قال هايكو ماس وزير الخارجية الألماني، إن موضوعي الصحة وإنعاش الاقتصاد مجدداً محور قمة رؤساء الدول والحكومات المزمع انعقادها في نوفمبر (تشرين الثاني)، مشيراً إلى أن الرئاسة السعودية لمجموعة العشرين تضطلع بدور مهم للاقتصاد إقليمياً وعالمياً، منوهاً بأن التنمية الاقتصادية المستدامة أمر محوري بالنظر إلى التحديات التي نواجهها في التصدي للتغيّر المناخي والاحترار العالمي.
وقال ماس في حوار مع «الشرق الأوسط» إن محاور قمة العشرين ستشمل تمديد فترة تأجيل سداد الديون للدول المتضررة بشكل خاص من وباء كوفيد - 19. وتلزمنا تحديداً خارطة طريق منظمة لكيفية التعامل مع الديون العالمية. ويتحتم ضمان توفُّر اللقاحات والاختبارات والأدوية والتأكد من كونها ميسورة التكلفة ومتاحة في جميع أنحاء العالم. ويتعين القيام بالمزيد من التنسيق الدولي، أيضاً في إطار منظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة العالمية.
وتعليقاً على تطبيع علاقات إسرائيل مع الإمارات والبحرين قال ماس: «نسعى إلى الاستفادة من هذا الحراك الناشئ من أجل إطلاق زخم جديد في عملية السلام في الشرق الأوسط ونتباحث مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي وفي جامعة الدول العربية والأمم المتحدة لدعم مسار لمحادثات جديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ونحن على اقتناع تام بأن حل الدولتين لا يزال يشكل الحل الأفضل لهذا الصراع، سواء لأمن إسرائيل أو لضمان حقوق الفلسطينيين».
وعلى الصعيد السوري، ربط ماس الدعم الأوروبي لإعادة إعمار سوريا بإطلاق عملية سياسية شاملة وذات مصداقية، في حين شدد على الصعيد اللبناني على أن الشروع في إصلاحات ملحوظة هو الشرط الأساسي للحصول على دعمٍ دولي وألماني لإعادة الإعمار واستئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي.
وعن العلاقات السعودية الألمانية، قال ماس: «السعودية شريك مهم لنا في المنطقة، وتجمع بلدينا علاقة تعاون اقتصادي وثيقة، فالرياض تُعتبر ثاني أهم شريك تجاري عربي لبرلين، وتعد ألمانيا رابع أكبر مورد للمملكة. تفتح رؤية 2030 المجال أمام العديد من ميادين التعاون الجديدة من بينها التعاون التكنولوجي لمواجهة تحديات التغيّر المناخي».
فإلى تفاصيل الحوار:
> كيف ترون الاتفاقيتين اللتين وقعتهما البحرين والإمارات مع إسرائيل وتداعياتهما على السلام والتعاون الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط دون الإضرار بحقوق الفلسطينيين؟
- ترحب ألمانيا باتفاقيتي تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والإمارات وبين إسرائيل والبحرين، حيث توضح الاتفاقيتان أن التعايش السلمي جنباً إلى جنب في المنطقة أمر ممكن. كما أنهما تكشفان عن الإمكانات التي قد تتيحها أمام شعوب المنطقة. وبطبيعة الحال، ينطبق هذا من وجهة نظرنا أيضاً على العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وبالتالي، فإننا نسعى إلى الاستفادة من هذا الحراك الناشئ من أجل إطلاق زخم جديد في عملية السلام في الشرق الأوسط التي وصلت إلى طريق مسدود.
لذا، فإننا نتباحث مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي وفي جامعة الدول العربية وكذلك في الأمم المتحدة كيف نستطيع أن ندعم سوياً المسار المؤدي إلى محادثات جديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ونحن على اقتناع تام بأن حل الدولتين لا يزال يشكل الحل الأفضل لهذا الصراع، سواء لأمن إسرائيل أو لضمان حقوق الفلسطينيين.
