ليبيون يطالبون البعثة الأممية بالتحقيق في جرائم «ضد مجهول»

قوات الأمن تسعى لمنع الجريمة والانتهاكات في مدينة سرت (رويترز)
قوات الأمن تسعى لمنع الجريمة والانتهاكات في مدينة سرت (رويترز)
TT

ليبيون يطالبون البعثة الأممية بالتحقيق في جرائم «ضد مجهول»

قوات الأمن تسعى لمنع الجريمة والانتهاكات في مدينة سرت (رويترز)
قوات الأمن تسعى لمنع الجريمة والانتهاكات في مدينة سرت (رويترز)

أعاد تشكيل لجنة أممية «لتقصي الحقائق» في تجاوزات ارتُكبت منذ عام 2016، إلى أذهان الليبيين جرائم وأحداث أليمة قضى فيها مئات المواطنين في انتهاكات وقعت منذ إسقاط نظام معمر القذافي عام 2011، مطالبين البعثة الأممية لدى البلاد بالعمل على فتح ملفات هذه القضايا التي قتل فيها أبناؤهم و«قيدت ضد مجهول».
واستغرب عدد من الأسر الذين فقدوا أبناءهم فيما عرف بـ«مجزرة غرغور»، من تجاهل الأمم المتحدة لمثل هذه الجريمة، التي قتل فيها العشرات من أبنائهم، في حين يتم التركيز فقط على التجاوزات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الخمس الماضية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إمساعد عبد الكريم، الذي يسكن حي السلام بالعاصمة طرابلس إنه فقد ثلاثة من أبنائه، ومثلهم من أبناء أخواله، وما زال الجناة طلقاء دون عقاب، مطالباً «بفتح تحقيق في هذه القضية وغيرها من الأحداث التي وقعت قبل عام 2016، واغتيل فيها مئات الليبيين على خلفيات سياسية بدماء باردة».
وقضى في جريمة غرغور 56 مدنياً وجرح 518 آخرون على يد ما أصبحت لاحقاً كتائب «فجر ليبيا» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2013، بالعاصمة طرابلس، أثناء خروجهم عقب صلاة الجمعة من أمام مسجد القدس وسط طرابلس عقاباً لهم على مطالبتهم بإخلاء العاصمة من جميع الميليشيات المسلحة. وأبدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ترحيبها بإعلان مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تعيين ثلاثة محققين مستقلين لبعثة تقصي الحقائق في ليبيا؛ وهم محمد أوجار من المغرب وتريسي روبنسون من جامايكا وشالوكا بياني من زامبيا والمملكة المتحدة.
وجاء تشكيل فريق تقصي الحقائق بناء على قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رقم 40 الصادر في ختام دورة المجلس الـ43، في 22 يونيو (حزيران) الماضي بمقر المجلس في جنيف. وقالت البعثة عبر صفحتها على موقع «فيسبوك» مساء أول من أمس، إن هذا التعيين يأتي في وقت «يتوق فيه الشعب الليبي إلى العدالة والمساءلة»، مؤكدة «دعمها القوي لإجراء تحقيق شامل وغير منحاز في الانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وذلك منذ بداية عام 2016».
ودعت البعثة الأممية الأطراف الليبية المعنية إلى تقديم التعاون الكامل مع فريق المحققين كخطوة أساسية نحو وضع حد للإفلات من العقاب، ومنع مزيد من انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان في ليبيا.
ولم يقتصر الأمر على «مجزرة غرغور»، فقد شهدت ليبيا أحداثاً دموية عديدة قتل فيها العشرات، ولم يتم التحقيق فيها إلى الآن، من بينها ما عرف آنذاك بمذبحة «السبت الأسود» التي ارتكبتها «ميليشيات الدرع» عام 2013، وقضى فيها أكثر من 40 ليبياً أمام مقر «الدرع 1» بمنطقة الكويفية إحدى ضواحي بنغازي، كما جرح أكثر من 112 مواطناً آخرين عندما فتحت الميليشيا التي كان يقودها وسيم بن حميد، النار على متظاهرين مدنيين كانوا يطالبون بتسليم المقر إلى الجيش النظامي، وإنهاء سيطرة المسلحين على مؤسسات الدولة.
ودعا حقوقيون ليبيون إلى ضرورة التحقيق في جميع الجرائم التي شهدتها البلاد، حديثاً وقديماً وقيدت ضد مجهول، والقصاص من الجناة الذين لا يزالون طلقاء دون محاسبة أو عقاب، وطالب الحقوقي الليبي جمال الفلاح، بضرورة فتح باب التحقيق في جميع الجرائم، التي شهدتها البلاد، على مدار السنوات التسع الماضية والتي قتل فيها أبرياء دون أن يقدم المجرمون إلى العدالة.
وجاء قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتشكيل لجنة «لتقصي حقائق» على خلفية العثور على مقابر جماعية في مدينة ترهونة وبعض المناطق المحيطة بها بغرب البلاد، عقب هروب ميليشيات «الكانيات» التي كانت تسكن المدينة.



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.