنته كردستان ذات الخمس سنوات، مهرولين للخروج من القرية بعد سقوط ثلاث قذائف أطلقها الجيش التركي وسقطت بالقرب من منزله الواقع في أطراف قرية باكي العليا في قضاء زاخو بمحافظة دهوك في إقليم كردستان العراق.
سار آزاد وعائلته ضمن جموع من أهل القرية مذعورين وسط الظلام الدامس لانقطاع التيار الكهربائي وأصوات المدافع التي لم تهدأ، متوجهين إلى منطقة خالية على أطراف القرية مبتعدين عن منازلهم ومزارعهم ومراعيهم التي باتت أهدافا للقصف المدفعي التركي منذ الساعة الثانية عشرة بعد منتصف ليل السبت واستمر حتى فجر أمس مخلفا أضرارا مادية لحقت بمنازل ومزارع أهالي قريتي بآنكي العليا وبآنكي السفلى.
مدير ناحية باطوفة، دلشير عبد الستار، قال في تصريح إن «المدفعية التركية استهدفت قريتي بآنكي العليا والسفلى بـ32 قذيفة مدفعية منتصف ليلة السبت على الأحد»، عبد الستار أكد أن «القصف تسبب بأضرار مادية منها انقطاع التيار الكهربائي الرئيسي عن القرية، علاوة على أضرار لحقت بمنازل بعض المواطنين وحرائق في مراعي ومزارع القرية».
لم يقتصر القصف التركي على قريتي بآنكي العليا والسفلى، بل باتت معظم القرى الحدودية العراقية في محافظة دهوك وأربيل إضافة إلى جبل سنجار هدفا للمدفعية والطيران التركي منذ إعلان وزارة الدفاع التركية عملية «مخلب النمر» في 16 يونيو (حزيران) لملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتمركز في المنطقة الحدودية بين العراق وتركيا. ونفذ الجيش التركي العديد من عمليات الإنزال الجوي في قرى ناحيتي باطوفة ودركار التابعتين لقضاء زاخو، بهدف السيطرة على مواقع جبلية استراتيجية، وتمت السيطرة فعليا على عدد من المواقع واتخاذها كمراكز مراقبة ورصد وهجوم، وهي قريبة أو تطل على قرى المنطقة ما تسبب بنزوح سكانها.
مع بزوغ الفجر وتوقف القصف التركي على قرية بآنكي تحرك آزاد مع أطفاله ليعود إلى القرية بعد قضاء الليل بأكمله في العراء تحت صخرة كبيرة على أطرف القرية، وقال: «ما ذنبنا ليتحول ليلنا إلى كوابيس ونشعر بالموت يلاحقنا في بيوتنا، وأليس حق الأمن من حقوق المواطن الأساسية، إن لم نشعر بالأمان في بيوتنا أين نشعر بالأمن»، وبعد برهة من الصمت الذي خيم عليه وهو ينظر إلى القرية الغارقة في الظلام، قال: «تركيا تعرف أن حكومتنا لا تدافع عن حقوقنا مهما حصل معنا، لذلك لا يتقيد الجيش التركي بأي قواعد في استهداف القرى الكردية فكل ما ينتج عن القصف هو ضمن أهدافها في استهداف الكرد بغض النظر في أي دولة هم».
ويرى الكاتب والمحلل السياسي سامان نوح أن «الدولة التركية لا تعترف بالسيادة العراقية ولا بإقليم كردستان فمن البديهي هنا ألا تلتزم بأي قواعد اشتباك»، واستدرك قائلا: «الحقيقة أنه لا يوجد اشتباك هناك، وهي في الغالب تنفذ هجمات بطائرات مسيرة وحربية لا تفرق بين المدنيين، وإذا قتل مدنيون أو أحرقت ممتلكاتهم فهي تعتبر ذلك أمرا طبيعيا لا يتوجب الإدانة أو المراجعة»، مبينا أن «تركيا تتصرف وفق مبدأ أن هؤلاء بلا حقوق طالما هم ضعفاء ولا أحد يستطيع الدفاع عنهم، فتتصرف وفق رغبتها فتقصف فتقتل وتحرق طالما تعرف أنه لا أحد يمكن أن يحاسبها أو حتى يعاتبها، فالحكومة العراقية ضعيفة ووجودها في إقليم كردستان وجود بسيط وشكلي، وبالتالي لا تكترث الحكومة التركية لمواقف بغداد». أما عن موقف حكومة الإقليم فقال نوح إن «تركيا حقيقة لا تعترف بوجودها أصلا وهي لا تعترف بالكيان الدستوري لإقليم كردستان وتطلق عليه مصطلح إقليم شمال العراق».
وتسببت عملية «مخلب النمر» خلال ثلاثة أشهر بقتل ستة مدنيين، وتم استهداف عدة سيارات مدنية، إلى جانب مقتل ضابطين عسكريين بقوات حرس الحدود العراقية، إضافة إلى تضرر سكان نحو 150 قرية تابعة لمحافظة دهوك بشكل مباشر أو غير مباشر.
تتسبب العمليات العسكرية التركية في المناطق الحدودية العراقية عادة بخسائر مادية يتكبدها سكان القرى من حرق مزارعهم ومراعيهم إضافة إلى الأضرار التي قد تتعرض لها منازلهم بشكل مباشر أو غير مباشر، ولم يتحمل الجيش التركي تعويض أي خسائر تعرض لها المواطنون طوال فترة عملياتها بحسب الناشط المدني سربست حسن الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «عشرات المزارع والمراعي حرقت بسبب القصف التركي وتكبد أصحابها خسائر فادحة، دون أن يتحمل الجيش التركي تعويض هذه الخسائر بسبب عدم اهتمام الحكومة العراقية وحكومة الإقليم أيضا بالمطالبة بتعويض هذه الأضرار، وكأن هؤلاء الناس هم ليسوا مواطنين وعلى السلطات حماية أمنهم ومصالحهم»، مبينا أن «إهمال السلطات وتلكؤها في مطالبة تركيا بتعويض الأضرار التي تسببت بها جعل الجيش التركي أكثر وحشية واستهتارا في عملياتها التي لا تراعي فيها أي قواعد اشتباك حتى في مناطق تواجد المدنيين».
وقف آزاد أمام منزله وطفله نائم على كتفه دون أن يتمكن من الدخول إلى البيت بسبب تهشم زجاج شبابيك البيت كاملا وخلع بابين داخل المنزل، وقال: «من سيعوضنا كل هذه الخسائر الأتراك أم حكومتنا»، وتابع «الأتراك غير مهتمين حتى لو خسرنا أرواحنا، وحكومتنا لا تفكر حتى بمطالبة الأتراك بتعويض أضرار المدنيين، بل على العكس تبحث السلطات عن مبررات تشرعن عمليتهم العسكرية».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.