> ما رؤيتكم للوضع في ليبيا وفي سوريا، وإلى أي مدى تلعب كل من تركيا وروسيا دوراً محورياً في هاتين الأزمتين؟
- ما يجمع بين الصراعين كليهما هو أنهما مستمران منذ وقت طويل للغاية، وإننا في حاجة ملحّة لاستبدال الحل العسكري بحلٍ سياسي، وأن الصراع يسير على حساب المجتمع المدني ومن دون أي مراعاة له، ولا سيما في سوريا حيث إن معاناة الشعب هناك تفوق حقاً القدرة على التحمل.
كما أنه ليس سراً أن روسيا وتركيا طرفان حاسمان في الصراعين كليهما. نتوقع منهما في سوريا أن تسعيا من أجل وقف إطلاق النار على مستوى البلد كله وكذلك من أجل حل سياسي مستدام. إننا نؤيد العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة. وروسيا باعتبارها حليفاً وثيقاً للأسد مطالبة باستخدام نفوذها ودفع دمشق إلى اتخاذ موقف بناء. من الواضح لنا ولشركائنا في الاتحاد الأوروبي أننا لن نستطيع التفكير في الدعم الأوروبي لإعادة إعمار سوريا إلا حينما تجري هناك عملية سياسية شاملة وذات مصداقية على قدم وساق.
وأخيراً نشهد في ليبيا أولى بوارق الأمل. بوجه خاص يمكن أن تشكل المحادثات التي تشرف عليها الأمم المتحدة في مدينة مونترو أساساً لمواصلة العملية السياسية. الأمر الواضح هو أن مستقبل ليبيا يجب أن يقرره الليبيون أنفسهم، ولا يجوز توجيهه حسب المصالح الجيوستراتيجية للمؤيدين الدوليين لكل من الطرفين. أما الطريقة لذلك، فهي معروفة، يجب إنهاء التدخل الأجنبي في الصراع، ويجب تحسين الوضع الإنساني والأمني في البلاد، كما ينبغي بناء هياكل مستدامة للدولة ولسيادة القانون. نظراً لأهميتهما الكبيرة في حل الصراع، تشارك روسيا وتركيا في مسار برلين منذ البداية. ومن بين ما تعهدتا به في فبراير (شباط) من هذا العام على غرار الدول المشاركة الأخرى، هو دعم الوساطات التي تقودها الأمم المتحدة. وهذا هو المقياس الذي سوف يتم تقييمهما على أساسه.
> ما تقييمكم للظروف التي يمر بها لبنان حالياً بعد استقالة رئيس الوزراء الجديد، وما الرؤية الألمانية للخروج من الأزمة الراهنة؟
- من المؤسف جداً أن تشكيل حكومة في لبنان بقيادة رئيس الوزراء (مصطفى) أديب قد باء بالفشل. يتوقف الأمر الآن على الأحزاب والأطراف السياسية هناك التي عليها أن تسعى على وجه السرعة إلى تشكيل حكومة جديدة قادرة على التصرف.
فلبنان بحاجة ملحّة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية ظاهرة لتلبية التطلعات المشروعة لشعبه. كما يجب على الحكومة الجديدة أن تعكف على مكافحة الفساد وسوء الإدارة المستمرين منذ سنوات، وأن تتخذ التدابير الصحيحة لتحقيق ذلك.
> ما هي تطورات الموقف الأوروبي من الملف النووي الإيراني؟ وما تقييمكم للتهديدات التي تشكلها إيران في المياه الإقليمية للخليج؟
- اتفاق فيينا النووي هو بمثابة الآلية الوحيدة المتاحة لدينا لاحتواء البرنامج النووي الإيراني وجعله قابلاً للرصد والمراقبة؛ حيث إن الضوابط وقواعد الشفافية التي تضعها الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي الأكثر شمولاً في العالم. إن الحفاظ على ذلك يصب في مصلحتنا الأمنية الأوروبية والدولية المشتركة، وكذلك في صالح الاستقرار والأمن في الشرق الأدنى والأوسط. غير أن هذا لن يكون ممكناً إلا إذا تحملت إيران مسؤولياتها وواصلت أخيراً تنفيذ التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPoA) دون قيود. ونحن ندعو إلى ذلك بشدة.
