اتصالات قادها محام يهودي بعلم «إف بي آي» مع «داعش» لإطلاق رهينة أميركي

المقدسي دخل على الخط لإقناع تلميذه الضال البحريني كبير مشرعي التنظيم لإطلاق الأميركي ووقف مسلسل الرهائن

الرهينة الأميركي بيتر كاسيغ قبل مقتله من قبل {داعش}
الرهينة الأميركي بيتر كاسيغ قبل مقتله من قبل {داعش}
TT

اتصالات قادها محام يهودي بعلم «إف بي آي» مع «داعش» لإطلاق رهينة أميركي

الرهينة الأميركي بيتر كاسيغ قبل مقتله من قبل {داعش}
الرهينة الأميركي بيتر كاسيغ قبل مقتله من قبل {داعش}

تلقى المحامي ستانلي كوهين، في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اتصالا هاتفيا حول بيتر كاسيغ، الشاب الأميركي المحتجز لدى تنظيم داعش. وكان المتصلون شخصيات فلسطينية من معسكر صبرا وشاتيلا للاجئين في لبنان، كانوا على معرفة بكاسيغ، ولقد كانوا في «شدة الاستياء»، كما يتذكر كوهين؛ فلقد شاهدوا للتو مقطع الفيديو الخاص بألان هينينغ، الرهينة البريطاني الذي قطع التنظيم الإرهابي رأسه. وفي نهاية المقطع المذكور، حينما تحرك الإرهابي الملثم المسمى «جون الجهادي» أمام الكاميرا ناحية رهينة أخرى، تعرفوا على شخصية صديقهم بيتر.
كان كاسيغ قد عمل في جهود الإغاثة والمعونات الطبية في معسكر صبرا وشاتيلا للاجئين، حتى إنه ساعد في جمع الأموال لصالح اللاجئين هناك، وذلك قبيل تعرضه للاختطاف في أكتوبر من عام 2013. قال المتصلون بكوهين: «إنه شخصية طيبة للغاية». ومن متابعة عمليات الإعدام السابقة من جانب تنظيم داعش - وهي تُنفذ بواقع مرة كل أسبوعين منذ أغسطس (آب) - فإنهم كانوا يخافون أنه لم يتبق أمام كاسيغ إلا أسبوعان فقط على قيد الحياة. لقد كانوا يحاولون إنقاذه باسجرىاتة، وظنوا أن كوهين لديه بعض الاتصالات مع دوائر في المنطقة يمكنها ممارسة بعض الضغوط للإفراج عن كاسيغ.
يعد كوهين من أكثر المحامين الأميركيين إثارة للجدل؛ حيث قضى العقود الـ3 الأخيرة من حياته مدافعا عن عملاء يعدهم الكثيرون لا يمكن الدفاع عنهم البتة؛ مثل متطرفي حركة ويذر أندرغراوند الأميركية اليسارية، والفوضويين من حركة بلاك بلوك، ونشطاء من حركة حماس. (يقول كوهين إن «زعماء حركة حماس بالكامل من أصدقائي المقربين ولقد ظلوا كذلك لسنوات طويلة»). ولقد كان كوهين محامي الدفاع عن أسامة أبو غيث زوج ابنة أسامة بن لادن - وكان أكبر قيادي لدى تنظيم القاعدة يواجه المحاكمة في محكمة فيدرالية أميركية منذ أحداث 11 من سبجرىبر - الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة في سبتمبر (أيلول) الماضي.
ومن دون الكثير من التفكير، تحدث كوهين مع محدثيه بلطف ليخبرهم أنه لم يتعامل مع تنظيم داعش من قبل، وأنه ليس أمامه الكثير ليفعله من أجل كاسيغ. إضافة إلى ذلك، فهناك أمور أخرى تشغل باله حاليا؛ فبعد إقراره بأنه مذنب في عجزه عن تقديم الإقرارات الضريبية الخاصة به وعرقلة إدارة الإيرادات الداخلية الأميركية، فإن كوهين يواجه عقوبة السجن خلال الشهر المقبل لمدة عام ونصف العام. وهو يعتقد أن إدارة الإيرادات الداخلية ظلت تطارده - «لمدة 7 سنوات عجاف» - جراء عملاء مكتبه المثيرين للجدل؛ حيث قال: «إن الأمر لا ينتهي قط. 600 ألف دولار من الرسوم القانونية... و100 ألف أخرى من رسوم المحاسبة، والشائعات، ومذكرات الاستدعاء، والاستجوابات». لقد قرر كوهين في أبريل (نيسان) الإقرار بالذنب ليضع حدا لتلك المهاترات. وأضاف: «لقد اتخذت القرار أخيرا. سوف أذهب للسجن لأقوم بالأعمال (القانونية) للسجناء. لا يهمني الأمر في شيء».
بعد مرور بضعة أيام، وبعد عودته من المحكمة إلى شقته الممتلئة بالنباتات في إيست فيللج مانهاتن التي يتخذ منها سكنا ومكتبا في الوقت ذاته، تلقى كوهين اتصالا هاتفيا جديدا. كان صديقه القديم جون بينلي - وهو مصور صحافي، وناشط، ومحارب قديم لدى البحرية الأميركية - في بعض الأحيان يعمل لدى منظمة تدعى «محاربون قدماء لأجل السلام». يتذكر كوهين حديثه «من حيث لا أعلم قال لي: أيمكنك الخروج ببيان علني بالنيابة عن بيتر كاسيغ؟». وقد أوضح بينلي لاحقا أنه تواصل مع كوهين من واقع أن كاسيغ كان محاربا قديما وزميلا - حيث خدم في قوات الصاعقة الأميركية بالعراق في عام 2007 ولكنه سُرح من الخدمة لأسباب طبية - وظن بينلي أنه «كانت هناك فرصة لإنقاذ حياته».
بالنسبة لكوهين، بدا الأمر وكأنه مصيري. «هناك مكالمتان خلال أسبوع واحد». ولقد أخبر بينلي أنه سوف يرى ما يمكنه فعله، وطلب مساعدته في استكمال ملف حول كاسيغ، تضمن مقابلة أجراها مع مجلة «التايم» قبل اختطافه، تدور حول أعماله الإنسانية في مجال الإغاثة مع اللاجئين السوريين. ومن خلال تصفحه للوثائق، رأى كوهين شيئا يربطه بكاسيغ - كما كان يربطه بالأشخاص الذين كان يدافع عنهم طوال السنين الماضية، حيث قال: «كنت أفكر، لو كان عمري الآن 25 أو 26 عاما اليوم لكنت أخدم في أحد معسكرات اللاجئين بالشرق الأوسط. وربما كنت أنا الرهينة المختطف بدلا منه».
ولكن ما دفع كوهين للعمل على القضية بالفعل كان خطابا كتبه كاسيغ إلى والديه في ولاية إنديانا من محبسه، وقد نشره الوالدان لوسائل الإعلام قبل بضعة أيام. (أحجم والدا كاسيغ عن التعليق على هذه القصة). وفي الأسابيع التالية، عندما طار كوهين إلى الكويت ثم إلى الأردن في سعيه الحثيث للتفاوض على إطلاق سراح كاسيغ، كانت الفقرة المفجعة الأخيرة من خطاب كاسيغ تطارده أينما ذهب:
«أتمنى أن تبقى تلك الوريقة إلى الأبد وألا ينقضي أثرها أبدا، وأن أستمر فقط في الحديث معكما. فلتعلموا أنني معكما. مع كل تيار، وعلى ضفاف كل بحيرة، وفوق كل حقل، وبجانب كل نهر. في الغابة وعلى التلال، في كل الأماكن التي جمعتنا معا. لَكَمْ أحبكما».

* اتصالات مع مقاتلي «القاعدة» السابقين
* قال كوهين: «عندما قرأت تلك الكلمات اندفعت في الحماس». كان ذلك حينما رفع سماعة الهاتف متصلا بأفضل المصادر لديه، ثم بدأ سلسلة غير متوقعة من المحادثات عبر القنوات الخلفية - التي تُذكر تفاصيلها هنا للمرة الأولى - ومن خلالها، تمكن كوهين بتشجيع من مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية (إف بي آي) على إقناع رجال دين ومقاتلين سابقين منتمين لتنظيم القاعدة من فتح مسار للمفاوضات مع تنظيم داعش في محاولة لإنقاذ حياة الرهينة الأميركي.

