مدعية المحكمة الجنائية تبحث في الخرطوم تسليم المطلوبين دولياً

أبرزهم البشير ونائبه السابق أحمد هارون

الرئيس المعزول عمر البشير خلال محاكمته في الخرطوم الشهر الماضي فيما تنتظره محاكمة دولية بتهم جرائم حرب في دارفور (أ.ب)
الرئيس المعزول عمر البشير خلال محاكمته في الخرطوم الشهر الماضي فيما تنتظره محاكمة دولية بتهم جرائم حرب في دارفور (أ.ب)
TT

مدعية المحكمة الجنائية تبحث في الخرطوم تسليم المطلوبين دولياً

الرئيس المعزول عمر البشير خلال محاكمته في الخرطوم الشهر الماضي فيما تنتظره محاكمة دولية بتهم جرائم حرب في دارفور (أ.ب)
الرئيس المعزول عمر البشير خلال محاكمته في الخرطوم الشهر الماضي فيما تنتظره محاكمة دولية بتهم جرائم حرب في دارفور (أ.ب)

قالت الحكومة السودانية إن المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بانسودا، ستناقش مع المسؤولين في السلطة الانتقالية، التعاون بخصوص المتهمين الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف من المحكمة، وعلى رأسهم، الرئيس المعزول عمر البشير، باعتباره المسؤول الأول أمام المحكمة عن جرائم الحرب في دارفور.
وذكر بيان صادر عن مجلس الوزراء السوداني، أن وفد الجنائية الذي تقوده بانسودا، سيقدم للسلطات السودانية، إفادات عن التقدم الذي أحرزته المحكمة في قضايا المواطنين السودانيين التي تنظرها المحكمة. وتستغرق زيارة وفد المحكمة الجنائية المقرر وصوله مساء أمس، 4 أيام، كان يخطط أن تتم الزيارة بسرية تامة لاعتبارات أمنية. وأضاف البيان أن وفد المحكمة الجنائية الدولية سيعقد اجتماعات مباشرة مع كبار المسؤولين السودانيين.
ولعقد، تجاهل الرئيس السوداني عمر البشير مذكرات التوقيف الدولية الصادرة بحقه. والبشير الذي حكم البلاد ثلاثين عاما موجود في سجن كوبر بالعاصمة السودانية الخرطوم حيث تجري محاكمته. وقد صدر حكم أول في حقه في قضية فساد في ديسمبر (كانون الأول) وقضى بسجنه لمدة عامين. ويحاكم البشير مع 27 شخصاً آخرين بتهمة تدبير انقلاب 1989 الذي أطاح بالحكومة المنتخبة وقتذاك. وتأتي زيارة (بانسودا) وهي الأولى للسودان، في ظل توافق بين الحكومة الانتقالية وحاملي السلاح بإقليم دارفور على مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية خلال المفاوضات التي جرت بينهما بعاصمة دولة جنوب السودان (جوبا) في فبراير (شباط) الماضي.
وأقر البشير في أحد خطاباته الشهيرة بأن أعداد القتلى في المعارك التي دارت بين الحكومة والمتمردين لا يتجاوز 9 آلاف قتيل، وأن القتل تم لأتفه الأسباب. ومنذ عام 2009 تلاحق الجنائية، الرئيس المعزول، بتهم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ارتكبت في دارفور إبان فترة حكمه، قتل خلالها 300 ألف ونحو 3 ملايين لاجئ ونازح خارج وداخل السودان بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.
وكان مجلس الأمن الدولي تبنى في 2005 القرار رقم 1593 بإحالة قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وقضى القرار بملاحقة مسؤولين سودانيين في الحكومة والجيش وقادة ميليشيات قبلية، عن عمليات قتل وتهجير واغتصاب جرت في دارفور.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت عامي 2009 و2010 مذكرتي اعتقال بحق (البشير)، تعد أول ملاحقة لرئيس دولة يمارس مهامه.
ويواجه محمد علي الشهير بـــ(كوشيب)، الذي سلم نفسه للجنائية، 53 تهمة، من بينها القتل وشن هجمات على المدنيين والاغتصاب والنهب وتدمير الممتلكات، يتحمل فيها المسؤولية الجنائية الفردية بحسب ما أشارت إليه المحكمة.
وكانت الدائرة التمهيدية الثانية بالمحكمة الجنائية رفضت في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، طلباً تقدم به محامي كوشيب بالإفراج عنه لسلامة إجراءات التحقيق والشهود.
ومن جانبها، قالت هيئة محامي دارفور (مستقلة)، إن الجرائم المقيدة ضد البشير وأحمد هارون وعلي كوشيب لا تتعدى بضعة قضايا من جملة الجرائم المرتكبة بين الأعوام 2003 و2005، وإن هنالك الكثير من الجرائم الجسيمة ارتكبت واستحال تحريك أي إجراءات قانونية فيها. وشددت في بيان على ضرورة عقد اتفاق بين الجنائية والحكومة الانتقالية، يكفل للمحاكم السودانية حق استعادة البشير وغيره من المطلوبين بعد تسليمهم، بشأن أي بلاغات أخرى مقيدة ضدهم. وأشار البيان إلى أن الهيئة ستخاطب مجلسي السيادة والوزراء لحثهما على الالتزام بتعهدات السودان الدولية، وتسليم جميع مرتكبي الجرائم للمحكمة، وتسهيل أي إجراءات تحول دون الإفلات من العقاب.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.