مدير «الشرق»: نقدم محتوى مختلفاً يسد فراغاً في الإعلام العربي

الخطيب أكد أن القناة تستهدف القادة السياسيين والمستثمرين وقطاع الشباب

داخل أحد ستوديوهات {الشرق}
داخل أحد ستوديوهات {الشرق}
TT

مدير «الشرق»: نقدم محتوى مختلفاً يسد فراغاً في الإعلام العربي

داخل أحد ستوديوهات {الشرق}
داخل أحد ستوديوهات {الشرق}

راهن الدكتور نبيل الخطيب، المدير العام لقناة «الشرق»، على 3 عناصر ستساعده في تنفيذ استراتيجيته أن تكون القناة الحديثة التي تقدم محتوى اقتصادياً مع «بلومبرغ» العالمية تجربة متجددة، مشيراً إلى أن «الشرق» ستغطي فراغاً في الإعلام العربي لم تتطرق إليه أي وسيلة إعلام عربية.
وبيّن الخطيب في حوار مع «الشرق الأوسط» أن تأسيس القناة جاء في وقت يساعدها على الانتشار والاستفادة من آخر ما توصلت إليه التقنية، الأمر الذي يجعلها تتكيف مع تقديم محتوى لشرائح مختلفة عبر أدوات متنوعة. ولفت إلى أن «الشرق» أكثر من مجرد قناة، وتصل إلى مستوى تقديم الخدمات الإخبارية.
وتحدث في الحوار التالي عن استراتيجية القناة والتحديات التي واجهتهم في مرحلة التأسيس، إضافة إلى عدد من الملفات.
> ما استراتيجية قناة «الشرق»؟
- نحن نراهن على ألا نكون تكراراً لأحد، وإنما نبحث عن الفراغات في المشهد الإعلامي كي نعبّئها بتجربة متجددة، على الرغم من ازدحام السوق. هذا شيء صعب في أذهان الناس، إلا أن رهاننا يتركّز على مجالات، سواءً من حيث الفئات المستهدفة ومن حيث المحتوى، لم تأخذ حقها لأسباب مختلفة كانت لها علاقة في القفزة والتطور في الإعلام العربي منذ نهاية الثمانينات. من هذه الفئات التي لم تحصل على ما تستحق من خدمات باللغة العربية، كبار المستثمرين والقادة السياسيون الراغبون أن يحظوا بإطلالة معمقة على المشهد العالمي من الناحية الاقتصادية والاستثمارية وتأثيره على المنطقة وذلك باللغة العربية. هذا موجود إلا أنهم يلجأون إلى «بلومبرغ» أو «فاينانشيال تايمز» أو «وول ستريت» باللغة الإنجليزية، وبالتالي، نحن أردنا أن نمزج بين تجربتين:
الأولى، المحتوى العالمي والاستفادة من علاقتنا من خلال «بلومبرغ» مع خبراء لديهم خبرة عريقة في الإعلام الاقتصادي من المنطقة، وذلك أنهم يفهمون المنطقة، ويعرفون ما الذي يحتاج إليه المستثمر أو صاحب القرار السياسي فيما يتعلق بالمشهد الدولي للاقتصاد، وبالتالي يعالجون متطلبات المنطقة كون لديهم فهم للمنطقة. إلا أن محرر الاقتصاد في «بلومبرغ» أو «وول ستريت» يكتب الاقتصاد من منظور جمهوره، بينما نحن نريد أن نقدمه لهم من منطور اهتماماتهم، ولكن عن المشهد العالمي، وهذه التجربة لم يدخلها أحد، ليس لأنها سيئة أو إيجابية، بل لكونها لم تخطر ببال أحد، ونحن بعلاقتنا وتحالفنا مع «بلومبرغ» لدينا هذه الفرصة الذهبية الآن.
الأخرى، أنه على مدى السنوات العشر الماضية تغيّر المشهد من حيث وسائط إرسال وتوزيع المحتوى لجهة الرقمي والتواصل الاجتماعي والتبدلات في الواقع العربي. وهو ما دفع جمهوراً كبيراً لأن يبتعد عن التلفزيون، وثمة قطاع كبير من الشباب نسبة 70 أو 75% منهم تحت عمر 25 سنة... وهؤلاء ليسوا في ذهن المؤسسات الراسخة أو السائدة في العالم العربي. لهؤلاء نريد أن نقدم المحتوى الذي يهمهم، وهذا المحتوى قد يكون سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، أو يتعلق بقصص نجاح أو فرص. أملنا أن نقدم لهذا القطاع من الشباب قوة المثل الإيجابي لنجاحات شباب آخرين في المنطقة وفي العالم، تشدّ من أزرهم وعزمهم أن لديهم فرصة في النجاح كما نجح الآخرون من الشباب بدلاً من أن يشكوا العتمة وهم على قارعة الطريق بانتظار فرص