نحن ننظر إلى الدور الإيراني في المنطقة بعين ناقدة، وينطبق هذا أيضاً على الأنشطة الإيرانية في الخليج ومضيق هرمز. حتى إن كان الوضع الأمني قد هدأ بعض الشيء مقارنة بالسنة الماضية، فإن الوضع لا يزال متوتراً. يتطلب الأمر إجراء محادثات مباشرة بين الأطراف الإقليمية الفاعلة حتى نتجنب الدخول في دوامة من التصعيد. وهذا ما أشدد عليه في جميع محادثاتي مع شركائنا في المنطقة. ومن جانبها، سوف تكون ألمانيا على استعداد لدعم التدابير كافة التي من شأنها وقف التصعيد وتعزيز الحوار.
> كيف تقيّمون العلاقات السعودية الألمانية؟ وما هي مجالات التعاون المهمة؟
- السعودية شريك مهم لنا في المنطقة، وهناك العديد من قضايا السياسة الخارجية والداخلية التي يتعين علينا مناقشتها معًا. إن العلاقات التي تربط بين بلدينا تعود إلى فترة ما قبل إعلان قيام المملكة العربية السعودية. ومنذ عام 1954 تربط علاقات دبلوماسية رسمية بين السعودية وألمانيا. تجمع بلدينا بصورة خاصة علاقة تعاون اقتصادي وثيقة، فالسعودية تُعتبر ثاني أهم شريك تجاري عربي لألمانيا، وتعد ألمانيا رابع أكبر مورد للسعودية. تفتح رؤية 2030 المجال أمام العديد من ميادين التعاون الجديدة، والتي من شأنها أن تساهم بشكل أساسي في عملية التنويع الاقتصادي المستهدفة في السعودية. ينطبق هذا بشكل خاص على السبل التكنولوجية لمواجهة تحديات التغيّر المناخي.
يهمني بصورة خاصة أن يدور فيما بيننا حوار صريح وقائم على الاحترام حتى فيما يخص القضايا التي نتخذ فيها مواقف مختلفة. وهذا بالفعل النهج الذي نتبعه أنا والأمير فيصل في كافة لقاءاتنا، فقد حل في هذا العام مرتين ضيفًا على برلين. لقد أكدت خلال محادثاتنا على اعترافنا وتقديرنا الواضح للخطوات التي تتخذها السعودية على سبيل التحديث. بيد أن الحكومة الألمانية الاتحادية على قناعة بأن هذا المسار الذي تنتهجه السعودية سوف يكلله النجاح، خصوصًا إذا تم تطوير المشاركة الاجتماعية ودور حقوق الإنسان بالقدر ذاته.
> ما رأيكم في الأزمة اليمنية؟ وما تقييمكم لاتفاق الرياض؟
- يدور الصراع في اليمن منذ أكثر من 6 سنوات حتى الآن، والحالة الإنسانية هناك كارثية. يعاني اليمنيون واليمنيات من النزاعات، وتدمير البنية التحتية المدنية، وسوء الرعاية الصحية، ومن كوفيد – 19، إلى جانب أزمة العملة والأزمة الاقتصادية.
كما أن المواطنات والمواطنين السعوديين، ولا سيما في المناطق الحدودية، يشعرون أيضاً بتبعات هذا الصراع. نحن على قناعة تامة بأنه لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع، لا في الحديدة ولا في مأرب. لقد عرضت الأمم المتحدة والمبعوث الخاص غريفيث اقتراحات بشأن الخطوات التالية نحو حل سياسي... نحن بحاجة إلى وقف إطلاق نار في جميع أنحاء البلاد، واتخاذ تدابير بناء الثقة والدخول في عملية سياسية. إن دعم السعودية لتلك الجهود واستخدام ما لديها من نفوذ لدى الحكومة اليمنية جيد.