* مجموعة الكويت
* كان الرجل الذي اتصل به كوهين من أعضاء تنظيم القاعدة الكويتيين، أحد المحاربين القدماء في أفغانستان ومن المعتقلين السابقين لدى غوانتانامو، والذي ساعده في التواصل مع شخصيات بارزة من تنظيم القاعدة في الوقت الذي كان يجهز فيه دفاعه في محاكمة أبو غيث زوج ابنة أسامة بن لادن. ومن خلال تلك العملية، صار الرجلان «وثيقي الصلة»، على حد وصف كوهين، (وللأسباب الأمنية، لم تنشر «الغارديان» هوية الرجل المذكور)، حيث اعتاد كوهين والمترجم المرافق له على إطلاق لقب «فوود» أي «طعام» على الرجل الكويتي؛ لأنهما متى تقابلا معه، كانت أطباق اللحوم المشوية، وجراد البحر، والسمك المشوي، والروبيان تتلقاهما على الفور.
قضى كوهين عمره يتفاوض في قضايا ذات أهمية بالغة، ولكن عملية إطلاق سراح كاسيغ كانت شيئا جديدا بالنسبة إليه. حينما كان كوهين يتعامل مع الحكومة الأميركية في المحاكم أو من خلال المكالمات الهاتفية حول حزب الله اللبناني، كانت الأمور وتفريعاتها دائما واضحة، حتى مع نفاد الوقت، كما هو الأمر في حال المحكوم عليهم بالإعدام، يقول كوهين: «فإنك تعرف أنه إذا قال لك الشخص ذلك هو الاتفاق، فإنه يصير فعلا هو الاتفاق». أما بالنسبة لتنظيم داعش، فلم يكن كوهين يعرف من أين يبدأ. وكل ما كان يعرفه أنه يتعين عليه فتح قناة ما باتجاه قيادة التنظيم.
أخبر «فوود» كوهين عبر الهاتف أنه كان شارك أخيرا في مفاوضات ناجحة لإطلاق سراح إحدى الرهائن مع ثاني أكبر جماعة متمردة في سوريا، وهي جبهة النصرة. وفي سبتمبر، ساعد في تأمين إطلاق السراح من جانب واحد لعدد 45 عنصرا من قوات حفظ السلام الفيجية التابعة للأمم المتحدة التي تعرضت للاختطاف في مرتفعات الجولان السورية قبل أسبوعين. سأل كوهين «فوود» حول ما يظنه حيال قضية كاسيغ. وجاء الرد مباشرا: «سوف يموت».
عند هذه النقطة، وضع كوهين خطته بصورة مبدئية. لم تكن الولايات المتحدة على استعداد لدفع فدية أو الموافقة على مبادلة السجناء، ولم تكن كذلك لتتوقف على قصف مواقع تنظيم داعش، كما طالب بذلك «جون المتطرف». ولكن ربما تكون هناك طريقة أخرى لإقناع التنظيم بإطلاق سراح الرهينة الأميركي بدلا من مقايضة الأرواح بالأموال، اقترح كوهين أن تنظيم داعش قد يفضل مبادلة إطلاق سراح كاسيغ مقابل السجناء الإسلاميين السياسيين حول العالم، بمن في ذلك أولئك المعتقلون في غوانتانامو. وفسر كوهين ذلك بقوله: «يمكنك التلويح بإشارات سياسية تكون أقوى من 6 ملايين دولار». أما «فوود»، الذي لم يكن من أنصار تنظيم داعش، توقف، ثم قال إنه تعجبه الخطة ولكن عليه استشارة بعض الأشخاص بشأنها أولا. وفي اليوم التالي، اتصل على كوهين وقال: «إننا نرغب في إنقاذ ذلك الرجل».
كانت لفظة «إننا» تشير إلى مجموعة واسعة من حلفاء «فوود» في الكويت - التي شملت بعضا من المتطرفين السابقين، وبعض رجال الدين المتشددين كذلك، والأطباء، وواحد منهم على الأقل يوجد اسمه بوصفه إرهابيا على قائمة العقوبات الأميركية. وصف كوهين المجموعة بأنها «اللاعبون الكبار الموجودين في الساحة» - ومحاربين قدماء من تنظيم القاعدة ومن أفغانستان، الذين تحولت نظرتهم الاستراتيجية للأمور بمرور الوقت.
ورغم احتقارهم للغرب، فإنهم يقدرون ما يمكن إنجازه من خلال السياسة بدلا من العنف، على حد قول كوهين. لقد اتخذوا قراراتهم باتفاق الآراء، ووفقا لكوهين كانوا دائما ما يبدأن المناقشات بصيغة جماعية على غرار: «لقد اجتمعنا، لقد اتخذنا قرارا جماعيا بشأن بعض الأمور، علينا الرجوع إلى بعض الناس، إن رأي المجموع هو، أو يعتقد الناس أن...»، حتى إن كوهين أطلق عليهم اسم «مجموعة فوود».
كانت «مجموعة فوود» تكره تنظيم داعش، الذي يعتقدون أنه يسبب للإسلام ضررا بالغا ويساعدون في تبرير التدخلات الخارجية من قبل الولايات المتحدة والدول المتحالفة مثل الأردن، والسعودية، ومصر. كما أنهم اهتموا أيضا بمصير كاسيغ؛ فلقد اعتنق الإسلام وسمى نفسه عبد الرحمن خلال السنة التي قضاها في الأسر. وذلك، كما اعتقدوا، يجعل من فكرة إعدامه أمرا بشعا ومريعا. ولكن رغم الخلافات العميقة مع تنظيم داعش، كانت تربطهم بالتنظيم صلات قوية، ومع أحد «أعضاء مجلس وزراء» التنظيم على وجه الخصوص. كانوا طريق كوهين الوحيد إلى كاسيغ.
أخبر «فوود» كوهين أنه لن يتمكن من إجراء محادثات معقدة عبر الهاتف؛ فيجب على كوهين السفر إلى الكويت، ووافق كوهين على ذلك، ولكن قبل إنهاء المكالمة، سأل «فوود» سؤالا أخيرا، وهو السؤال الذي كان يسأله في كل يوم تقريبا لمدة 5 أيام متواصلة: «ألا يزال كاسيغ على قيد الحياة؟». أجابه «فوود» قائلا: «لقد راجعت القوم في ذلك، إنه حي يرزق».

* دخول «إف بي آي» على الخط
* والآن وبعد فتح قناة محتملة مع تنظيم داعش، أدرك كوهين أنه سيكون عليه إدخال المسؤولين الأميركيين في القضية. ولقد توقع أنه عاجلا أم آجلا قد يحتاج إلى مساعدة من المسؤولين لإزالة بعض الحواجز الدبلوماسية عن طريقه. وكان مقتنعا كذلك أنه من دون الموافقة الرسمية، فقد يُلقى القبض عليه، غير أن التواصل مع الحكومة الأميركية كان يعد خطوة كبيرة بالنسبة لكوهين، حيث قال إنها المرة الأولى التي شعر فيها أنه «على السياق نفسه» مع خصوم مدى الحياة. سرعان ما تواصل مع أحد المسؤولين الأميركيين الذي اعتقد أنه يمكنه الوثوق به، وهو مدع عام فيدرالي كان كوهين كثيرا ما تعارك معه في ساحات المحاكم، ولكنه كان يحظى باحترامه. يقول كوهين: «أعتقد أنه لديه فكرة جيدة عني، ولماذا أنا بالتحديد. ولقد أخبرته بالأساس عن كل شيء. بما في ذلك، وفقا لموافقة (فوود)، الكشف عمن جرى التواصل معهم».
أدرك المحاميان أنه عليهما التحرك سريعا؛ فلقد مر بالفعل أسبوع كامل منذ إصدار تنظيم داعش مقطع الفيديو الأخير الخاص بإعدام ألان هينينغ. في العاشر من أكتوبر، بعد ساعات من أول محادثة بينهما، ربط المدعي الفيدرالي كوهين بأحد مسؤولي مكافحة الإرهاب بمكتب التحقيقات الفيدرالية في مكتب واشنطن الميداني، الذي يتعامل مع قضايا إنقاذ الرهائن الدوليين. (طلب المسؤول الفيدرالي من «الغارديان» عدم ذكر هويته، والذي سوف نمنحه اسم «مايك»، وهو ليس اسمه الحقيقي). تعامل كوهين مع الكثير من العملاء الفيدراليين عبر السنين، غير أنه أعجب كثيرا بالسيد مايك. وعلى الرغم من أن كوهين وجد مايك «مؤمنا حقيقيا» - أي من الوطنيين الأميركيين - فإنه قال إن العميل الفيدرالي تفهم أنه أحيانا يكون من الضروري التواصل مع ألد الأعداء وأبغضهم.

