استبق «الجيش الوطني» الليبي وقوات حكومة «الوفاق» المحادثات المزمع إجراؤها في العاصمة التونسية، الشهر المقبل، وأعلنا، أمس، اتفاقهما على «وقف دائم» لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وسط ترحيب دولي وإقليمي ومحلي، في وقت أقلعت صباح أمس، أول رحلة جوية (تجارية) من مطار معيتيقة الدولي بطرابلس (غرباً) إلى مطار بنينا الدولي ببنغازي (شرقاً).
وسادت الأوساط الليبية لغة تصالحية منذ صباح أمس مع بدء الحديث عن توقيع وفدي «الجيش الوطني» وحكومة «الوفاق» المشاركين في محادثات اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» بجنيف في سويسرا على الاتفاق.
ونشرت البعثة بثاً مباشراً على صفحتها لحفل التوقيع، الذي استمر قرابة عشر دقائق وأعقبه تصفيق من الحضور. وجرت المراسم في مقر الأمم المتحدة بجنيف، ووقف أعضاء الوفدين الليبيين ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بـ«الإنابة» ستيفاني ويليامز، وهم يضعون كمامات أمام وثائق الاتفاق التي وقعوا عليها لاحقاً.
وبشّرت البعثة الأممية الليبيين بما سمته «إنجازاً تاريخياً» توصل إليه وفدا اللجنة العسكرية، وقالت ويليامز في مؤتمر صحافي إن طرفي الصراع في ليبيا وقعا «اتفاقاً لوقف إطلاق النار»، موجهة حديثها إلى رئيسي الوفدين العسكريين اللذين يمثلان «الجيش الوطني» وحكومة «الوفاق»: «أود أن أهنئكم بما أنجزتموه هنا، والذي كان يحتاج إلى مزيد من الشجاعة».
وفيما وصفت ويليامز هذا التوافق بأنه «يوم جيد بالنسبة للشعب الليبي»، أكدت أن «الاتفاق يدخل حيّز التنفيذ فورا»، ما يعني أن جميع القوات المحتشدة على جبهات القتال على محوري (سرت والجفرة)، ستعود إلى قواعدها، بينما سيكون على (المقاتلين الأجانب) و(المرتزقة) مغادرة ليبيا، وهو ما أكد عليه اللواء امراجع العمامي رئيس وفد «الجيش الوطني» في المحادثات.
واستكملت ويليامز: «اتفق الطرفان على عودة جميع الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة الموجودة على الجبهات إلى معسكراتها، وتشكيل قوة عسكرية مشتركة»، «وسيترافق ذلك مع مغادرة جميع (المرتزقة) و(المقاتلين الأجانب) من جميع الأراضي الليبية براً وجواً وبحراً في غضون مدة أقصاها ثلاثة أشهور ابتداء من اليوم (أمس)». قبل أن تستدرك: «وقف إطلاق النار لا ينطبق على المجموعات التي تصنفها الأمم المتحدة (إرهابية)».
ودعت ويليامز إلى تنفيذ الالتزامات الواردة في هذه الاتفاقية عبر تجسيد عمل اللجان الفرعية، قائلة: «من المهم الاستمرار في العمل بأسرع وقت ممكن لتخفيف المشاق العديدة التي تسبب فيها النزاع للشعب الليبي، ونمنحه بارقة أمل لمستقبل أفضل».
وزادت ويليامز من جرعات التفاؤل، وقالت إن هناك «مؤشرات جيدة على أن المنشأتين النفطيتين في راس لانوف والسدر ستكونان جاهزتين لاستئناف الإنتاج خلال فترة قصيرة».
ويأتي هذا الاتفاق بعد محادثات استمرت خمسة أيام في الأمم المتحدة، استباقاً لاجتماعات تحضيرية في تونس الأسبوع المقبل تمهيداً لـ(منتدى الحوار السياسي) الذي ترعاه البعثة هناك في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني).
