تدهور الوضع الوبائي الأوروبي يقلق العالم

فاوتشي يتوقع عودة الحياة الطبيعية بعد أربع سنوات

متظاهرون في مدريد أمس ضد تدابير العزل التي  يبدأ تطبيقها اليوم (إ.ب.أ)
متظاهرون في مدريد أمس ضد تدابير العزل التي يبدأ تطبيقها اليوم (إ.ب.أ)
TT

تدهور الوضع الوبائي الأوروبي يقلق العالم

متظاهرون في مدريد أمس ضد تدابير العزل التي  يبدأ تطبيقها اليوم (إ.ب.أ)
متظاهرون في مدريد أمس ضد تدابير العزل التي يبدأ تطبيقها اليوم (إ.ب.أ)

بعد التحذيرات المتكررة التي صدرت عن خبراء منظمة الصحة العالمية إلى الدول الأوروبية بضرورة الاستعداد للموجة الثانية من الوباء، والتدرّج في تخفيف تدابير الوقاية والاحتواء لاستئناف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وبعد توصيات المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة بإسناد قرارات إدارة الأزمة الصحية إلى القرائن والمشورة العلمية والإسراع في تطبيق إجراءات منع انتشار الفيروس، كان أمس دور خبير الوبائيات الأميركي أنتوني فاوتشي الذي يعتبر مرجعاً عالمياً في العلوم الفيروسية، والذي قال إن المشهد الوبائي في أوروبا، خاصة إسبانيا وفرنسا، يبعث على القلق الشديد. وأعرب عن خشيته من أن يعمّ القارة الأوروبية في الأسابيع المقبلة إذا لم تتخذ التدابير اللازمة.
وجاءت هذه التصريحات لفاوتشي، الذي يرأس الفريق الأميركي المخصص لمكافحة «كوفيد - 19»، في حديث مطوّل مع صحيفة «ريبوبليكا» الإيطالية قال فيه إن العودة إلى الحياة الطبيعية لن تحصل قبل نهاية العام المقبل، «شريطة أن تكون اللقاحات الفاعلة متوفرة على نطاق واسع، وأن تتخذ الدول التدابير الصحيحة ويتصّرف المواطنون بمسؤولية... عندئذ سيكون بوسعنا استئناف الحياة الطبيعية بشكل تدريجي في بعض البلدان، لكن ليس قبل أربع سنوات في جميع أنحاء العالم».
وقال فاوتشي إنه لا يتوقع أن تزيد فاعلية اللقاحات التي يجري تطويرها عن 70 في المائة، ما يعني أنها «لن تحمي الجميع، لكن هذا يكفي لمنع الفيروس من مواصلة الانتشار»، وأضاف أن «البلدان الأوروبية كانت حقل التجارب الذي كان العالم يراقب من خلاله تطور الوباء في المرحلة الأولى، وهي اليوم تعود لتلعب هذا الدور في المرحلة الثانية. وما يحصل في إسبانيا وفرنسا يبعث على القلق الشديد، ويؤكد مجدداً على ضرورة الاحتكام دائما إلى القرائن العلمية في إدارة الأزمة».
موجة أوروبية ثانية
وفي إيطاليا التي ذهبت، أمس الأحد واليوم، إلى مواعيدها مع الانتخابات الإقليمية والمحلية والاستفتاء لخفض عدد أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، في الوقت الذي يستمر عدد الإصابات اليومية الجديدة بالارتفاع للأسبوع السابع على التوالي، فوجئت الهيئة المشرفة على تنظيم الانتخابات باعتذار حوالي 100 ألف من المندوبين والفارزين في أقلام الاقتراع عن القيام بمهامهم خوفاً من الإصابة بالفيروس، ما دفع السلطات إلى الاستنجاد بعناصر الدفاع المدني والمتطوعين لإدارة العملية الانتخابية. ورغم المنافسة الشديدة التي تشهدها هذه الانتخابات، من المتوقع أن تكون نسبة المشاركة ضعيفة، حيث إن الناخبين الذين تجاوزوا 65 عاماً يشكّلون 25 في المائة من المجموع.
ومن هلسنكي، قال ناطق بلسان المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة إن «معظم الدول الأوروبية دخلت تقنيّاً المرحلة الثانية من الجائحة، وإن بدرجات متفاوتة من حيث بؤر الانتشار ومعدلات السريان»، ودعا إلى تشديد تدابير الوقاية والاحتواء والإسراع في تطبيقها على أوسع نطاق.
وكانت فرنسا قد سجّلت، أمس، رقماً قياسياً جديداً في عدد الإصابات اليومية الجديدة التي بلغت 13498 إصابة، فيما ارتفع عدد الإصابات في ألمانيا إلى مستوى الذروة في أبريل (نيسان) الفائت، وفي البرتغال تجاوزت الإصابات اليومية ما كانت قد وصلت إليه إبّان ذروة انتشار الفيروس أواخر مارس (آذار).