* بحريني كبير الشرعيين في «داعش»
* بين يومي 10 و12 أكتوبر، انخرط الرجال الـ3 في سلسلة سريعة من المكالمات المشتركة - كوهين من منزله، والمسؤول الفيدرالي من واشنطن، والمدعي الفيدرالي من مكتبه - فحصوا معا الاقتراح المؤقت بإطلاق سراح كاسيغ من جانب واحد وتفاوضوا حول شروط المشاركة. ذكر مايك كوهين مرارا وتكرارا أنه قد يسافر بوصفه مواطنا عاديا وليست لديه المساحة للتعهد بشيء من جانب الولايات المتحدة في مقابل حرية كاسيغ. وبدوره، أوضح كوهين أن آخر شيء يريده هو وجود ممثل رسمي عن الحكومة الأميركية في الأمر. وقال إنه يعمل بشفافية، ولكنه لن يخضع للمراقبة ورفض مقدما الإدلاء بأي تفاصيل تخص عناصر اتصالاته. وكانت مهمته، كما قال، هي سبر غور القضية برمتها، و«بناء جسور التواصل»، وجمع العملية في مسار واحد للوصول إلى خاطفي كاسيغ.
كانت مطالب كوهين الأخرى بسيطة؛ أولا، كان في حاجة إلى مترجم. وكان المسؤولون الحكوميون سعداء لأنه استخدم مروان عبد الرحمن، وهو مترجم عربي معتمد لدى المحكمة، وكان قد عمل مع كوهين من قبل. (احتفظ عبد الرحمن بملاحظات خلال العملية، ولقد تحدث كثيرا حول الوقائع المروية في تلك المقالة). ثانيا، احتاج من المباحث الفيدرالية الأميركية أن تسدد نفقات الفنادق ورحلات الطيران. كان الأمر كذلك، حسبما قال. لم تكن هناك معارضة، (كان الأمر مثل) «ما الذي تتحدث عنه؟ عشرون ألف دولار لإنقاذ حياة أحدهم؟». بلغت الإيصالات والاستمارات المقدمة من قبل كوهين والمرسلة إلى المباحث الفيدرالية الأميركية في مجموعها مبلغ 24.239 دولارا.
لم يكن الجميع سعيدا أن كوهين - الذي أقر لتوه بالذنب في جناية ارتكبها - سوف يقود الجهود الأميركية لتحرير بيتر كاسيغ. ولكن الولايات المتحدة لا تمتلك الكثير من القنوات الخلفية مع تنظيم داعش حتى يمكن استغلالها في مواقف مثل تلك. يقول كوهين: «كان هناك فتى أبيض من برينستون - أعتقد أنه من وزارة الخارجية أو العدل الأميركية - كان يمزح، إننا نرسل محاميا يهوديا فوضويا يمثل حركة حماس إلى الشرق الأوسط للتفاوض مع (داعش) و(القاعدة) حول كاسيغ؟». ويبدو أن هناك أحد الوطنيين الحقيقيين يرد قائلا: «اللعنة! ومن يمكن أن نرسل سواه؟».
قال كوهين إن حلفاءه موجودون؛ فبعد 4 أيام من مكالمة بينلي الهاتفية، وفي مساء الاثنين 13 أكتوبر، كان هو وعبد الرحمن المترجم على متن طائرة الخطوط الجوية الكويتية المنطلقة من مطار كيندي الدولي.
عندما وصل كوهين وعبد الرحمن إلى الكويت، لم يعرفا ما الذي سيتعاملان معه. كان كل ما يعرفانه هو التزام بأن كاسيغ سيظل على قيد الحياة، بينما سيظل كوهين يعمل على أرض الواقع. كان «فوود» قد أبلغه بـ«أنهم (تنظيم داعش) يريدون إجراء مباحثات». وفي 15 أكتوبر، وصل كوهين إلى أحد الفنادق في جميرا - وهو مكانه المفضل عن أغلب الفنادق الكويتية؛ لأنه يشعر بالأمان هناك؛ فأغلب العملاء من العرب، كما يخضع محيط الفندق لحراسة محكمة. وقال: «إنه ليس من هذا النوع من الأماكن الذي يمكنك أن تختفي منه».
على مدى اليومين التاليين، أخذ «فوود» بزمام المبادرة، فساعد على تنظيم الاجتماعات في غرفة كوهين بالفندق وفي منطقة تناول الطعام وفي منازل الأشخاص. والتقى كوهين عددا من الأعضاء المخضرمين ورجال الدين الراديكاليين بتنظيم القاعدة. وخلال هذه الاجتماعات، كانوا يتناولون كثيرا من الطعام، ويحتسون كثيرا من القهوة، ويتحدثون في السياسة. كان الحديث ينحو منحى آخر في كثير من الأحيان. وكان كوهين يلاحظ في بعض الأحيان عبد الرحمن وهو يجول بعينيه بينما كان رجال الدين يتناولون لمدة ساعات موضوعات غير مترابطة على ما يبدو، مثل فشل الحركات الناصرية في الشرق الأوسط. ويقول كوهين: «هذه هي طبيعة التفاوض. فربما أضطر لقضاء 4 ساعات في التحدث عن مسائل مجردة حتى أحصل على هذه الجملة المهمة». وأشار كوهين إلى أنه في إحدى المناسبات اضطر لأن يدير دفة الحديث إلى كاسيغ.
وفي يوم 17 أكتوبر، قال «فوود» لـكوهين إنه بعد التحدث إلى أحد أعضاء مجلس وزراء تنظيم داعش ومختلف قادة الحرب التابعين للتنظيم في ميدان المعركة، قرر هو ورفاقه في الكويت أن الطريقة الوحيدة لإنقاذ كاسيغ هي الوصول إلى كبير الشرعيين في تنظيم داعش، وهو شيخ بحريني يبلغ من العمر 30 عاما يدعى تركي البنعلي. وكان رجل الدين الشاب هو الشخص الوحيد الذي يستطيع إيقاف سكين المتطرف جون عن طريق إصدار فتوى واحدة. وكانت الطريقة الوحيدة للوصول إلى البنعلي هي من خلال معلمه السابق، الأردني أبو محمد المقدسي، الذي يعد أكثر شخصية تحظى بالاحترام بين الجهاديين على مستوى العالم. وكان المقدسي والبنعلي قد اختلفا بشأن مدى الشرعية الدينية لتنظيم داعش. فإذا كان كوهين يريد إنقاذ كاسيغ، فقد أدرك أن هذا الخلاف ينبغي حله أولا.
المقدسي رجل دين مجعد الشعر قليلا، في منتصف العمر، ولكن فتاواه الدينية كان لها تأثير على جيل من المتطرفين في كل أنحاء العالم، الذين عدوا فتاواه تبريرا دينيا لارتكاب أعمال عنف. كان أحد أشهر مساعدي المقدسي هو أبو مصعب الزرقاوي، الذي شن، عندما كان زعيما لتنظيم القاعدة في العراق، حملة دموية اشتهرت بقطع الرؤوس والقيام بتفجيرات استهدفت فنادق ومقرات أممية وأماكن مقدسة لدى الشيعة. وبعد أن قتل الزرقاوي في إحدى الغارات الجوية الأميركية في عام 2006، تطورت جماعته إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، ثم تطورت إلى تنظيم داعش.
ولكن حتى قبل إنشاء تنظيم داعش، كان المقدسي مفزوعا من الأفعال التي ارتكبها الزرقاوي، وخصوصا عمليات الذبح العارضة لمواطنين عاديين من الشيعة. وكان يرى أن الزرقاوي أساء تفسير تعاليمه. ولم يحتدم مثل هذا الانقسام بين الجنود والعلماء - بين هؤلاء الذين يؤلفون الكتب وأولئك الذين يطلقون الرصاص - بمثل هذا العنف داخل الحركة المتطرفة مثلما هو محتدم اليوم. في شهر يوليو (تموز)، وصف المقدسي تنظيم داعش بأنه «تنظيم منحرف» ورفض الاعتراف بشرعية الخلافة. وأيده في ذلك صديق يعد كذلك لاعبا كبيرا آخر في هذا الصراع الآيديولوجي، يدعى أبو قتادة، وهو أردني من أصل فلسطيني ظل يعيش في لندن لمدة 20 عاما حتى تمكنت الحكومة البريطانية أخيرا من ترحيله إلى الأردن العام الماضي لكي يواجه اتهامات بالتخطيط لارتكاب هجمات إرهابية على أميركيين وإسرائيليين في الأردن في عامي 1998 و1999.

