حرائق النفط تخرج عن السيطرة والأسعار ترتفع والمتشددون يهدفون إلى الضغط على أوروبا

مصادر أمنية ليبية: الميليشيات المتطرفة تستعين بخبراء أجانب لإدارة معاركها ضد الجيش

مسلحون من ميليشيا فجر ليبيا خلال اشتباك مع قوات الحكومة الشرعية قرب قاعدة جوية على بعد 170 كيلومترا من العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)
مسلحون من ميليشيا فجر ليبيا خلال اشتباك مع قوات الحكومة الشرعية قرب قاعدة جوية على بعد 170 كيلومترا من العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)
TT

حرائق النفط تخرج عن السيطرة والأسعار ترتفع والمتشددون يهدفون إلى الضغط على أوروبا

مسلحون من ميليشيا فجر ليبيا خلال اشتباك مع قوات الحكومة الشرعية قرب قاعدة جوية على بعد 170 كيلومترا من العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)
مسلحون من ميليشيا فجر ليبيا خلال اشتباك مع قوات الحكومة الشرعية قرب قاعدة جوية على بعد 170 كيلومترا من العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)

خرجت حرائق النفط في ليبيا عن السيطرة أمس ما أسهم في رفع الأسعار عالميا، وأدت الحرب المستعرة بين الجيش والميليشيات المتطرفة إلى اشتعال النيران في خزانات للوقود في منطقة السدرة الغنية بالنفط والواقعة غرب بنغازي. وتسببت شدة النيران في انصهار أحد الخزانات، بينما باتت بقية الصهاريج عرضة للدمار، بينما قال مسؤول بفرق الإطفاء الليبية أمس إن بعض الخزانات انهارت تماما، جراء الحريق الهائل الذي شبَّ في الـ«فارم تنك» التابع لشركة الواحة بميناء السدرة، وهو المجمع الذي يحوي 19 خزانا للنفط الخام، نتيجة تعرضها لقصف صاروخي، مساء الخميس الماضي، من قبل مسلحي «فجر ليبيا».
ووفقا للمصادر تبلغ السعة التخزينية لـ19 خزانا الموجودة في منطقة الخطر أكثر من 6 ملايين برميل، وغالبيتها مملوءة. ويجري التصدير من هذه الخزانات لدول أوروبية. وقال مسؤول أمني مقرب من الجيش الوطني الليبي إن قادة الميليشيات المتطرفة يسعون إلى الضغط على الدول الغربية للاعتراف بهم في أي حوار مزمع، رغم تصنيف الأمم المتحدة لعدد من المجموعات المنخرطة في هذه الميليشيات كمنظمات إرهابية.
ويهيمن على قيادة قوات فجر ليبيا مجموعات متطرفة تنتمي لجماعة الإخوان ولجماعات متشددة أخرى، بعضها موال لتنظيم القاعدة والآخر لتنظيم داعش. وتوقف العمل في السدرة ورأس لانوف بسبب الاشتباكات بين قوات متحالفة مع الحكومة المعترف بها دوليا وأخرى موالية لمجموعة فجر ليبيا المنافسة التي تسيطر على العاصمة طرابلس في أغسطس (آب) الماضي.
وأضاف المسؤول الأمني الليبي الذي كان في زيارة للقاهرة لـ«الشرق الأوسط» إن خبراء عسكريين أجانب أصبحوا يعملون في مراكز قيادة قوات الميليشيات، من بينهم مستشارون عرب وأوروبيون، وأن «طرق الهجوم على القوات الحكومية الممثلة في الجيش الوطني، وعلى المنشآت الحيوية، تختلف عن السابق، ورصدنا عمليات التفافية ومن محاور مختلفة على تمركز قوات الجيش وعلى عدد من المنشآت الحيوية منها المواقع النفطية الغنية في الوسط الشمالي من البلاد».
وأضافت مصادر من بين المسؤولين العاملين في موقع السدرة أنه جرى تطويق النار في اثنين من الخزانات التي تحوي النفط الخام من بين 6 خزانات، وأن فرق الإطفاء تتعامل مع 3 خزانات، بعد صدور أوامر بإخلاء منطقة الـ«فارم تنك» خشية انهيار باقي الخزانات.
وهذه هي ثاني محاولة من الميليشيات المتطرفة لعرقلة إمدادات النفط الليبي، بعد أن قامت خلال الشهرين الماضيين بمحاولات فاشلة للسيطرة على حقلي الفيل والشرارة في جنوب البلاد. وقام مقاتلون من الجيش وآخرون من المتطوعين بطرد ميليشيات الجنوب من نطاق حقلي النفط المهمين لعدة دول أوروبية خاصة إيطاليا. وشارك في عمليات الجنوب عناصر متطرفة من دول عربية منها الجزائر ومصر وتونس، تحت رعاية قيادات من جماعة الإخوان، وفقا للمصدر الأمني نفسه.
