تخطيطات كوربوزيه تكشف تأثره بالزخرفة العربية ـ الإسلامية

المعماري استلهمها أثناء سفراته المتكررة للشرق

من تخطيطات المعرض
من تخطيطات المعرض
TT

تخطيطات كوربوزيه تكشف تأثره بالزخرفة العربية ـ الإسلامية

من تخطيطات المعرض
من تخطيطات المعرض

حقق البناء العربي - الإسلامي تطابقاً فريداً من نوعه ما بين الوظيفية والزخرفة، وما بين البيئة والمناخ، وهي مشكلة لم تحلها حتى وقتنا الحاضر المعمارية الحديثة في قاعات المسرح الأنيقة في مدينة «منيدسيو» في جنوب سويسرا، افتتح هذه الأيام معرض شامل للتخطيطات والرسوم المائية والباستيلية التصميمية المعمارية بأحجام مختلفة أنجزها المعماري السويسري «كوربوزيه 1887 - 1965» أثناء سفراته إلى بلدان الشرق، وبالذات تركيا والعراق، يستمر المعرض حتى يوم 24 من شهر يناير (كانون الثاني). ومعظم هذه الأعمال الفنية، تعكس اهتمام المعماري القدير بالفن والزخرفة العربية التي اتصفت بها العمارة، والتي كانت تشكل أحد الأسس الإنسانية للبناء، والتي حقق البناء العربي بها تطابقاً فريداً من نوعه ما بين الوظيفية والزخرفة، وما بين البيئة والمناخ، في الوقت الذي باتت مشكلة لم تحلها حتى وقتنا الحاضر المعمارية الحديثة.
المعروف أن التخطيط هو أب لثلاثة فنون هي المعمار والنحت والرسم، وقد وصفه المؤرخ الفنان الإيطالي «فازاري» الذي كتب عن حياة وأعمال العديد من فناني عصر النهضة الإيطالية فقال: (التخطيط يسبق البصيرة ويؤكد الرؤية الفنية. والأيدي التي تقوم به تمتلك مهارة عظيمة تعكس عوالم معرفية متألقة في الفن). وهو الطريقة التي تمّكن أي فنان من تدارك أدائيته، كما أنه المحطة الأولى التي يتأمل فيها المتلقي اللوحة الفنية أو الأثر المعماري.
كتب كوربوزيه في أحد المقاطع في «رحلة إلى الشرق» الذي تحدث فيه عن فهم جديد للتوفيق ما بين الواقع الجيولوجي ومتغيراته، وما بين التراث الاجتماعي والثقافي في العمارة العربية - الإسلامية:
عندما وصلنا الجسر، كنا نمتلئ بالتوقعات الكبيرة، إذ لاحت لأعيننا الأبراج السبعة، وبعد ذلك كانت المساجد الصغيرة، ثم أعقبتها المساجد الكبيرة، ومن ثم إطلال بيزنطة، وأخيراً آية صوفيا وبناء السراي... لقد كنت أشعر بالاضطراب، لأني جئت لأجل التعبد لكل هذه الأشياء التي أراها الآن، والتي كثيراً ما اعتقدت أنها رائعة الجمال».
وتدل الوثائق العديدة وكذلك اليوميات التي دوّنها «كوربوزيه» والتي تحتويها صالات المعرض، على خيبة أمل كان يشعر بها هذا الفنان العظيم إزاء حركة التحديث المعماري في أوروبا، والذي كسرت فيه العمارة الحديثة الترابط المطلوب ما بين الحداثة الوظيفية والجمال المعماري. وسفرته إلى الشرق كانت قد أفادته كثيراً لأجل إدراك حقيقة مهمة، وهي أن المدن تختلف عن بعضها اختلافاً جذرياً، لا لمجرد كونها وليدة لأنماط تراثية مختلفة تستمدها من بيئاتها المحلية أيضاً، ولهذا نلاحظ أيضاً أن ما أنجزه «كوربوزيه» في مختلف أنحاء العالم من عمارات وأسواق شعبية ودور سكنية وملاعب ومتاحف، يختلف من دولة لأخرى، ومن منطقة جغرافية لأخرى.
لم يكن «كوربوزيه» يرغب في نقل ما كان يراه من السحر الإسلامي - العربي في الأروقة المقنطرة والأعمدة والبلاط الملون (الموزاييك) الذي تنعكس فيه العناصر بعضها ببعض على مستويات متباينة، وكذلك النوافذ المبنية من الحجارة المشبكة، والمساحات الداخلية للأبنية التي قصد منها خلق التكامل والتناسب ما بين الداخل والخارج، والألواح الجصية التي تزين واجهات البيوت والمذهبات التي تشكل الزركشات التخريمية على جدران الجوامع، لم يكن يرغب في نقل ذلك كله، بل كان يرغب ويحاول أن يفهم أن الهندسة المعمارية هي انعكاس للحياة، وما قدمته تلك التجربة العظيمة في حياته، أصبحت فيما بعد كما يصفها في إحدى يومياته: «دروساً حياتية إضافية للتعرف على أنماط الحياة والممارسات اليومية والتبدلات في عطاءات الإنسان».
