اتفاق سلام تاريخي ينهي عقوداً من الحروب الأهلية في السودان

البرهان وحمدوك: لن نعود للحرب واتفاقنا ليس لاقتسام السلطة... والسعودية والإمارات تؤكدان دعمه

مراسم توقيع اتفاق السلام السوداني في جوبا أمس (رويترز)
مراسم توقيع اتفاق السلام السوداني في جوبا أمس (رويترز)
TT

اتفاق سلام تاريخي ينهي عقوداً من الحروب الأهلية في السودان

مراسم توقيع اتفاق السلام السوداني في جوبا أمس (رويترز)
مراسم توقيع اتفاق السلام السوداني في جوبا أمس (رويترز)

وسط أجواء من الفرح والأمل وقع السودانيون في «جوبا»، وعلى مقربة من ضريح القائد السوداني التاريخي «جون قرنق»، «اتفاقية سلام» غير مسبوقة ينتظر أن تكون بداية نهاية عقود من الحروب الأهلية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى وملايين المصابين واللاجئين والنازحين.
وتزاحم عشرات الآلاف من سكان جنوب السودان وهم يحملون آلاتهم الموسيقية التقليدية، في «ميدان الحرية»، عند ضريح الزعيم السوداني الراحل «جون قرنق ديمبيور»، والذي قاد حرب عصابات ضد قوات الخرطوم استمرت قرابة 25 عاماً، انتهت باتفاقية السلام الأشهر «نيفاشا» عام 2005. للمشاركة في مراسم الاحتفال.
وجرت في جوبا لأكثر من عام، مفاوضات سلام مارثونية بوساطة من حكومة جنوب السودان، بين الحكومة الانتقالية السودانية، و«الجبهة الثورية» وتتكون حركات مسلحة ظلت تقاتل الجيش السوداني منذ نحو عقدين من الزمان، قبل أن تعلن وقف إطلاق النار، عقب إطاحة نظام الإسلاميين بزعامة الرئيس المعزول عمر البشير، بثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 الشعبية، وقوى شعبية مدنية من جهات السودان فيما عرف بـ«المسارات».
ووقع أمس قادة حركات المسلحة «الحركة الشعبية لتحرير السودان – مالك عقار، حركة العدل والمساواة السودانية - جبريل إبراهيم، حركة تحرير السودان – مني أركو مناوي، وحركات أخرى، إضافة إلى ممثلي مسارات أقاليم «الشرق، الوسط، الشمال» المنضوين لتحالف «الجبهة الثورية»، فيما وقع عن حكومة الخرطوم رئيس وفدها التفاوضي نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي».
ووقع كشهود وضامنين لاتفاقية السلام، كل من الرئيس التشادي إدريس ديبي، ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وممثلون عن دولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر، ومندوبو الاتحادين الأفريقي والأوروبي والأمم المتحدة.
وشارك في مراسم التوقيع الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، والرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي، والرئيس التشادي إدريس ديبي، والرئيسة الإثيوبية سهلورق زودي، بجانب رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميادرديت، ووزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، ووزير الدولة للشؤون الأفريقية السعودي أحمد قطان، والمبعوث الأميركي الخاص لدولتي السودان وجنوب السودان دونالد بوث، فضلا عن ممثلين لدول غربية وإقليمية وممثلين لعدد من الدول الغربية.
وحضر فعاليات التوقيع وفد سوداني يتقدمه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وأعضاء مجلس السيادة، وعدد من الوزراء، وقادة تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، وإعلاميون وفنانون وشعراء ونشطاء وممثلون عن لجان المقاومة.
وتتضمن الاتفاقية الموقعة أمس ثمانية بروتوكولات، تتعلق بالعدالة الانتقالية والتعويضات، وملكية الأرض، وتطوير قطاع الرحل والرعي، وتقاسم الثروة والسلطة، وعودة اللاجئين والنازحين، إضافة إلى بروتوكول الترتيبات الأمنية، ويعنى بإعادة دمج وتسريح مقاتلي قوات الحركات المسلحة في الجيش النظامي لتكوين جيش موحد يعكس التنوع السوداني.
وغابت عن التوقيع كل من الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، بيد أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قد التقى الجمعة بالحلو في جوبا، لحثه على الانخراط في عملية السلام الشامل في البلاد، وعقد معه اجتماعا بقصر الرئاسة في جوبا بحضور الرئيس سلفاكير ميارديت، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية «سونا» أنه بحث تطورات عملية السلام بما يؤدي لاستئناف محادثات السلام بين الطرفين.
وفي كلمته لحفل التوقيع دعا رئيس الوزراء عبد الله حمدوك كل من عبد الواحد محمد نور وعبد العزيز الحلو، للحاق بالسلام، وقال إن حكومته أكملت نقاش كل القضايا معهم. كما أشار إلى أهمية التنمية المستدامة في السودان وقال: لا سلام بدون تنمية وديمقراطية.