عمل. لذلك هذا النوع من الاستراتيجيات يستوجب منصات متعددة وليست فقط منصة واحدة، لديها طريقة غير مركزية في إنتاج المحتوى. ومن هذا المنطلق يوجد مطبخ، ومن ثم تجد هذا المطبخ يَتقدّم تدريجياً باتجاه مطابخ إنتاج محتوياتها إقليمية ومحلية تراعي الاحتياجات المحلية في الدول المختلفة. وهنا أشير إلى أن مركز المؤسسة الرئيسي لقناة «الشرق» في المملكة العربية السعودية كإدارة واستثمار ومركز بث رئيس، ولكن لدينا مراكز رئيسة أخرى في دبي والقاهرة والرباط وعمان وواشنطن، وربما نتوسّع شرقاً باتجاه آسيا من أجل تقديم المحتوى الذي يلائم الجمهور العربي.
> أين تقع مكامن القوة في قناة «الشرق» لتنفيذ هذه الاستراتيجية الطموحة؟
- أولاً، كما تعرف، لدينا تحالف مع لاعب رئيس عالمي هو «بلومبرغ» في أخبار الاقتصاد. لدى «بلومبرغ» ثروة من المعلومات، التي نسعى لتبسيطها وتقديمها لجمهور المهتمين في العالم العربي، وهذا عنصر قوة أساسي. ثانياً، لدينا فرصة كوننا جئنا في الأوقات الحالية التي تتيح لنا أن نستفيد بما تسمح به التكنولوجيا لتقديم تجربة استخدام للمحتوى ملائمة لقطاع الشباب التي تشابه وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا ليس سهلاً على القنوات القائمة، لكونها تعمل وفق أنظمة عمل مترسخة، وصناع محتوى اعتادوا أسلوباً معيناً. أما نحن فقد استقطبنا جيلاً جديداً من الشباب المستعدين للتجريب وتقديم ما يمكن أن يلائم الشباب، وهذا يزيد من فرصنا. وثالثاً، سنعتمد «اللامركزية» بقدر الإمكان وبشكل تدريجي في إنتاج المحتوى، كي نراعي الاحتياجات المحلية والإقليمية للمحتوى. إن هذه العناصر الثلاثة مجتمعة، مع وجود التكنولوجيا يمكن أن تعطينا فرصة لنحقق هذه الاستراتيجية.
> ... وبالتالي أنتم تتبعون منهجاً، أي أكثر من مجرد قناة؟
- نعم، نحن أكثر من مجرد قناة... نحن مؤسسة خدمات إخبارية. وعندما قرّرت «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» أن تسمّي المؤسسة «الشرق للخدمات الإخبارية» لم يأتِ القرار مصادفة أو عبثاً، فالمقصود أننا نقدم خدمة إخبارية بغضّ النظر عن المنصة. القصة هي الرئيسة، وأعتقد أن الكل سيمر في هذه التجربة، فنحن نتأسس على هذا الأساس، ولكن مع الوقت هناك تحدّيات للمطبوع. الناس ستتحوّل إلى الرقمي، والرقمي له شروط ومتطلبات في الإنتاج ودورة إنتاج المحتوى. وبحكم أننا جئنا متأخرين يمكننا أن نبدأ مستفيدين من الدروس والعبر من غيرنا وكذلك من المتطلبات العصرية. والمعنى أنه توجد مؤسسات راسخة أُسست قبل عقود لكنها تواجه اليوم تغيّر الواقع والتكنولوجيا والفئات المستهدفة... مؤسسات كهذه ليس من السهل عليها أن تتغير بين ليلة وضحاها. بينما يسهل هذا الأمر على المؤسسة الجديدة.
خذ مثالاً قطاع السيارات... شركة جديدة مثل «تسلا» استطاعت أن تحقق مكاسب عالية أكثر من شركات عريقة في السوق، سواء على صعيد القيمة السوقية أو في العائد على الأسهم. وهذا ما أقصده عندما أقول إنه لدى الوافد الجديد فرصة كبرى للنجاح إذا فهم احتياجات الفئة المستهدفة وراعاها بإبداع. إنه يتمتع أيضاً بفرصة لأن ينجح بسرعة أكبر. تحالفاتنا والكفاءات المتوافرة لدينا من الشباب الموجودين في المؤسسة، رغم التحديات كفيلة بأن توفر لنا فرص النجاح المرجو.
> من أصعب المعادلات في قطاع الإعلام العربي تقديم إعلام متخصص للمتابع العادي... كيف يمكن تحقيق التوازن المطلوب؟