ومنذ منتصف هذا الشهر الجاري تخلت الميليشيات المتطرفة عن محاولات السيطرة على حقلي الفيل والشرارة، وتوجهت بخطط جديدة للهيمنة على منطقة الهلال النفطي الذي يحوي المخزون الأكبر من النفط إضافة إلى مرافئ السدرة ورأس لانوف والبريقة. وتقع هذه المناطق بين بنغازي وطرابلس مرورا بمدينة سرت. ويقوم الجيش الذي يقوده عمليا اللواء خليفة حفتر، بمحاولات لكسر شوكة المتطرفين المدعومين من دول إقليمية وبعض الأطراف الغربية، وفقا لمصادر ليبية مطلعة زارت القاهرة أخيرا.
وتراجع النفط وسط قلق بشأن تعطل الإمدادات الليبية، وهبطت أسعار العقود الآجلة للنفط أمس لتفقد مكاسبها المبكرة إذ راهن المتعاملون والمستثمرون على أن القتال في ليبيا لن يكون له تأثير كبير على إمدادات المعروض العالمية، وفقا لوكالة رويترز. وكانت الأسعار ارتفعت أوائل التعامل بفعل مشاعر القلق بعد أن قال مسؤول نفطي إن حقول الخام الليبية المتصلة بميناء مرسى الحريقة في شرق البلاد تنتج 128 ألف برميل يوميا بينما تسبب القتال في وقف العمل بالمرفأين الرئيسيين السدرة ورأس لانوف. وكان سعر العقود الآجلة للنفط لخام الأميركي الخفيف هبط 8 سنتات إلى 65.‏54 دولار بعد أن أغلق منخفضا 11.‏1 دولار في معاملات هزيلة يوم الجمعة الماضي، لكنه صعد إلى 74.‏55 دولار في المعاملات المبكرة يوم أمس. ومع انتهاء يوم أمس ارتفع سعر خام برنت إلى نحو 60 دولارا للبرميل مدعوما بمخاوف من تعطل الصادرات الليبية. وقالت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا بأن الحريق الذي ما زال يغمر 3 صهاريج تخزين دمر ما يزيد عن 800 ألف برميل من النفط الخام أي ما يعادل ما لا يقل عن يومين من الإنتاج. وذكرت المؤسسة أن إجمالي إنتاج ليبيا من النفط يبلغ 385 ألف برميل يوميا.
وتغذي ميناء السدرة حقول نفطية تديرها شركة الواحة للنفط وهي مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا والشركات الأميركية هيس وماراثون وكونوكو فيليبس. وتوقف تصدير النفط أيضا في مرفأي الزاوية ومليتة بغرب البلاد بعدما تسبب الصراع في إغلاق الحقلين المغذيين لهما الشرارة والفيل.
وأعلنت القوات الحكومية الليبية أمس أن جسم أحد خزانات النفط الـ3 التي تشتعل فيها النيران في مرفأ السدرة انصهر وسالت منه الحمم النفطية المشتعلة ما يهدد بامتداد النار إلى سائر خزانات المرفأ. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول تقني في شركة الواحة للنفط التي تتولى إدارة المرفأ قوله إن «أحد الخزانات الـ3 المشتعلة بها النيران خرج حريقه عن السيطرة بعد أن انفجر وانصهر جسمه وسالت منه الحمم النفطية المشتعلة لتنتشر في محيط الخزانات الـ19 التي تحوي 6.2 مليون برميل من النفط الخام ما يهدد بشكل حقيقي باحتراقها جميعا».
وطالب المسؤول التقني بمساعدة خارجية للسيطرة على الحريق نتيجة صعوبة الموقف ونقص الإمكانيات. وقال: إن «هناك تهديدا حقيقيا باحتراق كامل الخزانات (...) رجال الإطفاء الليبيون قاموا بجهود مضنية منذ 4 أيام للسيطرة على الحريق دون تدخل دولي بطيران الإطفاء، لقد سحبنا الإطفائيين حرصا على سلامتهم من المكان نتيجة تطاير ألسنة اللهب، والنيران لا تتوقف».
وطلبت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا مساعدة خارجية للسيطرة على الحريق، لكن إيطاليا اشترطت توقف القتال في المنطقة لتقديم المساعدة.
وبدأت الميليشيات المتطرفة هجماتها على منطقة الهلال النفطي منذ نحو أسبوعين للسيطرة على هذه المنطقة التي تعد أغنى مناطق البلاد بالنفط في عملية أطلقت عليها «عملية الشروق لتحرير الحقول النفطية» قائلة إنها جاءت بتكليف من المؤتمر الوطني العام وهو «البرلمان المنتهية ولايته»، ما دفع الجيش الوطني إلى الرد بضربات جوية على قاعدة الميليشيات في مصراتة.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».