وفي مؤشر إلى عودة الوضع الوبائي إلى التدهور، استأنف وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران ندواته الصحافية الأسبوعية المخصصة لمتابعة تطورات جائحة «كوفيد - 19»، وقال: «عاد الوباء لينشط مجدداً، وكل المؤشرات تدلّ على تدهور واضح للوضع». وكانت وزارة الصحة الفرنسية قد أفادت بأن عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس «كورونا» المستجدّ قد تضاعف خلال أسبوع واحد، وذلك للمرة الأولى منذ نهاية تدابير العزل. وبعد فرض تدابير جديدة صارمة في مرسيليا ونيس وبوردو وليون وليل وتولوز، إضافة إلى العاصمة باريس، تمّ إلغاء جميع الأنشطة الترفيهية الكبيرة والمعارض التجارية، فيما أفادت بلدية باريس التي يتدهور فيها الوضع الوبائي بأن 20 في المائة من الأسرة في وحدات العناية الفائقة في المستشفيات أصبح مخصصاً للمصابين بـ«كوفيد - 19».
وبعد أسابيع من الاستقرار النسبي في أعداد الإصابات الجديدة في ألمانيا، عاد هذا الارتفاع بشكل كبير نهاية الأسبوع الماضي، علما بأن المدارس كانت قد استأنفت نشاطها مطلع الشهر الماضي ولم تخضع ألمانيا لتدابير العزل التام منذ بداية الجائحة. وأفاد معهد روبرت كوخ الذي تعتمد عليه الحكومة في إدارة الأزمة بأن الإصابات الجديدة بلغت 2267 في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، وهو رقم لم تسجّله منذ أواسط أبريل.
تدابير عزل جديد
الحكومة البريطانية من جهتها، تعتبر أن الموجة الثانية باتت حتمية وتنبّه المواطنين إلى أن تدابير تقييد التحركات لا بد منها في الأسابيع المقبلة. وقال رئيس الوزراء بوريس جونسون: «نريد الإبقاء على جميع القطاعات الاقتصادية ناشطة قدر الإمكان، ولا أعتقد أن أحداً يتمنّى العودة إلى العزل، لكن إذا راقبنا تطور المشهد الوبائي فلا بد من التفكير بأنه قد يكون من الضروري الذهاب أبعد من (قاعدة الـ6)»، في إشارة إلى القرار الذي اتخذته الحكومة مطلع الأسبوع الماضي بمنع التجمعات التي تزيد على ستة أشخاص داخل المباني وخارجها. وكان عدد الإصابات اليومية الجديدة في بريطانيا قد تجاوز الأربعة آلاف نهاية الأسبوع المنصرم، وذلك للمرة الأولى منذ أربعة أشهر. بدوره، قال وزير الصحة البريطاني مات هانكوك أمس إن بلاده وصلت إلى نقطة حاسمة في مواجهة فيروس «كورونا» المستجد، محذرا من احتمال فرض إجراءات عزل عام للمرة الثانية إذا لم يتبع الناس القواعد الحكومية لوقف انتشار المرض.
وفي مدريد، خرج أمس الآلاف من سكّان الأحياء التي تخضع اعتباراً من اليوم الاثنين لأسبوعين من العزل احتجاجاً على تدابير الحكومة الإقليمية، مشكّكين بفاعليتها ومنادين برفعها أو تعميمها على العاصمة بأكملها. وكان رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، الذي يعقد اليوم اجتماعاً مع رئيسة الحكومة الإقليمية إيزابيل آيوسو مخصصاً لمعالجة الوضع الوبائي المتدهور في مدريد، قد صرّح أمس قائلاً: «رغم أن الأرقام تبعث على القلق الشديد، لست في صدد إقفال البلاد. المنظومة الصحية اليوم أكثر استعداداً لمواجهة الوباء، وبتعاون الجميع سنتمكّن من احتوائه مرة أخرى». وأضاف أن «شركات الأدوية هي التي تؤكد أن اللقاح سيكون جاهزاً في نهاية العام الجاري، عسى أن يكون ذلك صحيحاً. في غضون ذلك، علينا أن نواصل استخدام الكمامات والحفاظ على مسافة التباعد الاجتماعي وغسل الأيدي باستمرار».
من جهته، قال وزير الصحة في حكومة مدريد الإقليمية: «سنقفل العاصمة إن كان لا بد من ذلك»، فيما أعرب اختصاصيون عن شكوكهم في أن تؤدي تدابير العزل الجزئي إلى احتواء انتشار الوباء في مدريد بعد أن زاد معدّله عن ألف لكل مائة ألف مواطن، ودعوا إلى الإسراع في اتخاذ قرار العزل التام قبل أن يخرج الوضع نهائياً عن السيطرة».



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.