- هذه ميزة الإمكانيات الموجودة لدينا. ما عاد ثمة اضطرار لتقديم إعلام متخصّص في الاقتصاد للجمهور العادي. يمكن تحديد مَن هي الشخصية المخصصة لبرنامج صباحي، كما يُعرض في عدد من القنوات العربية عندما تستهدف المرأة أو ربة البيت في المنزل، وهو ما يجعل هذه البرامج تقدم ما تحتاج إليه هذه الفئة. إلا أننا فكّرنا بأن هذا موجود وناجح ولا حاجة للتجارب واستنزاف الموارد... ومَن هو الذي يستيقظ صباحاً ولا يجد ما يخدمه بينما هو بحاجة لكل معلومة من الصباح، يجده على الشاشة وهو يمارس الرياضة أو يجدها في الهاتف المحمول على الأغلب.
أما رجال الأعمال والقادة السياسيون، الذين في أذهانهم قرارات صعبة بحاجة إلى معلومات فتساعدهم وتؤازرهم على اتخاذ القرار الصحيح، فهذه الفئة هي المستهدفة في التلفزيون في الصباح. رجل الأعمال والسياسي من هؤلاء سيشاهد المواد التي تهمه سواءً في الاقتصاد أو في قطاعات أخرى. وبالتالي، حددنا من هي الفئة المستهدفة وقلنا سننتج محتوى ملائماً لهذه الفئة. في حال سألني شاب: كيف يمكن أن أستمتع بهذا البرنامج؟ سأقول له: هذا البرنامج ليس لك... فأنا قدّمت لك محتوى مختلفاً على التطبيق الذكي أو الموقع المخصص لشريحتك، ومن ثم أضخ المحتوى باتجاهه. إن الطريقة التي تحكم فيها على المحتوى هي طريقة إرساله... والجهة المستهدفة تغيّرت، لأن كل المشهد تغير.
> ... وبالتالي، فأنتم ستخاطبون الشخص العادي وليس المتخصص عبر طرق جديدة؟
- سنخاطب الشخص العادي عبر المنصّات الرقمية فيما نعتقد أنه مناسب له وما يتعلق بتحدياته. التلفزيون سيقدم محتوى للشباب، لكن الثقل الرئيس سيكون للشخص الذي يفكر ماذا سيفعل بمليار دولار، سواء له أو لصندوق استثماري يعمل عليه.
> خلال رحلة التأسيس، ما أبرز التحديات التي واجهتكم؟
- «أصعب تحدٍّ في البداية كان تحديد الوجهة ووضوح الهدف، ومن ثم تحديد الأدوات والوسائل التي يمكن أن تؤدي إلى ذلك. ومن ثم، وصلنا إلى التحدي الأصعب على الإطلاق ألا وهو إيجاد الفريق المناسب. الصعوبة لا تكمن في شح الكفاءات، بل في أنه ليس لديك إلا فرصة واحدة لتختار الفريق الملائم، وتجد المزج الصحيح بين عنصري الشباب والنخبة من أصحاب الخبرات التي يمكنها بخبراتها أن تُثري تجربة الشباب وتساعدهم على قيادة المؤسسة. وهذا يعني بالإجمال ما واجهنا من تحديات.
طبعاً، هذا العام واجهنا كذلك تحدي كورونا (كوفيد - 19) والمشكلة لدينا أنه بينما كل الناس تستكين للإغلاق في دولها، وضعنا لأنفسنا تحدي إطلاق أول منصة رقمية -حتى لو كانت تجريبية في أوج «كورونا»- في أبريل (نيسان) الماضي. قررنا ذلك بفرضية أن الجمهور توّاق جداً للمحتوى، وأحببنا أن نقدم مساهمتنا في هذا المحتوى من خلال المنصة الرئيسة وهي الموقع الإلكتروني للقناة، بالإضافة إلى المنصات في وسائل التواصل الاجتماعي خلال يونيو (حزيران) الماضي. وحقاً، فوجئنا إيجاباً خلال ثلاثة أشهر فقط بأنه عدد المتابعين وصل إلى الملايين في منصاتنا على التواصل الاجتماعي. كان هذا الأمر مفاجئاً لنا، إذ ما كنا نتوقع أن تعطينا الناس فرصة، لكننا شعرنا فيما بعد أن هناك قطاعاً متزايداً من الجمهور يريد أن يشاهد ما لدينا من محتوى، والعبء الآن علينا، طبعاً، في أن نواصل الاحتفاظ باهتمامه ومتابعته.
> في كلمة أخيرة، ما الذي تريد قوله للمشاهد العربي؟
- أود أن أقول إنني آمل من المشاهد العربي أن يحظى بفرصة لمعايشة هذه التجربة والحكم عليها بطريقة غير تقليدية. وبالتالي، يتيقن من أننا موجودون حيث يحتاج إلينا... وتعهدي للمتلقي العربي هو أنه سيجد منّا محتوى متنوعاً ملائماً يأخذ بعين الاعتبار احتياجاته، حيثما احتاج إلينا، ونَعِده بأن يكون تواصلنا معه وخدمتنا له غاية في السهولة عندما وحيثما وكيفما أراد... لينهل ما يتوافق مع احتياجاته.



جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.