من جهته، أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عدم العودة للحرب مجدداً وقال في كلمته: «لن نحيد عن طريق السلام»، وإن الاتفاق الذي تم التوصل له يشمل كل المناطق، وأضاف: «استدار الزمان وأتينا إلى جوبا مرة أخرى سائرين على بساط السلام للتأمين على الاتفاق الذي وقع بالأحرف الأولى».
وبدوره قال رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت بصعوبة تطبيق اتفاق السلام في ظل الظروف السودانية، وناشد الأسرة الدولية والعالم العربي للالتزام بتعهداته في دعم تطبيق الاتفاق.
ووصف سلفاكير الاتفاق الذي رعاه بـ«الحدث تاريخي»، ودعا مواطنيه للفخر بجهود بلادهم لتحقيق السلام في السودان برغم التحديات التي تواجه بلادهم، واعتبر وساطته «وفاء لدين لدور يستمر السودان في القيام به، لتحقيق السلام في جنوب السودان»، وحث كل من عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور للانضمام لركب السلام، مؤكدا التزامه بالمصالحة والسلام في جنوب السودان وحل الخلافات عبر الحوار.
من جهته، وصف رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الاتفاق بأنه «صفحة جديدة لنهضة السودان»، وقال: «اتفاقنا اليوم ليس معاهدة لاقتسام السلطة»، وأوضح أن البلاد اجتازت «مرحلة السلام الأولى بالصبر، قاطعا بأهمية السلام لتحقيق التنمية المستدامة والديمقراطية بقوله: «لا سلام مستداما بدون تنمية مستدامة وديمقراطية»، وأضاف: «هذا سلام سوداني مطبوع عليه هويتنا صنعناه بأيدينا وجهدنا مع تعهد ورعاية كريمة من أشقائنا في جنوب السودان».
وبحسب صفحته الرسمية على «فيسبوك» قال رئيس وفد التفاوض محمد حمدان دقلو «حميدتي»، إن الاتفاق سيوقف الحرب ويحقق السلام والعدالة، ودعا لتنزيله لأرض الواقع «من أجل مصلحة وطننا العظيم ومحبي السلام في بلادنا»، واعتبره هدية للشعب وللذين عاشوا ويلات الحرب، وأضاف: «بهذا الاتفاق نكون قد بدأنا أولى الخطوات، نحو سودان خال من أصوات البنادق ونزف الدماء»، وتابع: «اليوم نودع أياماً حالكة الظلام من تاريخ بلادنا، ومعاً سنتجاوز الصعاب وصولاً إلى حلمنا في تحقيق الاستقرار والتطور والنماء».
وقال رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس يحيى، إن اتفاق السلام سيعزز العلاقة بين شعبي السودان وجنوب السودان، بيد أنه أشار إلى أهمية دعم المجتمع الدولي للاتفاق ومقابلة استحقاقاته، باعتبار استقرار السودان مسؤولية وطنية وإقليمية ودولية.
ووصف رئيس حركة السودان مني أركو مناوي توقيع الاتفاق بأنه «إنجاز مثل المعجزة»، وقال إن السودان ليخرج لبر الأمان يجب أن تعاون الاتفاقية ضحايا الحرب، وتوسيع القاعدة السياسية للحكومة الانتقالية.
وتعهد الاتحاد الأفريقي بالوقوف مع السودان لتنفيذ الاتفاق، ووصف ممثله رئيس المفوضية موسى فكي توقيع الاتفاق بالنقطة الحاسمة في عملية السلام، وأن الشعب السودان هو الضامن الأساسي له، فيما أكد مبعوث الرئيس الأميركي لدولتي السودان وجنوب السودان السفير دونالد بوث، التزام دول «الترويكا الغربية» بمساندة تحقيق العدالة والسلام في السودان، مشيرا إلى صعوبات واجهت توقيع اتفاق السلام، ومصاعب عديدة جابهت السلام في السودان، مشددا على أهمية توفير حياة أفضل للعديد من السودانيين في معسكرات النزوح.
من جانبه، دعا الاتحاد الأوروبي على لسان ممثله في حفل التوقيع الحركات التي لم تلتحق باتفاق السلام، للالتحاق بالسلام، ووضع الشعب السوداني «أولوية».
عربياً، أكد وزير الدولة للشؤون الأفريقية مبعوث خادم الحرمين الشريفين لحفل توقيع اتفاق السلم، أحمد بن عبد العزيز قطان، استمرار دعم المملكة العربية السعودية لشعب السودان لتحقيق طموحاته وآماله المشروعة، وقال: «السعودية تثق في قدرة الأشقاء على المضي قدما في طريق السلام، وتجاوز تبعات الماضي»، فيما تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم اتفاق سلام السودان، وأن دعمهما ينطلق من ثوابت العلاقات بين البلدين، وقال وزير البترول ممثل الدولة سعيد المزروعي للاحتفال: «نتمنى أن يجني الشعب ثمار هذا الاتفاق»، وتابع: «هذا سلام لا يصنعه إلا الشجعان»، وتعهد بأن تتابع بلاده السلام بالدعم والرعاية على المستويات كافة.
شعبياً، تحولت «ساحة الحرية» في جوبا إلى «حفل كبير» اختلطت فيه إيقاعات الطبول، بموسيقى الألحان الشعبية، وحناجر المغنين الشعبيين بالمغنين المحترفين، ومرددي الأشعار الشعبية باللغات الجنوب سودانية المتعددة، ومهرجانات الرقص الأفريقي الصخاب، زادته حماسا زغاريد النسوة الفرحات بتحقيق السلام في السودان الذي كان بلادهم قبل «الانفصال»، واختلطت فيه دموع الفرح بـ«زخات» المطر الجنوبي الهتان.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».