* أبو قتادة: «داعش» حفنة بلطجية
* ويكره أبو قتادة تنظيم داعش مثل المقدسي. وقال لـ«الغارديان» متحدثا لأول مرة منذ أن جرت تبرئته من الاتهامات بالإرهاب في الأردن في فصل الصيف: «ما لا يفهمه هؤلاء الأشخاص هو أنني موجود في هذا المجال منذ أكثر من 30 عاما. فينحصر دورنا نحن.. في إشعال لهيب الثورة وتهيئة الظروف التي تستهدف إسقاط النظم الديكتاتورية، ثم نترك الآخرين الذين يتمتعون بمؤهلات أفضل لتولي مقاليد السلطة».
وأضاف: «نحن لا يمكننا أن نحكم؛ لأننا لا نستطيع إدارة الحكومات. ولا يمكننا حتى تشغيل حضانة، ناهيك عن الخلافة. أما بالنسبة لمزاعم تنظيم داعش أنه دولة، فهو أمر بعيد المنال؛ فهؤلاء في حقيقة الأمر هم حفنة من البلطجية ورجال العصابات الذين لا يتمتعون بأي مؤهلات دينية على الإطلاق».
بالنسبة للغرباء، ربما تبدو هذه النقاشات بين تنظيم القاعدة وتنظيم داعش مجرد صراع بين أشقاء بشأن نقاط دقيقة في الآيديولوجية البشعة نفسها. ومع ذلك، فقد أثارت انتقادات المقدسي وأبو قتادة لتنظيم داعش أزمة ثقة عميقة داخل التنظيم؛ فتنظيم داعش يعد أغنى وأخطر جماعة إرهابية في العالم، ولكن بالنسبة لحركة مثلها، يعد عدم وجود ما يكفي من الشرعية الدينية مشكلة خطيرة بالنسبة له.
وردا على ذلك، شارك تنظيم داعش في مهمة سرية تستهدف الحصول على الولاء الديني، خلال أشهر الصيف، وتوجه أعضاء تنظيم داعش بهدوء إلى رجال الدين المتشددين الأكثر نفوذا في كل أرجاء العالم العربي، فعرضوا عليهم مساعدتهم في نقل أسرهم إلى سوريا، وتقديم هدايا ومبالغ نقدية كبيرة. وظهرت معلومات حول هذا المخطط أول مرة منذ عدة أسابيع على حساب مجهول على موقع التواصل الاجتماعي تويتر اسمه «@wikibaghdady»، يستهدف تسريب معلومات من شخصيات مطلعة حول تنظيم داعش. وتؤكد «الغارديان» صحة هذا الخبر منذ ذلك الحين.
ومن المفهوم أن خطة التوعية من بنات أفكار التلميذ السابق لدى المقدسي، وهو الشيخ البنعلي. وتشير تقارير إلى أن رجل الدين، الذي يمتلك صفحة خاصة به باللغة الإنجليزية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، قام بتحذير مجلس قيادة تنظيم داعش من أنه إذا لم يحصل التنظيم على دعم شخصيات دينية مؤثرة، فإن بقاء «الخلافة» سيكون في خطر. وتشير تقارير إلى أن 2 من العلماء الـ5 قُدم لهم «العروض» الأكثر سخاء، وهذان العالمان هما المقدسي وأبو قتادة.
عندما أخبر كوهين مايك بعزمه على السفر، كان مسؤول مكتب المباحث الأميركية مندهشا. وتذكر كوهين قائلا: «قال لي: سيجتمع المقدسي بك؟ فقلت له: نعم، إنه في انتظاري. فقال: اذهب».

* كوهين يلتقي المقدسي
* وفي يوم 18 أكتوبر، سافر كوهين وعبد الرحمن جوا من الكويت إلى الأردن، واستأجرا غرفا في فندق فورسيزونز في عمان. وبعد يومين، اجتمعا أخيرا بالمقدسي، الذي وصل إلى فندق فورسيزونز بسيارته من طراز هيونداي 97، وانطلقوا إلى منزل المقدسي، الذي يقع في أحد الأحياء الفقيرة نسبيا على مسافة 10 أميال شمال عمان. وفي الطريق، تعطلت سيارة المقدسي. وقال كوهين الذي أخذ يسب وهو عالق وسط الازدحام المروري: «وفتح المقدسي غطاء محرك السيارة وبدأ يضرب على المحرك بمفتاح ربط. وبعد 5 دقائق انطلقنا مرة أخرى».
وأخيرا، وصلا إلى بلوك مجصص به شقة المقدسي. بعد أن صعدا 5 سلالم، خرج أطفال المقدسي من الشقة لالتقاط صور لهم مع كوهين، رغم أن زوجته كانت في البداية حذرة بشأن وجود هذا «المحامي اليهودي». كانت الشقة مرتبة: كان يوجد على الأرض لعب الأطفال، ويوجد على الجدران اقتباسات دينية مكتوبة داخل إطارات. وجلسوا في الصالة، التي كان تحيط بها أرفف ممتلئة بالكتب. وبينما كانوا يأكلون الفواكه والحلويات والمكسرات، التي كانت موضوعة في صوانٍ، استقرت قطة المقدسي على حجر عبد الرحمن.
ربما يعد الناس نظريات المقدسي خطيرة ومكروهة أخلاقيا، ولكن الذين يلتقونه يميلون للإعجاب به؛ فهو شخص بسيط دمث الأخلاق يتحدث بلغة عربية سهلة وعامية. وكان اجتماعه مع كوهين يوم 20 أكتوبر هو أول اجتماع من سلسلة مباحثات متعددة جرت على مدى الأيام الـ10 التالية. (وقد أكد أبو قتادة أنه حضر أحد هذه الاجتماعات). يقول كوهين: «أصبحت معجبا بالفعل بهذا الرجل (المقدسي). لقد وصفه أحد الأشخاص بأنه (نعوم) تشومسكي الإسلامي. وأعتقد أن هذا يمنح تشومسكي الكثير من الجدارة». وكان الإعجاب متبادلا؛ فلقد أخبر المقدسي كوهين بأنه يثمن نشاطه في الدفاع عن حماس وصهر بن لادن.
مثل مجموعة «فوود» في الكويت، قال كوهين إن كلا من أبو قتادة والمقدسي عدا الإفراج عن كاسيغ جزءا من صراع أوسع نطاقا ضد تنظيم داعش. وأخبراه بأن الإفراج عن كاسيغ قد يكون بمثابة رسالة إلى أتباع تنظيم داعش وإلى العالم بأنه توجد بدائل لدوامة العنف، التي أسفرت عن مقتل الكثير من المدنيين. وأضاف المقدسي أنه كذلك تأثر بالرسالة التي بعث بها كاسيغ إلى والديه.
عندما وضع المقدسي استراتيجيته الخاصة بالإفراج عن كاسيغ يوم 21 أكتوبر، كانت هذه الاستراتيجية أكثر اتساعا مما توقع كوهين؛ فكان المقدسي يرى أنه ينبغي تقديم الصفقة بوصفها جزءا من صورة أكبر من ذلك بكثير، من أجل الحصول على تأييد البنعلي لها. أولا، ينبغي على الأنصار الموجودين على كلا جانبي الانقسام («القاعدة» و«داعش»)، الموافقة على إيقاف التنديد بعضهم ببعض ووصم بعضهم بعضا بالمرتدين والكفار. ثم، إذا وافق تنظيم داعش على إيقاف اختطاف الرهائن تماما، يقوم المقدسي ومجموعة من كبار علماء تنظيم القاعدة - على المنوال نفسه الذي حاول به تنظيم داعش استمالته عن طريق عروض نقدية - بتخفيف حدة خطابهم العدائي، مع احتمال فتح الباب للوصول لمصالحة كاملة بين التنظيمين الإرهابيين. ويصر المقدسي حينها، بوصفه جزءا من هذه الاتفاقيات الكبرى، على إطلاق سراح كاسيغ. ويمكن التوصل إلى هذه الصفقة بشكل فعال أثناء المفاوضات باعتبارها بادرة حسن النوايا.
كان الاقتراح له آثار جيوسياسية هائلة؛ فهو يفتح الباب أمام إمكانية اتحاد مقاتلي تنظيمي القاعدة وداعش لتشكيل ائتلاف قوي قد يؤدي إلى الإطاحة ببشار الأسد في سوريا. ومن أجل بدء هذه المصالحة بين الأستاذ وتلميذه الضال، وربما بين تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، طلب المقدسي من زوجته إجراء اتصالات بزوجة البنعلي. كانت ستقوم بدور جسر بهدف إعادة بناء العلاقات بينهما بعد الحرب الكلامية التي نشبت بينهما.
ولم تبق سوى عقبة رئيسة واحدة فقط، تتمثل في أن القانون الأردني يعارض اتصال المقدسي بشكل مباشر بالبنعلي؛ ونظرا لأنه لم يفرج عنه إلا في شهر يونيو (حزيران) بعد أن قضى 4 سنوات في السجن لاتهامات متعلقة بالإرهاب، لم يكن المقدسي يرغب في المخاطرة بالعودة إلى السجن مرة أخرى. وحان الوقت الآن لنرى ما سيفعله كوهين. في 22 أكتوبر الساعة 12:21 صباحا، قال إنه بعث برسالة إلى مايك، لمعرفة ما إذا كان يمكن لمكتب التحقيقات الفيدرالي «التواصل مع الاستخبارات الأردنية» وطلب السماح للمقدسي بالاتصال بالبنعلي.
وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، قال كوهين إن مايك أخبره بأنه يريد معرفة المزيد عن تفاصيل ما يطلبه. الساعة 15:16 ظهرا، أرسل كوهين رسالة بالبريد الإلكتروني إلى مايك فيها أسماء 3 رجال سيكونون نقاط اتصال تنظيم داعش خلال المناقشات. وتضمنت القائمة البنعلي وشخصية مهمة أخرى في تنظيم داعش، وهو سعد الحنيطي، الذي كان أحد المساعدين الثقات لأبو قتادة.
وبعد إجراء مزيد من المباحثات مع المقدسي، طرح كوهين بروتوكولا صارما وضع فيه شروطا للمشاركة. في الساعة 5:32 مساء، أرسل رسالة نصية إلى مايك يقول فيها:
«ستقتصر المكالمات على مباحثات مع رجال دين بشأن الرهينة والعمل على إطلاق سراحه وبعض الكلام القليل الواضح. ووافق الأردن على أنه لن يطلب منه (المقدسي) إجراء المكالمات من أحد مواقعها الاستخباراتية، ولن يوجه له اتهامات بسبب المكالمات أو خلاف ذلك استجوابه بسببها».
«وبطبيعة الحال، لن يجرى التحكم في المكالمات أو تعقبها لأغراض شن هجمات عسكرية أو هجمات بطائرات من دون طيار. كما سيناقش (المقدسي) - لو سمح له بذلك - الحاجة لوقف كامل لاختطاف رهائن من الصحافيين وعمال الإغاثة والمدنيين والمسلمين، وبطبيعة الحال عدم إعدام أي منهم بأي وسيلة».
وفي 23 أكتوبر ، الساعة 8:29 مساء، تلقى كوهين الرسالة التي كان في انتظارها: «أخبرني أحد زملائي في العمل للتو في البلد الذي توجد فيه، بأن المكالمة مسموح بها».. كان هذا ما قاله مايك في الرسالة النصية. وتواصلت المفاوضات.
رغم ما فهمه كوهين على أنه تأكيدات من مكتب التحقيقات الفيدرالي على ترتيب البروتوكول، فإنه ظل قلقا على سلامة المقدسي. وأشار إلى أنه اقترح شراء هواتف جوالة جديدة من أجل إجراء المحادثات. وفي 24 أكتوبر، ذهب كوهين وعبد الرحمن والمقدسي للتسوق وشراء هواتف جوالة من وسط المدينة، على بعد نحو 30 دقيقة من فندق فورسيزونز. ورغم أن المقدسي لم يدفع، فإنه اختار أرخص هاتف تمكن من العثور عليه، وهو جهاز نوكيا قديم أكد البائع أنه قادر على الاتصال بشبكة الإنترنت. وعند عودتهم إلى فندق فورسيزونز، حاول المقدسي تحميل تطبيق التراسل الفوري واتس آب - وهو أحد التطبيقات التي يفضلها تنظيم داعش في التواصل - الذي كان يحتاج إليه من أجل التحدث مع البنعلي، ولكنه لم ينجح. واستشاط المقدسي غضبا، فلم يضطر فقط لشراء هاتف جديد، بل إنه تعرض للخداع؛ فالتقط هاتفه الجوال القديم واتصل برقم هاتف البنعلي. حاول كوهين أن يمنعه من ذلك، ولكن المقدسي قال له: «ليس عندي ما أخفيه». حسبما وصل إلى فهمه، قالت الولايات المتحدة إن الأردنيين وافقوا على أنه يمكنه إجراء الاتصال. وكان الأمر يبدو آمنا بشكل كامل.