غير أنه لا يجوز لنا التخلي عن سكان اليمن في محنتهم. لقد خصصت ألمانيا في العام الجاري بالفعل مبالغ قدرها 367 مليون دولار من أجل المساعدات الإنسانية والمشاريع الهادفة إلى تحقيق الاستقرار والتعاون الإنمائي. ولكن برامج الدعم المقدمة من الأمم المتحدة ما زالت تعاني من نقص شديد في التمويل. لذلك يسعدنا تنفيذ السعودية لتعهداتها بالدعم. إلا أننا كلنا مطالبون بالنظر في إمكانية تقديم المزيد من الجهود الحثيثة.
> ما مدى أهمية الدور الذي تلعبه السعودية في الاقتصاد الإقليمي والعالمي؟ وما أهمية الإصلاحات التي تقودها المملكة لتعزيز برامج القمة من أجل التنمية المستدامة؟
- بصفة السعودية عضواً في مجموعة العشرين ومع توليها الرئاسة الحالية للمجموعة وإلى جانب كونها أحد أكبر منتجي البترول، فإنها تضطلع بالطبع بدور مهم بالنسبة للاقتصاد الإقليمي والاقتصاد العالمي. يرقى البرنامج الإصلاحي الطموح المتضمن في رؤية السعودية 2030 إلى هذا الدور الذي تتقلده المملكة.
تُعتبر التنمية الاقتصادية المستدامة أمراً محورياً بالنظر إلى التحديات التي نواجهها في التصدي للتغيّر المناخي والاحترار العالمي. بما تقدمه من حلول تكنولوجية متقدمة، يتسنى لألمانيا وللشركات الألمانية أن تصبح شريكاً مهماً للسعودية في هذا السياق. ينطبق هذا بشكل خاص على مجال الطاقات البديلة ولا سيما الهيدروجين الأخضر وعلى المواضيع المتعلقة بإمكانيات التخزين والنقل.
> ما دور قمة مجموعة العشرين برئاسة السعودية؟ وما هي القضايا الأكثر إلحاحاً التي تنتظرها؟ وما هي أهم التحديات التي تواجهها؟
- اتخذت مجموعة العشرين في إطار عدد من الاجتماعات الاستثنائية تدابير مشتركة ذات أهمية خاصة، وذلك من أجل تقديم الدعم السريع للدول النامية والناشئة الأشد تضرراً من جائحة كورونا. إن ذلك لإشارة قوية على أهمية تعددية الأطراف. سيشكل موضوعا الصحة وإنعاش الاقتصاد مجدداً محور قمة رؤساء الدول والحكومات المزمع انعقادها في نوفمبر. ويشمل ذلك أولاً تمديد فترة تأجيل سداد الديون للدول المتضررة بشكل خاص من وباء كوفيد - 19. ولكننا نحتاج لأكثر من ذلك؛ فتلزمنا تحديداً خارطة طريق منظمة لكيفية التعامل مع الديون العالمية. ويجب علينا فضلاً عن ذلك ضمان توفُّر اللقاحات والاختبارات والأدوية والتأكد من كونها ميسورة التكلفة ومتاحة في جميع أنحاء العالم. تحقيقاً لذلك، يتعين القيام بالمزيد من التنسيق الدولي أيضاً في إطار منظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة العالمية.
علاوة على ذلك، وحيث إن لا استدامة إلا لما هو شامل، فمن الضروري، وخاصة بالنظر إلى الآثار المتفاوتة التي خلفتها الجائحة داخل مجتمعاتنا، أن نحرص بصورة خاصة على ألا نهمل أحداً وأن نحقق تقدماً في مجال المساواة.
وعليه، فهناك الكثير من القضايا التي يتعين علينا مناقشتها. ومنها بالطبع أيضاً تغير المناخ الذي لا يأبه للحدود والذي لا يمكننا مواجهته إلا بشكل جماعي. وبالتالي فسيكون للقمة الافتراضية التي تستضيفها السعودية في نوفمبر أهمية محورية.
وزير الخارجية الألماني لـ «الشرق الأوسط»: ننظر بعين ناقدة لدور إيران في المنطقة
ماس يقول إن الرئاسة السعودية لمجموعة العشرين تضطلع بدور مهم لقضايا العالم
وزير الخارجية الألماني لـ «الشرق الأوسط»: ننظر بعين ناقدة لدور إيران في المنطقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة