مصير «جيوش المرتزقة» بعد التهدئة في ليبيا... مغادرة أم بقاء؟

قوات تابعة لـ«الوفاق» في بلدة أبو قرين الواقعة بين طرابلس وبنغازي (أ.ف.ب)
قوات تابعة لـ«الوفاق» في بلدة أبو قرين الواقعة بين طرابلس وبنغازي (أ.ف.ب)
TT

مصير «جيوش المرتزقة» بعد التهدئة في ليبيا... مغادرة أم بقاء؟

قوات تابعة لـ«الوفاق» في بلدة أبو قرين الواقعة بين طرابلس وبنغازي (أ.ف.ب)
قوات تابعة لـ«الوفاق» في بلدة أبو قرين الواقعة بين طرابلس وبنغازي (أ.ف.ب)

طرح إعلان رئيس حكومة «الوفاق الوطني» الليبية فائز السراج، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بشأن وقف إطلاق النار في أنحاء ليبيا، مجموعة من الأسئلة تتعلق في مجملها بآلاف المرتزقة الذين دفعت بهم تركيا إلى البلاد، إضافة إلى مصير مذكرة الاتفاق العسكري بين طرابلس وأنقرة، في موازاة اتهامات موجهة إلى سلطات شرق ليبيا لاستعانتها بعناصر من «فاغنر» الروسية.
ورأى عضو مجلس النواب الليبي جبريل أوحيدة، أن «خروج المرتزقة السوريين الذين جلبتهم تركيا للقتال» إلى جوار حكومة «الوفاق»، «لا يرتبط بأي حال بقرار طرفي الصراع الداعي لوقف إطلاق النار، بقدر ما يرتبط بقدرة المجتمع الدولي على كبح جماح المشروع التركي - القطري الآيديولوجي بالمنطقة من عدمه».
وقال أوحيدة لـ«الشرق الأوسط»، إن «خروج جيوش المرتزقة من ليبيا مرتبط بالاتفاقيات العسكرية والاقتصادية والمالية التي أبرمتها تركيا مع حكومة الوفاق في طرابلس، ولذا فالجميع يتساءل عن مدى صمود اتفاق صالح والسراج، وقدرته على الوصول بالبلاد إلى اتفاق سياسي يكبح جماح أطماع أنقرة وتطلعاتها في ليبيا على المستويات كافة». وتابع أن «هذا ما لا يتنازل عنه التيار الوطني في الشرق الليبي، بما فيه الجيش، ومجلس النواب الذي يمثله ويرأسه المستشار عقيلة صالح».
كانت تقارير أممية أشارت إلى قيام طرفي الصراع بتجنيد المزيد من «المرتزقة» خلال العامين الماضيين، لكن «الجيش الوطني» يندد بنقل تركيا آلاف المسلحين من سوريا إلى الأراضي الليبية، فيما لا تكف حكومة «الوفاق» عن الإشارة لوجود «مرتزقة روس» وجنسيات أخرى، يقاتلون إلى جوار «الجيش الوطني»، وهو ما ينفيه الأخير دائماً على لسان اللواء أحمد المسماري المتحدث باسمه. غير أن رئيس «مجموعة العمل الوطني» المحلل السياسي الليبي خالد الترجمان، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن خروج الجنود الأتراك من المنطقة الغربية في ليبيا «ومعهم ما جلبوه من مرتزقة سوريين وعناصر تكفيرية أمر يرتبط بمن جلبهم منذ البداية».
ولم يستبعد الترجمان أن تكون «الوفاق» قد أقدمت على «منح الجنسية الليبية لعدد من هؤلاء المرتزقة تمهيداً وتحايلاً على أي قرار قد يصدر بخروجهم فيما بعد». لكنه توقع أن تسبق المظاهرات الشعبية المتصاعدة في المنطقة الغربية الجميع داخلياً وخارجياً.
وقال إن «الانتفاضة المستمرة من ثلاثة أيام في الزاوية وصبراتة، وانتقلت إلى مدينتي مزدة والأصابعة هي ثورة على تردي الأوضاع المعيشية في ظل حكم (الوفاق)، وعلى اتهامها بتبديد ثروات الشعب الليبي على حلفائها الأتراك والمرتزقة السوريين».
ولم يبتعد رئيس «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، عن الآراء السابقة، وقال إن قضية عودة «المرتزقة» إلى سوريا «مرتبطة بقرار تركيا أكثر من قرار تلك العناصر»، مشيراً إلى أن تركيا «تواصل إلى الآن عملية تجنيد المرتزقة». وأضاف عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك دفعة جديدة من عناصر الفصائل الموالية لتركيا بمنطقتي حلب وإدلب جرى نقلهم إلى معسكرات موجودة في تركيا للحصول على التدريب العسكري، ولم تُعلم حتى اللحظة وجهة هؤلاء المرتزقة، فيما إذا كانت الحكومة التركية ستواصل الزج بهم في ليبيا»، لافتاً إلى أنه «قبل عشرة أيام نقلت الاستخبارات التركية 120 مقاتلاً من عفرين إلى أراضيها ومنها إلى ليبيا».
ووفقاً لإحصائية سابقة للمرصد، فإن عدد المرتزقة الذين وصلوا ليبيا، وصل إلى 17420 مرتزقاً من الجنسية السورية، من بينهم 350 طفلاً دون سن الـ18، وعاد منهم نحو 6000 إلى سوريا بعد انتهاء عقودهم، وأخذ مستحقاتهم المالية، في حين بلغ تعداد «الجهاديين» الذين وصلوا إلى ليبيا 10 آلاف.
ودافع عضو المجلس الأعلى للدولة عادل كرموس، عن حكومة «الوفاق». وقال إنها «لم تجلب شخصاً واحداً»، رافضاً «إطلاق وصف مرتزق على من قدموا إلى ليبيا بضمانات تركيا، وتحت شرعيتها». وأضاف كرموس لـ«الشرق الأوسط»، أن «مذكرة التفاهم الأمنية بين تركيا وحكومة الوفاق الموقعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تضفي قدراً من الشرعية على تلك العناصر كونهم ببساطة قدموا تحت شعار الجيش التركي».
وتابع: «وبالتالي نقول إن المرتزقة الحقيقيين هم الموجودون لدى الجانب الآخر بهدف دعمه، كعناصر مجموعة (فاغنر) الروسية التي تقدر أعدادها بالآلاف حالياً في سرت... تنكر روسيا أي علاقة لها بهم، وهؤلاء خروجهم من البلاد سهل بتقديرنا، ويعتمد فقط على التوقف عن دفع رواتبهم، وحينذاك ستسارع دولتهم إلى إخراجهم تحت أي ستار».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.