* ساعتان من الاتصالات بين المقدسي والبنعلي
* كان المساء قد حلّ وظل المقدسي والبنعلي يتبادلان الرسائل على مدى الساعتين التاليتين عبر برنامج الـ«واتس آب». وكان تفاعلهما في «غاية الدفء» على حد قول كوهين. وكان المقدسي ينادي البنعلي مداعبا: «ابني الجاحد»، ويرد عليه البنعلي برسالة مفادها: «أبو محمد (المقدسي) هو أبي، وكل هؤلاء الشيوخ الآخرين (في داعش) أعمامي». وكان البنعلي تواقا للتفاخر والزهو، حيث كان يبدأ بعض رسائله بالقول إن هناك طائرة تعمل من دون طيار تحلق فوق رؤوسهم أو أن هناك هجوما جويا؛ وذلك فقط لإثارة إعجاب المقدسي. كذلك أرسل لمعلمه السابق صورة له وهو يرتدي سترة الذخيرة ويحمل نسخة من القرآن. ومع استمرار الحديث بين الاثنين بدأ الشعور بالأمل يدخل إلى نفس كوهين. ورغم أن اسم كاسيغ لم يكن قد ذُكر بعد، فإن كوهين قال إنه أرسل لمعاونه رسالة بالبريد الإلكتروني يخبره فيها بأن «الأمر سينجح».
وفي مساء يوم 25 أكتوبر، وردت إلى كوهين أنباء جديدة أعلم مايك في مكتب التحقيقات الفيدرالي بها، حيث قال له: «تلقيت رسالة من مجموعة (فوود) في الكويت ويريدون مني أن أعود إليهم. وأخبروني بمدى أهمية ذلك. المكالمات الهاتفية مستمرة هنا». وطلب منه مايك «تحفيز العملية» و«تقديم تقييم حقيقي». ورد عليه كوهين قائلا: «أنا متفائل، لقد ازدادت أهمية الأطراف الفاعلة، و(كاسيغ) لا يزال على قيد الحياة. هناك دعم من رجال الدين البارزين وبعض الشخصيات البارزة على الأرض. قراءتي للوضع تدفعني إلى الاستجابة لطلباتهم الآن، وإلا فسنخسر هذا الطريق، الذي قد يكون الطريق الوحيد الواقعي». ورد مايك باقتضاب قائلا: «قم بذلك».
بدا أن الأمور تسير نحو الأمام، لكن كان تأثير العملية على كوهين سلبيا، فقد قضى جلّ وقته في التجول داخل غرفته بالفندق وهو يشاهد القنوات الفضائية اللبنانية ويبعث برسائل بالبريد الإلكتروني إلى مساعده في نيويورك بشأن حالاته المستمرة ويعمل على تحسين لغته العربية الركيكة. وبعد فترة بدأت أعصابه تزداد توترا، وبدأ يشعر بالإرهاق. وكان من الضروري الإبقاء على محاولاته إنقاذ كاسيغ طي الكتمان حتى تنجح. لذا عندما غاب عن عيد ميلاد زوجته الأ41 خلال شهر أكتوبر، أخبرت الضيوف أن «ستانلي يقضي عطلة في الشرق الأوسط». وكان الجزء الأسوأ هو الشعور بعدم اليقين، حيث يقول كوهين إنه ظل يسمع «من رجال دين» أن «داعش» تنظيم متقلب بشكل مذهل؛ لذا رغم الوعود التي كانت ترد عبر مجموعة «فوود» وغيرها، كان كوهين يستيقظ ليلا كي يعرف من قناة «الجزيرة» ما إذا كان كاسيغ حيا أم لا.
وفي 26 أكتوبر، وهي الليلة التي سبقت عودة كوهين وعبد الرحمن إلى الكويت، تناولا العشاء مع المقدسي في فندق الـ«فورسيزونز». وأخبر المقدسي كوهين بحديث آخر له مع البنعلي عبر برنامج الـ«واتس آب». وأحرزوا تقدما على صعيد التقارب الشخصي، بل وشرعوا في حل القضايا الخلافية الدينية. وقال المقدسي إنه يعتزم مناقشة أمر كاسيغ معه في اليوم التالي.
وسأل كوهين: «ماذا تظنهم فاعلين؟». رد عليه: «إنهم سيتركونه». فسأل عن السبب، فرد عليه قائلا: «سيتركه البعض للأسباب الصحيحة، في حين سيتركه البعض لأسباب خاطئة، والبعض لأنهم يريدون استعادة إعجابي بهم، وأنا الذي أطلب ذلك، لكنهم سيتركونه». وأضاف المقدسي أنه تلقى مكالمة هاتفية من الاستخبارات الأردنية يطلبون فيها حضوره اجتماعا في اليوم التالي. وقد اعتزم مقابلتهم بعد موعده مع الطبيب في الواحدة بعد الظهر. ولم يذعر كوهين؛ فقد اعتقد أن استمرار التفاوض يعني أن المقدسي في أمان. مع ذلك أرسل بعض الرسائل النصية القصيرة إلى مايك لمعرفة ما إذا كانت لديه أخبار جديدة. ومايك طلب من كوهين أن يعلمه بأي تطورات. وبعد العشاء وعندما بدأت السيارة الأجرة التي يستقلها المقدسي في التحرك بعيدا عن الفندق، قال كوهين إنه فجأة أشار إلى السائق ليتوقف. وأوضح قائلا: «لقد كان هذا ما شعرت به». وطلب كوهين من المقدسي أن يبعث برسالة نصية إلى عبد الرحمن بمجرد انتهاء الاجتماع مع سلطات الأمن الأردنية في اليوم التالي. وأضاف كوهين وهو يتذكر: «ضحك وقال لي إنني أشعر بالقلق كثيرا عليه». في حين رد كوهين عليه قائلا: «هناك الكثير من الأمور على المحك وأنا أحبك». واحتضن المقدسي كوهين وعاد إلى سيارة الأجرة التي انطلقت به.
في 27 أكتوبر عاد كوهين وعبد الرحمن إلى الكويت للحديث مع مجموعة «فوود» بشأن «التطورات الواعدة» التي كانت تحدث في غيابهما. وبعد ظهيرة ذلك اليوم عاد كوهين إلى غرفته في فندق الجميرا بالكويت وناداه عبد الرحمن من الطابق الذي أسفل منه بـ4 طوابق قائلا وهو يشير إلى التلفزيون: «لقد ألقوا القبض على المقدسي». وتساءل كوهين قائلا: «من الذي فعل ذلك؟». ورد عليه عبد الرحمن قائلا: «الأردنيون».
اتصل كوهين على الفور بمايك لمعرفة ما إذا كان قد جدّ أي جديد، وما إذا كان المقدسي قد اعتقل بسبب المكالمات الهاتفية. وقال كوهين إنه قال لمايك: «لقد كان بيننا اتفاق وأنتم وقعتم عليه. وقلتم إن الأردنيين وقعوا هم أيضا عليه». مع ذلك، فنّد مسؤولون في مكتب التحقيقات الفيدرالي رواية كوهين، حيث أخبروا «الغارديان» بأن مكتب التحقيقات لم يقدم أي ضمانات بأن المقدسي أو أي شخص آخر مشترك في تلك المحاولات بمعزل عن أي محاولة انتقام بسبب اتصاله بـ«داعش».
