«حزب الله» يريد تكريس عرف «الشراكة» في تشكيل الحكومات

TT

«حزب الله» يريد تكريس عرف «الشراكة» في تشكيل الحكومات

أعاد الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله عملية تشكيل الحكومات اللبنانية إلى المربع الأول، بالإصرار على الشراكة في تسمية الوزراء الشيعة فيها، عازياً هذا الإصرار إلى «حماية ظهر المقاومة»، مما يؤشر إلى تعقيدات تحيط بعملية تشكيل الحكومة الحالية، يمكن أن تكرس العرف القائم، بانتظار حوار واسع يحسم صيغة الحكم.
وحملت 6 حكومات لبنانية منذ «اتفاق الدوحة» في عام 2008، اسم «حكومة الوحدة الوطنية» التي تمثل فيها معظم القوى السياسية الفاعلة في البلاد، مقابل حكومتين جرت مقاطعتهما من قوى سياسية كانت تنضوي في السابق ضمن فريق «14 آذار». وقضت الصيغ السابقة بأن تسمي القوى السياسية ممثليها في الحكومة، قبل أن تخرج مطالب جديدة بعد حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بتشكيل حكومات تكنوقراط مستقلة وغير سياسية تخاطب المجتمع الدولي بصفتها حكومة إنقاذية، وتجذب المساعدات الدولية لإنقاذ لبنان من أزماته الاقتصادية والسياسية.
ولم ينفِ نصر الله إصراره على المضي بالنهج السابق في تشكيل الحكومات، وسط تباينات في التفسيرات بين البحث عن ضمانات في الحكم مرتبطة بسلاحه وبامتيازات حصّلتها الطائفة الشيعية في المواقع الإدارية، كما تقول مصادر سياسية مواكبة، تعليقاً على ما قاله إن «المطلوب معرفة مَن يتحكّم بقرار هؤلاء الشيعة» الممثلين في الحكومة، وبين من يعدّ أن هذا الإصرار يعود إلى تكريس العرف السابق الذي اتبع منذ «اتفاق الدوحة» في مايو (أيار) 2008.
ويقول الباحث السياسي الدكتور طلال عتريسي إن مشكلة لبنان تتمثل في «تراكم الأعراف التي تحكم العمل السياسي، في تجاوز للدستور، مما ينتج تصادماً في حال عدم اعتراف الشريك الآخر في الحكم بالأعراف القائمة»، عادّاً أنها «تحول أساسي في المشهد السياسي اللبناني».
ويضيف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «في لبنان لا معيار واحداً لتشكيل الحكومات ولا للعمل السياسي» في إشارة إلى أنه لم يتم تحديد ما إذا كان التوافق يحسم الخيارات أم الأغلبية النيابية التي لها الحق، وفق الأنظمة الديمقراطية بتحديد وزرائها على قاعدة «أكثرية تحكم وأقلية تعارض». ويقول عتريسي: «هذا الأمر لم يُحسم، ولا توافق عليه في لبنان منذ (اتفاق الطائف) حتى الآن».
ويعد لبنان أحد الأنظمة البرلمانية التشاركية في العالم، ويتبع نظام الديمقراطية التوافقية التي تتمثل في 3 شروط، هي: حكم الأقطاب، ونظام الفيتو، والنسبية في الحصص التي تتقاسمها الطوائف والمذاهب التي تمثلها القوى السياسية.
ويحتاج هذا النظام، وفق المراجع الدستورية، إلى «حوار مستمر».
ويقول عتريسي إنه «بغياب التوافق حول طريقة الحكم، يأتي موقف نصر الله للمطالبة بإبقاء الأمر على ما هو عليه، على غرار الحكومات السابقة، أي أن يتشاور الرئيس المكلف مع القوى السياسية التي تسمي خبراء واختصاصيين غير حزبيين إلى أن يتم الاتفاق على صيغة حاسمة وذلك عبر مؤتمر دستوري تتم فيه مناقشة الهواجس»، لافتاً إلى أن «حزب الله» وسواه من القوى في ظل الأعراف المتبعة والتي تتوالد، ومن بينها عرف تسمية رؤساء الحكومات السابقين رئيس الحكومة الجديد، «يتمسك بهذه الصيغة لأن المطلوب من الحكومة قرارات سياسية، وهو بذلك يثبّت الشراكة التي تم التوافق عليها في (اتفاق الدوحة)».
غير أن تثبيت الصيغة يلقى معارضة سياسية في الداخل ورفضاً دولياً في ظل المطالب بحكومة تكنوقراط مستقلة، فإلى جانب الشارع المنتفض الذي يطالب بحكومة مستقلة، رأى عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب بيار بو عاصي «أننا وصلنا إلى ما وصلنا إليه نتيجة مشاركة (حزب الله) في الحكومة والاستئثار بالقرارات الكبرى».
ويقول الباحث السياسي جورج علم لـ«الشرق الأوسط» إن «المسألة التي طرحها نصر الله تُعالج من 3 زوايا؛ أولاها: أن وزارة المال لها حساسية معينة في التركيبة السياسية اللبنانية التي تختزل بالتوقيع الثالث على المراسيم، كما يعود التشبث إلى القرار الصادر عن الخزانة الأميركية التي طالت وزير مالية سابقاً، لكن الأخطر يتمثل في (تكريس الأعراف على مستوى الوزارات السيادية) لأنه (يلغي المحاصصة بين الطوائف المتفق عليها، كما يلغي (اتفاق الطائف)، كنوع من التوجه الجديد الذي يقوم على توازن القوى، وهو أمر خطير في لبنان؛ لأنه يستند إلى عامل القوة». ويرى علم أنه «لم يعد البحث في تشكيل الحكومة أمراً محلياً بقدر ما هو ترتيب الأوراق من كل طرف للذهاب إلى طاولة مفاوضات حول أي لبنان في المستقبل».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».