وتعهد اللواء امراجع امحمد العمامي رئيس وفد القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الالتزام بالاتفاق، وقال في المؤتمر الصحافي أمس «إننا سعداء بما أنجزناه واستطعنا بهذه المحادثات (تحقيق) ما يصبو إليه كل الليبيين حقناً لدمائهم وبث روح السلام فيما بينهم وسنكون سنداً لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه»، مثمناً جهود البعثة الأممية.
ورأى اللواء أحمد أبو شحمة رئيس وفد حكومة «الوفاق» أن هذا الاتفاق «سيكون السبب الرئيسي لوقف نزف الدم في ليبيا»، داعياً السياسيين الليبيين أن «يكونوا يداً واحدة حتى يتحقق الاستقرار السياسي والعسكري؛ لأن هذا الاتفاق هو الذي يصل بالوطن إلى الاستقرار».
وفيما قال «كفانا معاناة ودماء، وإن الشعب الليبي في هذه اللحظة ينتظر أن يتحقق التغيير، وترفع المعاناة عن جميع الأرض الليبية وخاصة في الجنوب»، دعا «الضباط في (الجيش الليبي) إلى بذل جهودهم من أجل إعادة بناء المؤسسة العسكرية، وضرب من يريد زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد».
وفي أول تعقيب على الاتفاق، قال رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، أمس، خلال كلمة له بذكرى انتصار (ثورة 17 فبراير (شباط)) «إنه (الاتفاق) يحقن الدماء، ويرفع المعاناة عن المواطنين، ويمهد الطريق لنجاح المسارات الأخرى الاقتصادية والسياسية».
وسارعت أطراف عربية ودولية ومحلية إلى الإشادة بالاتفاق. وفي هذا الإطار، أعلنت السعودية ترحيبها بتوقيع اللجان العسكرية الليبية المشتركة لاتفاق وقف النار. وأعربت وزارة الخارجية، في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس)، عن تطلع المملكة لأن يمهد الاتفاق الطريق لإنجاح التفاهمات الخاصة بالمسارين السياسي والاقتصادي، بما يسهم في تدشين عهد جديد يُحقق الأمن والسلام والسيادة والاستقرار لليبيا وشعبها الشقيق.
كما رحبت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بتوقيع الاتفاق الليبي، وعبرت عن أملها في أن يؤدي إلى تدشين عهد جديد للشعب الليبي من خلال الاستقرار السياسي والاقتصادي.
من جهته، رحب أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أمس، بتوقيع الاتفاق الليبي، واصفاً إياه بـ«الإنجاز الوطني الكبير» الذي من شأنه أن يثبت الأمن والاستقرار في كافة أرجاء البلاد. ودعا الأمين العام للجامعة العربية، في بيان، أمس، «الأشقاء الليبيين إلى اغتنام هذا (الحدث المفصلي) من أجل حلحلة الأزمة الليبية على كافة مساراتها الأخرى، خاصة توطئة انعقاد منتدى الحوار السياسي الليبي الذي تحضر له وترعاه البعثة الأممية».
كذلك رحب المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد حافظ، أمس، بالاتفاق. وقال إن «النجاح الذي تحقق (اليوم) جاء استكمالاً لأول اجتماع مباشر استضافته مصر في الغردقة نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي». كما ثمّن اتفاق العسكريين الليبيين على الحفاظ على الهدوء في الخطوط الأمامية، وتجنب التصعيد.
في المقابل، شكك الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الجمعة في «مصداقية» وقف إطلاق النار «الدائم» الذي وقع عليه طرفا النزاع الليبي وبإمكانية استمراره، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال إردوغان الداعم لحكومة الوفاق الوطني الموقعة على الاتفاق إن «اتفاق وقف إطلاق النار اليوم لم يتم في الحقيقة بأعلى المستويات، بل بمستوى أقل. سيكون تحديد إن كان سيدوم مسألة وقت». وأضاف «يبدو لي أنه يفتقد إلى المصداقية».