في ذلك المساء صرحت قوات الأمن الأردنية بأن المقدسي متهم «باستخدام الإنترنت في الترويج لآراء منظمات إرهابية». وقال كوهين إنه أخبر مايك عبر الهاتف بأنه جرى الإيقاع بهم، وسأل مايك: «لماذا يوافق الأردنيون على الأمر إذا كانوا يعتزمون القبض عليه بعد ذلك بأيام؟». لم يكن لدى مايك إجابة، لكنه وعده بأنه سيحاول الوصول إلى إجابة. ولم ترد الحكومة الأردنية على طلبات كثيرة لـ«الغارديان» بالتعليق على أسباب القبض على المقدسي ومدى علمهم بالمفاوضات الجارية مع قادة «داعش».
بمجرد أن سمع «فوود» ومجموعته بخبر القبض على المقدسي، ساورتهم الشكوك في كوهين، وحمّلوا الحكومة الأميركية مسؤولية ترتيب الأمر برمته. وقال كوهين: «لأول مرة منذ 30 عاما من الدفاع عن الحكومة الأميركية أريد أن أتقيأ وأقول لا، أنا أعتقد أن الولايات المتحدة قد أخذت على حين غرة». ويروي كوهين أنه بعد ذلك بيومين أخبره واحد من مجموعة «فوود» بأن الاستخبارات الكويتية قد زارت بعضهم. وبحسب كوهين، تلقى أعضاء المجموعة تحذيرا مفاده: «إذا قابلتم ستانلي واستخدمتم اسمي الأول وكأننا أقارب من الدرجة الأولى، فسنلقي القبض عليكم». وأضاف كوهين: «ما خطر ببالي كان أن هذا الأمر خارج السيطرة، وأننا تعرضنا للخيانة وليس الأمر من قبيل المصادفة».
وفي 30 أكتوبر بعث كوهين برسالة بالبريد الإلكتروني إلى مايك يخبره فيها بأنه سيعود إلى أرض الوطن، وكتب كوهين: «لقد جرى إيقاف المحادثات حاليا». وفي اليوم التالي عاد كوهين إلى نيويورك، وفي يوم عودته أرسل تقييما للموقف في 3 صفحات إلى مسؤول في قسم مكافحة الإرهاب بمكتب التحقيقات الفيدرالي. وقال إن «فرصة ذهبية» لإطلاق سراح كاسيغ قد ضاعت.
و«أتفهم جيدا أن هناك خطة توضع بمعزل عن إطلاق سراح كاسيغ. على الجانب الآخر، لم أر أي دليل يشير إليها، وكان الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بيني وبين الأردنيين، بمعرفتكم وموافقتكم، يسير على ما يرام كما كنت أظن في ظل وجود مؤشرات إيجابية، إلى أن جرى القبض على الشيخ وزارت الاستخبارات الكويتية معارفي في ذلك البلد».
ومنذ الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) كان كوهين يتابع مع «فوود» والآخرين بشكل يومي وضع كاسيغ. وكان يوافي مايك بالأخبار التي تؤكد أن كاسيغ لا يزال حيا. مع ذلك لم يكن يتلقى كوهين الكثير. وأخيرا في 7 نوفمبر، كتب إليه مايك: «يبدو أن الخيار الوحيد أمامنا حاليا لتحقيق تقدم هو التواصل مع الأردنيين بشأن الشيخ المقدسي. سيتحدث زميلي في عمان مع أشخاص ويخبرني بأي معلومات خلال نهاية الأسبوع الحالي. مع ذلك يبدو أن بداية النقاش أمر عسير». ورفض مكتب التحقيقات الفيدرالي الكشف لصحيفة «الغارديان» عن اسم ذلك «الزميل».
وفي 10 نوفمبر أرسل مايك إلى كوهين رسالة تسودها روح التشاؤم مفادها: «بالنظر إلى الأنشطة الحالية هناك، وعدد الأشخاص الذين جرى القبض عليهم، لا يبدو أن للولايات المتحدة تأثيرا كبيرا». وفي اليوم ذاته، أكد أن الولايات المتحدة لن تستطيع تحرير المقدسي.
وفي محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا الموقف المتدهور، اقترح كوهين طريقة أخرى. بدلا من محاولة الدفع باتجاه إطلاق سراح المقدسي، وهو أمر عسير، ربما يمكن أن تمنح الحكومة الكويتية مجموعة «فوود» بعض الضمانات بعدم التعرض لهم إذا أعادوا فتح قناة الحوار مع كوهين. وفي 12 نوفمبر بعث كوهين برسالة أخرى إلى مايك مفادها: «لقد تلقيت رسالة من الكويت. وكاسيغ بخير». وفي اليوم التالي وصلت أخبار جديدة إلى كوهين، وهي أن مايك قد أحرز بعض التقدم، حيث أخبره: «جرى تقديم الطلب إلى الكويتيين وما زلنا في انتظار الرد». فكّر كوهين حينها في ضمان حصول الولايات المتحدة على مبتغاها فقط إذا هي طلبت ذلك من الكويت.
وأخبر مكتب التحقيقات الفيدرالي «الغارديان» بأنه لن يوضح ما إذا كانت هيئات حكومية أخرى قد انخرطت في هذه العملية أم لا. وقال بول بريسون، المتحدث الرسمي باسم المكتب: «تأتي عودة مواطنينا سالمين على رأس أولويات مكتب التحقيقات الفيدرالي في تحقيقات الاختطاف الدولية». ونظرا لاختلاف الظروف في كل حال، يعمل مكتب التحقيقات الفيدرالي عن كثب مع باقي هيئات الحكومة الأميركية من أجل نظر كل الخيارات المتاحة والقانونية الرامية إلى الإفراج عنهم. ونادرا ما نتطرق لتلك التفاصيل علنا للحفاظ على تلك الخيارات واحتراما منا لأحبائهم».
لا يزال كوهين يشعر بالغضب من الطريقة التي أديرت بها المفاوضات. وكان يريد أن يعرف سبب عدم التزام الأردنيين بالاتفاق، وفشل الحكومة الأميركية في التدخل في لحظة حرجة للدفع باتجاه إطلاق سراح المقدسي، وعجز الولايات المتحدة عن التعاون مع الأردن والكويت لإنقاذ مواطن أميركي. وقال كوهين: «أريد أن يفهم كل أم وأب في هذا البلد أنه إذا ساءت الأمور، فيمكن أن يكون ذلك الضحية ابنهم».
وقال كوهين يوم الأحد الموافق 16 نوفمبر إنه حزم حقائبه وكان مستعدا للرحيل حين استيقظ على رسالة مثيرة للقلق بالبريد الإلكتروني مفادها: «لقد سمعنا بخبر فظيع وأردت أن أعرف ما إذا كنت قد سمعت به أم لا». أجاب كوهين: «يا إلهي، لقد استيقظت لتوي على رسالتك. سأرد عليك حالما يردني أي نبأ». وفي الـ07.07 صباحا اتصل كوهين بمايك مرة أخرى وقال: «(فوود) يقول إنه تلقى رسالة تؤكد مقتل بيتر. وقال إننا قد استغرقنا وقتا طويلا».