في مدينة إسطنبول كان «كوربوزيه» شأنه شأن أي مواطن تركي، يعايش عوامل البيئة والمناخ والحاجات الإنسانية اليومية، ويعشق الناس وملابسهم وواجهات بيوتهم وعلاقاتهم وعملهم اليومي، ومنسوجاتهم وأوانيهم الفخارية ويتابعهم بمحبة كبيرة وهم يبنون دورهم بأيديهم التي تتميز بقدرات جمالية تلبي حاجاتهم الحقيقية وتلائم منامهم. كان يجلس ساعات طويلة على دكة في الأرض، وبين يديه أقلام التخطيط والورق الأبيض، يمتد طويلاً بذهنه المتوقد لقياسات الطول والعرض والارتفاع لتلك الأبنية والجوامع والخطوط العربية المذهبة التي نفذها خيرة الخطاطين العرب والمسلمين والتي تحيط الجوامع والتي وصفها في إحدى كتاباته بأنها «خطوط أصيلة، ويمكن أن تكون الوحيدة التي تعكس ثقافة معاصرة كبيرة في هذا الكون».
وفي سفرته الثانية لمدينة بغداد، جسد «كوربوزيه» اهتمامه بتصميمه للمدينة الرياضية البغدادية عام 1956، أي بعد عامين من ثورته المعمارية التي حققها في بناء «كاتدرائية رونشان»، التي اعتبرت انعطافاً حاداً على أسلوب العمارة العالمية من خلال تأكيده على واجبات العمارة الحديثة التي لا تكمن حسب رأيه في تشييد بنايات عادية فقط، وإنما يجب أيضاً، أن تشمل تصميم أبنية فريدة من نوعها، الأمر إلى يحتم تغيير الوسائل والطرق المعتادة باختلاف الواجب والمضمون الذي تنطوي عليه كل بناية.
وقد أنجز «كوربوزيه» (القاعة الرياضية المغلقة) بعد أن تم إهمال التصميم الكلي للمدينة الرياضية، والتي تعد من أجمل وأبرع التصاميم المعبرة عن التحول الجذري في أسلوب هذا الفنان، حيث جسد في (القاعة البغدادية) صوغ الكتل المعمارية صياغة نحتية، وبخطوط على مستوى رفيع من الانسيابية والشفافية، كما طبق مبدأ الهندسة التناسبية التي تعتمد مقاييس جسم الإنسان أساساً لها، وتقوم على إيجاد هارمونية للأثر المعماري تجمع وتنسق فرادة تصميم المبنى بوظيفته النفعية. في (القاعة البغدادية) أعاد تقاليد العمارة البابلية والآشورية باستخدامه السلم الخالي من الدرجات، باعتباره وسيلة مريحة للارتقاء العمودي، وصار فيما بعد أسلوباً شائعاً عند المعماريين العالميين.
لقد اكتشف العبقرية التي تقف بعيداً عن «العمارة النائمة في الشمال» والمندثرة في المداخن السوداء التي تفرزها المعامل الصناعية. لقد رأى بتلك العمارة الأوروبية الحديثة وكأنها منحرفة مقابل الأهداف والضرورات التي كانت ترافقه بوعيه وفهمه كأحد مثقفي عصرنا، فلقد مرّ وهو يتجه نحو الشرق بمدن أوروبية كثيرة لم يصفها ولم تثر انتباهه، فمدينة فيينا لم يترك أي تخطيط عنها ولا حتى صورة فوتوغرافية. كما أن مدينة «بودابست» قال عنها: «إنها مدينة قاصرة»، أما عن مدينة بلغراد فقال عنها: «إنها مدينة غادرة قذرة وغير منتظمة»، أما حين شاهد من الشرق كإسطنبول وبغداد، فقد اكتشف الهوية، تلك الهوية التي حررته من النظرة الوظيفية البحتة فكانت استخداماته للسطوح الجميلة فيما بعد والتي انتشرت في أميركا وفرنسا وإيطاليا والجزائر والمكسيك... إلخ، كانت انتقائية تاريخية، قامت على الاستجابة لاحتياجات اجتماعية. وقد ساعد ذلك درايته وقدرته الفائقة في النحت والرسم، وكذلك رقته الشاعرية وثقافته الأدبية وعشقه الكبير للمسرح والفن التشكيلي.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.