الكاظمي... حرب مفتوحة على عدة جبهات (تحليل إخباري)

العلاقة مع الفصائل المسلحة والانسحاب الأميركي أبرز ملفين

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ف.ب)
TT

الكاظمي... حرب مفتوحة على عدة جبهات (تحليل إخباري)

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ف.ب)

بعد نحو خمسة أشهر على تسلم مصطفى الكاظمي منصبه رئيساً لوزراء العراق لا يبدو أمام الرجل هدنة يمكنه من خلالها التقاط أنفاسه. فبعد التصفيق وقراءة الفاتحة بالقصر الجمهوري لحظة تكليفه بدأت الشروط ومحاولات الإملاء عليه بدءاً من كابينته التي استكملها على مرحلتين من البرلمان العراقي الذي يعكس إرادة القوى السياسية التي دأبت على الاختلاف على كل شيء. وحيث إن الكاظمي بدأ مساعيه لتطبيق برنامجه الوزاري فإن الإجماع السياسي عليه بدا مجرد استراحة محارب من القوى السياسية التي بدأت تنظر إلى خطواته اللاحقة من زواياها الخاصة هي وليس بالضرورة يمكن أن تكون لها انعكاسات إيجابية على الحياة اليومية للمواطن العراقي.
في سياق محاولاته لترميم وضعه السياسي من أجل مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهه شخصياً بوصفه مختلَفاً عليه لا سيما من قبل أطراف عديدة في المقدمة منها الفصائل المسلحة القريبة من إيران أو تواجه حكومته التي يتعين عليها التهيئة للانتخابات المبكرة وإعادة هيبة الدولة، سعى الكاظمي إلى تحييد مجريات الصراع في الداخل حين تراجع عما بدا أنها مواجهة مع الجماعات المسلحة في مقابل حسم التأييد الخارجي له إقليمياً ودولياً. وفي هذا السياق بدت زيارتاه لكل من إيران والولايات المتحدة ناجحتين بالمقاييس التي يحتاج إليها هو والتي يمكن أن تنعكس على مديات تأييده في الداخل. المتغيران المهمان اللذان لا يزال الكاظمي يخوض حرباً مفتوحة بسببهما هما العلاقة مع الفصائل المسلحة وطريقة تعاطي طهران مع هذا الملف، والثاني هو ملف الانسحاب الأميركي من العراق والذي بدأت مؤشراته من خلال انسحاب الأميركيين من عدد من المواقع العراقية طبقاً للحوارات التي خاضها في واشنطن والتي انتهت بجدولة الانسحاب.
وبين هذا وذاك حاول الكاظمي حسم أهم فقرة في برنامجه الحكومي وهي الانتخابات المبكرة، حيث فاجأ جميع القوى السياسية حين حدد موعدها في السادس من شهر يونيو (حزيران) العام المقبل. أما آخر الحروب التي خاضها الكاظمي فتخص الرواتب. ففي الوقت الذي أعلنت وزارة المالية أن مسألة رواتب الموظفين مرتبطة بورقة الإصلاح التي هي محل خلاف بين الحكومة والبرلمان، وهو خلاف يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً فإنه سرعان ما جرى الإعلان عن توزيع الرواتب، الأمر الذي فسّره خصوم الكاظمي على أنه بدأ يهيئ الأمور لنفسه وفريقه المقرب من أجل خوض الانتخابات المبكرة.
المتغير الذي ربما لم يكن محسوباً لكل الأطراف هو ملف الانسحاب الأميركي من العراق. ففي الوقت الذي لا يبدو فيه العديد من القوى السياسية الشيعية بالذات راضية عن جدولة الانسحاب البطيء بل تطالب بانسحاب فوري، فإنها تسوّق فكرة أن هذا الانسحاب وفي إطار الجدولة التي تم الإعلان عنها إنما هو بمثابة انتصار لها، في السياق نفسه فإن العديد من الفصائل المسلحة أعلنت هي الأخرى أن إغلاق السفارة الأميركية هو بمثابة انتصار لها قبل أن تبدأ كبريات وسائل الإعلام الأميركية تسويق العديد من السيناريوهات الأميركية المخيفة في حال انسحبت من العراق وقوامها مواجهة مفتوحة مع مطلقي صواريخ الكاتيوشا ومن يقف خلفهم.
متغير آخر يمكن أن يتسبب بخلط الأوراق من جديد هو ما أعلنه الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأميركية، أمس، عن عدم نية الولايات المتحدة الانسحاب من العراق والمنطقة بسبب استمرار خطر تنظيم «داعش». ماكنزي أكد أن الصراع مع «داعش» قد يستمر أجيالاً. هذا الموقف الأميركي الجديد من شأنه إعادة خلط الأوراق لا سيما بين واشنطن وبين الجهات الرافضة لوجودها في العراق.
وفي هذا السياق يرى الخبير الاستراتيجي الدكتور معتز محيي الدين، رئيس المركز الجمهوري للدراسات السياسية والأمنية، لـ«الشرق الأوسط» أنه «فيما يتعلق بالانسحاب الأميركي من العراق هناك صلة مباشرة بين مقتل قاسم سليماني وبين سياسته المتمثلة في إرغام الولايات المتحدة على الانسحاب، وبالتالي فإنه إذا انسحبت واشنطن، وهو لن يحصل لا في المستقبل القريب ولا البعيد، فإن سليماني يكون قد حقق في موته ما لم يتمكن من تحقيقه وهو على قيد الحياة». وأضاف محيي الدين أن «العراق وفي حال انسحاب القوات الأميركية سيفقد بالضرورة مساعدات ومعونات كبيرة تلعب دوراً كبيراً في النظام المالي للعراق وعلى كل الصُّعد». وأوضح أن «الولايات المتحدة الأميركية تعد المصدر الرئيسي لتسليح الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب الذي يلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على هيبة الدولة العراقية».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».