* بالاتفاق مع «الغارديان» البريطانية



غوتيريش يدين إحالة الحوثيين موظفين أمميين إلى المحاكمة

عنصر حوثي خلال حشد مسلح نظمته الجماعة في محافظة عمران شمال صنعاء (أ.ف.ب)
عنصر حوثي خلال حشد مسلح نظمته الجماعة في محافظة عمران شمال صنعاء (أ.ف.ب)
TT

غوتيريش يدين إحالة الحوثيين موظفين أمميين إلى المحاكمة

عنصر حوثي خلال حشد مسلح نظمته الجماعة في محافظة عمران شمال صنعاء (أ.ف.ب)
عنصر حوثي خلال حشد مسلح نظمته الجماعة في محافظة عمران شمال صنعاء (أ.ف.ب)

بالتوازي مع تنديد الأمم المتحدة بإحالة الحوثيين موظفين يمنيين في المنظمة الدولية إلى المحاكمة، شدّد مسؤولون في الحكومة اليمنية على توسيع التنسيق العسكري لمواجهة الجماعة المدعومة من إيران، وتعزيز حضور مؤسسات الدولة، وتحسين البيئة التشغيلية للمنظمات الإنسانية.

وفي هذا السياق، عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه البالغ إزاء استمرار الحوثيين في احتجاز 59 من موظفي الأمم المتحدة، إلى جانب عشرات العاملين في منظمات غير حكومية، ومؤسسات مجتمع مدني، وبعثات دبلوماسية.

وفي البيان، الذي ورد على لسان ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام، ندد غوتيريش بإحالة الموظفين الأمميين إلى محكمة جنائية خاصة تابعة للحوثيين، عادّاً الخطوة «انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ولحصانة موظفي الأمم المتحدة، بمن فيهم المواطنون اليمنيون، تجاه أي إجراءات قانونية مرتبطة بمهامهم الرسمية».

وأشار البيان إلى أن هؤلاء الموظفين «يُحتجزون بمعزل عن العالم الخارجي، بعضهم منذ سنوات، من دون أي إجراءات قانونية واجبة». ودعا سلطات الحوثيين إلى «التراجع الفوري عن هذه الإحالة، والإفراج عن جميع المحتجزين من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والسلك الدبلوماسي».

سجناء في صنعاء أمرت محكمة حوثية بإعدامهم بتهمة «التخابر» (إ.ب.أ)

كما جدد تأكيد التزام الأمم المتحدة «بمواصلة دعم الشعب اليمني، وتقديم المساعدة الإنسانية رغم التحديات المتصاعدة» في مناطق سيطرة الحوثيين.

وفي سياق متصل، رحّبت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة اليمنية، بقرار منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) نقل مقرها الرئيسي من صنعاء الخاضعة للحوثيين إلى العاصمة المؤقتة عدن.

وأوضحت الوزارة في بيان، أن الخطوة تأتي استجابة لدعواتها المتكررة التي طالبت خلالها بنقل مقار المنظمات الدولية والأممية من صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، «حفاظاً على سلامة كوادرها وضماناً لعدم خضوعها للابتزاز أو العرقلة».

وأكد البيان أن القيادة الحكومية، ممثلة في وزير الشؤون الاجتماعية والعمل محمد الزعوري، «ستوفر كل أشكال الدعم والتسهيلات لتمكين (اليونيسيف) من أداء مهامها بفاعلية أكبر من مقرها الجديد».

تعزيز الجهود العسكرية

وإلى ذلك، شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، اجتماعاً بين عضو «مجلس القيادة الرئاسي» عبد الرحمن المحرمي ووزير الدفاع محسن الداعري. ناقشا خلاله «مستجدات الأوضاع العسكرية في مختلف الجبهات، ومستوى الجاهزية القتالية، وانضباط الوحدات العسكرية، إضافة إلى جهود الوزارة في مجالات التدريب والتأهيل ورفع القدرات الدفاعية»، وفق ما أورده الإعلام الرسمي.

وفي حين نقلت وكالة «سبأ» الحكومية عن الداعري تأكيده أن القوات المسلحة «تعمل بتناغم وانسجام كاملين في مواجهة الحوثيين»، شدد المحرمي، على «ضرورة تعزيز التنسيق بين التشكيلات العسكرية، وحشد الطاقات نحو العدو المشترك، باعتبار ذلك أساسياً لحماية الأمن والاستقرار في المناطق المحررة».

عضو «مجلس القيادة الرئاسي» اليمني عبد الرحمن المحرمي مع وزير الدفاع محسن الداعري (سبأ)

ومن مأرب، بعث عضو «مجلس القيادة الرئاسي» اللواء سلطان العرادة، برسالة وطنية جامعة خلال لقاء موسع ضم أعضاء من مجلسي «النواب» و«الشورى» ومحافظين ومسؤولين ووجهاء من مختلف المحافظات.

وأكّد العرادة أن اليمن «يعيش لحظة فارقة تتطلب رصّ الصفوف وتعزيز التلاحم الوطني». وقال في كلمته: «إن ما يجمع اليمنيين هو إيمانهم الراسخ بأن اليمن لا يُهزم ولا يموت، وأن أبناءه يجددون دائماً قدرتهم على الصمود رغم العواصف» التي تمر بها البلاد.

وأشار العرادة إلى أن التجارب التي مرت بها البلاد «رفعت منسوب الوعي الشعبي بأهمية الدولة وضرورة حماية مؤسساتها»، مؤكداً أن «استعادة مؤسسات الدولة من ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران تُمثل اليوم أولوية وطنية لا بديل عنها».

وشدد على أن «الدفاع عن الوطن مسؤولية مشتركة لا تخص محافظة بعينها، بل هي واجب يتحمله جميع اليمنيين دون استثناء، وأن طريق النصر، وإن بدا طويلاً، يظل واضحاً لمن يمتلك الإرادة والعزيمة ووحدة الهدف».


الأمم المتحدة تندد بإحالة عدد من موظفيها المحتجزين على محكمة تابعة للحوثيين

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز)
TT

الأمم المتحدة تندد بإحالة عدد من موظفيها المحتجزين على محكمة تابعة للحوثيين

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز)

ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، بإحالة المتمردين الحوثيين في اليمن على محكمتهم الخاصة عدداً من موظفي الأمم المتحدة الـ59 الذين يحتجزونهم «تعسفياً».

وأفاد ستيفان دوجاريك، الناطق باسم غوتيريش، بأن الأمين العام «يدين إحالة سلطات الأمر الواقع الحوثية موظفين من الأمم المتحدة على محكمتهم الجنائية الخاصة»، مشيراً إلى أن هذه الإحالة تشمل عدداً لم يحدده من موظفي الأمم المتحدة المُحتجَز بعضهم منذ سنوات.