وقارن اردوغان بين وقف إطلاق النار المعلن في ليبيا واتفاقات مماثلة أعلنت بين أذربيجان وأرمينيا في ناغورني قره باغ في الأسابيع الأخيرة لكنها انتهكت.
من جهته، قال المتحدث الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن بيتر ستانو، للصحافيين، إن «اتفاق وقف إطلاق النار بشكل دائم أساسي لاستئناف الحوار السياسي»، مؤكداً أنه «من المهم جداً كذلك بأن يطبّق هذا الاتفاق». كما رحبت السفارة الفرنسية لدى ليبيا بتوقيع وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا، وقالت عبر حسابها على «فيسبوك» أمس: «هنيئا للأطراف على هذا (الاتفاق التاريخي) لجميع المواطنين الليبيين، نجاح المحادثات المباشرة بين الليبيين يؤكد أولوية السيادة الليبية في مواجهة التدخلات الخارجية... قيادة ممتازة لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا».
وفيما وصفه مقرر مجلس النواب الليبي صالح قلمة، بأنه «خطوة أخرى جديدة في الاتجاه الصحيح»، رأى المحلل السياسي الليبي عبد العظيم البشتي أنه يصب في «طريق المصالحة والوصول إلى تفاهمات أفضل جادة وراسخة بين الأفرقاء لحل الأزمة الليبية»، وقال: «أملنا كبير في المضي قدماً من أجل بناء أسس الدولة المدنية الديمقراطية التي نحلم بها، والتي لن تتأسس بشكل حقيقي إلا بجمع السلاح ليكون تحت سلطة رئيس دولة منتخب»، وانتهى إلى ضرورة أن «تتم هذه الخطوات بما فيها انتخابات نيابية والاستفتاء على الدستور تحت إشراف أممي يراقبها ويلزم كل الأطراف على القبول بنتائجها».
وفي إطار الأجواء الإيجابية، تستعد سلطات شرق ليبيا لإعادة استئناف صادرات النفط من ميناء السدرة في غضون الأيام المقبلة. في وقت أقلعت صباح أمس، أول طائرة ركاب من مطار معيتيقة الدولي بطرابلس إلى مطار بنينا الدولي بمدينة بنغازي بشرق البلاد، في أول رحلة تجارية منذ قرابة عامين، وسبق أن أقلعت طائرة في الاتجاه نفسه منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وأقلت مسؤولين من شركات الطيران لبحث ترتيبات إعادة الملاحة الجوية.
وكان السراج أجرى في روما مباحثات مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، مساء أول من أمس، جددت التأكيد على الحل السياسي للأزمة الليبية، بينما أكدت الحكومة الإيطالية دعمها لاستمرار خريطة الطريق لحل الأزمة الليبية المستوحاة من عملية برلين.
في غضون ذلك، نفى صلاح النمروش وزير الدفاع بـ«الوفاق»، أن «تكون حكومته منحت تركيا بشكل مباشر أو غير مباشر قواعد عسكرية بليبيا كما يتردد مقابل تدريبها العسكري لقوات (الوفاق) أو دعمها لنا كحكومة بشكل عام، كما لم تعقد أي اتفاقيات بهذا الشأن».
وأضاف في حوار مع وكالة «الأنباء الألمانية» أمس، «لكن من المؤكد أنه ستكون لتركيا أولوية فيما يتعلق بالاستثمارات التجارية لكونها الدولة الوحيدة التي هبت واستجابت لطلب (الوفاق) بمساعدتنا، في حين لم تلتفت دول أخرى لهذا الطلب رغم أنه مقدم من حكومة شرعية يعترف بها العالم».
طرفا النزاع الليبي يوقّعان في جنيف «اتفاقاً دائماً» لوقف النار
«الجيش الوطني» يتعهد الالتزام به... و«الوفاق» تعدّه سبباً لحقن الدماء... ترحيب سعودي ـ مصري وتشكيك تركي
طرفا النزاع الليبي يوقّعان في جنيف «اتفاقاً دائماً» لوقف النار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة