على بعد آلاف الأميال... أشخاص تعتمد حياتهم على الانتخابات الأميركية أيضاً

شعار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يظهر على حائط في الخليل بالضفة الغربية (أرشيف - رويترز)
شعار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يظهر على حائط في الخليل بالضفة الغربية (أرشيف - رويترز)
TT

على بعد آلاف الأميال... أشخاص تعتمد حياتهم على الانتخابات الأميركية أيضاً

شعار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يظهر على حائط في الخليل بالضفة الغربية (أرشيف - رويترز)
شعار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يظهر على حائط في الخليل بالضفة الغربية (أرشيف - رويترز)

ليس الأميركيون وحدهم من يقلقون بشأن وظائفهم أو رعايتهم الصحية أو إطعام أسرهم اعتماداً على من يجلس في المكتب البيضاوي. فتعد الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات الخارجية على مستوى العالم وأكبر مساهم منفرد في برنامج الغذاء العالمي، مما يعطي الناس حول العالم سبباً للقلق كلما دخلت إدارة جديدة إلى واشنطن. وأن عشرات المليارات من الدولارات للغذاء والماء والتعليم والصحة والأمن واحتياجات التنمية الأخرى على المحك، وفقاً لشبكة «سي إن إن».
ويقول مارك غرين، الرئيس السابق للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس إيد)، قناة المساعدات الخارجية الرئيسية للولايات المتحدة، الذي خدم خلال إدارة ترمب حتى ربيع هذا العام: «تقدم كل إدارة أولوياتها الجديدة الخاصة بها».
قد لا تتغير مهمة الوكالة المتمثلة في إنقاذ الأرواح والحد من الفقر وتعزيز الديمقراطية نيابة عن الشعب الأميركي، ولكن يجب أيضاً أن تتوافق مع السلطة التنفيذية.
ورغم أن إدارة البيت الأبيض الحالية أطلقت برامج للأقليات الدينية والنساء، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو ما يسميه غرين بـ«المتشكك في المساعدة».
ولقد حاول مراراً وتكراراً خفض ميزانية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بأكثر من 20 في المائة واستخدم تخفيضات المساعدات في سياسته الخارجية. وأوقف مؤقتاً المساعدة لـ«المثلث الشمالي» الفقير في غواتيمالا وهندوراس والسلفادور بسبب الهجرة؛ كما أوقف المساعدة المقدمة لبرامج الأمم المتحدة للغذاء والتعليم والوظائف في غزة والضفة الغربية بسبب محادثات السلام.
وقال غرين، المدير التنفيذي الآن لمعهد «ماكين»، إنه «ليس من غير المألوف» أن يفرض البيت الأبيض أو الكونغرس قيوداً على المساعدة، وأضاف: «أحياناً يكون ذلك لأسباب سياسية، وأحياناً لأسباب استراتيجية. الأمر يختلف حقاً لكن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لا تتمتع بالمرونة الكاملة»..

*معركة ميزانية الوكالة
بذلت إدارة ترمب محاولات سنوية لتقليص ميزانية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، رغم رفض الكونغرس لذلك إلى حد كبير. كانت الميزانية المقترحة للوكالة لعام 2019 منخفضة للغاية لدرجة أن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام وصفها بأنها «سخيفة» في اجتماع أبريل (نيسان) عام 2018 للجنة الفرعية لمخصصات مجلس الشيوخ بشأن العمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية لشبكة «سي إن إن»: «بينما تنظر الإدارة إلى دور وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية في الدبلوماسية والتنمية على أنه أمر بالغ الأهمية للأمن القومي، يجب أن يكون ذلك متوازناً مع تقييد الإنفاق التقديري الشامل غير الدفاعي، بما في ذلك الخاص بوزارة الخارجية و(يو إس إيد)».
وأوضح غرين: «الرئيس ترمب والفريق المحيط به، أعتقد أنهم متشككون في المساعدة. هذا ليس سراً. لكن ما كان يعنيه ذلك دائماً بالنسبة لي وللفريق في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية هو أننا اعتبرنا الأمر تحدياً. وهكذا، ما عملنا بجد للقيام به هو إظهار كيف قيمة كل برنامج، وكيف يمكن أن تكون هذه البرامج أداة أساسية في فن الحكم الدبلوماسي والاقتصادي».
وقبل التنحي، قاد غرين عملية إعادة توجيه للوكالة لتعزيز «رحلة الاعتماد على الذات» للبلدان المستفيدة بهدف نهائي عبر «العمل نحو وقت لا تعود فيه المساعدة الأجنبية ضرورية».
ومع ذلك، أضاف لاحقاً: «هل كنت سأحب إعطاء المزيد من المال؟ بالتأكيد نعم».

*تخفيض المساعدات
على النطاق الهائل للمساعدات الخارجية الأميركية، حتى التغييرات الصغيرة في الإنفاق يمكن أن تساعد أو تؤذي مئات الآلاف من الأشخاص.
وقال ترمب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2018: «للمضي قدماً، سنقدم فقط المساعدة الخارجية لأولئك الذين يحترموننا وبصراحة هم أصدقاؤنا».
وتكافح لينا أبو ظريفة لإطعام أطفالها الثلاثة منذ ذلك العام. وقالت السيدة من غزة البالغة من العمر 34 عاماً لشبكة «سي إن إن»: «لا يوجد شيء في المنزل... ذات يوم أراد أطفالي كوباً من اللبن وبعض البيض ولم أستطع توفير ذلك».
واعتادت الحصول على قسائم ممولة من الولايات المتحدة، تبلغ قيمتها حوالي 130 دولاراً شهرياً، التي ساعدتها على تحمل تكاليف الضروريات مثل الدقيق وزيت الطهي والأرز والسكر. وهي الآن تعتمد على تبرعات أختها وجيرانها الذين يشفقون على الأسرة. وقالت: «ليس لدي المال لتقديم أي شيء».
وتعتبر لينا من بين حوالي 130 ألف شخص في غزة توقفوا عن تلقي قسائم الطعام عندما جف التمويل الأميركي لبرنامج الغذاء العالمي في الضفة الغربية وغزة في عام 2018.
ولدى سؤاله عما إذا كانت تلك التخفيضات، التي تمت خلال فترة ولايته، لها أي هدف إنساني أو إنمائي، أشار غرين إلى البيت الأبيض، وقال: «تعلمون، الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تعمل بموجب أي توجيهات رئاسية أو قواعد أو قيود مفروضة».



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».