وأضاف: «ندعو سلطات الأمر الواقع إلى إلغاء هذه الإحالة والعمل بحسن نية للإفراج الفوري عن جميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والسلك الدبلوماسي».

ونفذ الحوثيون المدعومون من إيران في السنوات الأخيرة موجات عدة من الاعتقالات، ولا يزالون يحتجزون 59 موظفاً من الأمم المتحدة، جميعهم من الجنسية اليمنية، وهم محرومون من أي تواصل مع العالم الخارجي.

وعلّل الحوثيون احتجاز هؤلاء بتهم تجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، لكنّ الأمم المتحدة نفت الاتهامات مؤكدة عدم جواز ملاحقة موظفيها على أساس أنشطتهم الرسمية.

أما مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك فأشار في بيان إلى أن أحد زملائه أحيل على المحكمة الخاصة لدى الحوثيين بناء على «اتهامات كاذبة بالتجسس»، وقال: «هذا أمر غير مقبول على الإطلاق ويشكّل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان»، مجدداً المطالبة بالإفراج الفوري عن جميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى.

ودأب القضاء التابع للحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة من اليمن، على استدعاء عاملين في منظمات غير حكومية وصحافيين ومعارضين.


ترحيب في مقديشو بنجم «تيك توك» صومالي رحّلته واشنطن

الصومالي مهاد محمود (أ.ف.ب)
الصومالي مهاد محمود (أ.ف.ب)
TT

ترحيب في مقديشو بنجم «تيك توك» صومالي رحّلته واشنطن

الصومالي مهاد محمود (أ.ف.ب)
الصومالي مهاد محمود (أ.ف.ب)

في 24 أكتوبر (تشرين الأول)، شنّ البيت الأبيض هجوماً على الصومالي مهاد محمود، واصفاً إياه بأنه «حثالة مجرم» واتهمه خطأ على ما يبدو بالمشاركة في اختطاف جاسوسين فرنسيين في مقديشو، لكنّ بلده استقبله كالأبطال بعد ترحيله من الولايات المتحدة.

ووفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية، ذاك المنشور الذي ورد يومها على منصة «إكس» وأُرفِق بصورة لشخص ذي لحية قصيرة يرتدي قميصاً بنقشات مربعات، فاجأ مواطني محمود، إذ يُعَدّ في بلده الأصلي نجماً على وسائل التواصل الاجتماعي يحظى بشعبية واسعة، ويبلغ عدد متابعيه على «تيك توك» نحو 450 ألفاً.

تواجه الصومال منذ عام 2006 تمرداً تقوده حركة «الشباب» المتطرفة المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولا تزال الحرب مستمرة إلى اليوم على بعد 60 كيلومتراً من العاصمة مقديشو. في هذا الواقع، يركّز مهاد محمود على المناوشات الكلامية بين الفصائل الصومالية المتناحرة ويبدو بعيداً جداً عن أجواء المتمردين المتطرفين.

وأجرت وكالة الصحافة الفرنسية عملية تحَقُق من هذا الرجل الذي رُحِّل إلى الصومال في نوفمبر (تشرين الثاني)، وترى فيه مصادر أمنية صومالية وفرنسية ضحية جديدة لسياسة إدارة ترمب المتعلقة بالهجرة، لا ضالعاً في قضية هزّت فرنسا، ينفي أي دور له فيها.

ففي 14 يوليو (تموز) 2009، أقدمت مجموعة من المسلحين على خطف اثنين من عملاء مديرية الأمن الخارجي الفرنسية من «فندق صحافي العالمي» (Sahafi international) الذي كانا يقيمان فيه بمقديشو، وما لبث أحدهما ويُدعى مارك أوبريير أن تمكن من الهرب بعد شهر.

أما الآخر، وهو دوني أليكس، فتوفي بعد ثلاث سنوات ونصف سنة من الأسر، في يناير (كانون الثاني) 2013، وأكدت باريس أن خاطفيه أعدموه عندما كانت القوات الفرنسية تحاول تحريره.

«ليس صحيحاً»

وصف منشور البيت الأبيض مهاد محمود بأنه «حثالة مجرم خارج على القانون»، واتهمه بأنه «ضالع في اختطاف مسؤولين فرنسيين في فندق صحافي وقتل أحدهما من قِبل حركة الشباب».

وقال محمود في حديث مع وكالة الصحافة الفرنسية، السبت، إن هذا الاتهام «ليس صحيحاً»، موضحاً أنه كان يقيم بين عامَي 2008 و2021 في جنوب أفريقيا ولم يكن موجوداً في الصومال لدى حصول هذه الواقعات، مندداً باتهامات «تخدم الأجندة السياسية» للسلطات الأميركية.

ومع أن مهاد محمود لا يمتلك أي مستندات إدارية تثبت أقواله، أكد اثنان من أقربائه لوكالة الصحافة الفرنسية روايته.

وأظهرت وثيقة صادرة عن الشرطة الصومالية في 28 يونيو (حزيران) 2025 اطلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية أن سجلّه العدلي لا يتضمن أي سوابق.

كذلك رأى مصدران أمنيان صوماليان استصرحتهما وكالة الصحافة الفرنسية أن الاتهامات الأميركية تفتقر إلى الصدقية، وقال أحدهما: «ليس لدينا أي دليل على ارتباطه مباشرة» بالخطف، فيما توقع الآخر «أن تكون الولايات المتحدة تلقّت معلومات مغلوطة».

أما في فرنسا التي بقيت استخباراتها الخارجية تسعى طوال سنوات إلى العثور على المسؤولين عن خطف عميليها، فقد أكّد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية جازماً أن مهاد محمود ليس ضالعاً في ذلك.

وفي المنشور الذي تضمّن اتهامه، أشاد البيت الأبيض بـ«العمل البطولي» لإدارة الهجرة والجمارك الأميركية التي «سحبته» من شوارع مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا (بشمال الولايات المتحدة)، حيث تعيش جالية صومالية كبيرة.

ودانت منظمات دولية عدة ارتكاب سلطات الهجرة الأميركية انتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان في إطار سياسة الترحيل الجماعي التي اتبعتها إدارة الرئيس دونالد ترمب.

«ضحية ظلم»

روى محمود أن رجالاً «ذوي وجوه مغطاة ويرتدون سترات واقية من الرصاص» طوقوه لدى خروجه من منزله واقترابه من سيارته في 27 مايو (أيار) الفائت و«وجهوا مسدساً» إلى رأسه وأوقفوه.

ورغم إقراره بأنه لم يتلقَ معاملة سيئة لدى توقيفه، ولا خلال أكثر من خمسة أشهر تلته من الاحتجاز، شكا محمود الموجود في الولايات المتحدة منذ عام 2022 «الظلم» الذي قضى على حلمه.

وقال محمود الذي عمل خصوصاً مع «أوبر» و«أمازون»: «ترمب مسؤول عما حدث لي (...) ولكن لست الوحيد. فقد طال ذلك ملايين الأشخاص من مختلف أنحاء العالم الذين يعيشون في الولايات المتحدة، سواء أكانوا صوماليين أم لا».

إلا أن الجالية الصومالية التي ينتمي إليها تبدو مستهدفة بالفعل.

فترمب أدلى بتصريحات لاذعة ضد الصوماليين، واعتبر أن «عصابات» منهم تُرهّب مينيسوتا. وقال في مطلع ديسمبر (كانون الأول): «لا أريدهم في بلدنا (...) وسنذهب في الاتجاه الخاطئ إذا استمررنا في قبول القمامة».

أما مهاد محمود الذي يؤكد «كرامة» شعبه و «أخلاقه»، فرُحِّل في نهاية المطاف إلى مقديشو، عبر كينيا، في بداية نوفمبر (تشرين الثاني)، مع سبعة صوماليين آخرين.

ومنذ عودته إلى بلده، راح نجم «تيك توك» ينشر مقاطع فيديو تُظهِر الترحيب به. وبلغت شعبيته ذروتها، إذ انضم نحو مائة ألف متابع إضافي إلى حسابه على «تيك توك»، وحظيَ أحد مقاطع الفيديو التي نشرها عليه بنحو مليونين ونصف مليون مشاهَدة.

وأكد مهاد محمود الذي لم يكن عاد إلى الصومال منذ مغادرته إياها إلى جنوب أفريقيا عام 2008، أنه «سعيد جداً» بهذا الاستقبال الذي ناله في بلده. لكنه لاحظ أنه «يعود في جزء كبير منه إلى أن الناس» يرونه «ضحية ظلم».