«حكومة الرئيس» ستواجه معارضة في البرلمان التونسي

المشيشي في مشاورات سابقة مع أسلافه حول تشكيل حكومته (إ.ب.أ)
المشيشي في مشاورات سابقة مع أسلافه حول تشكيل حكومته (إ.ب.أ)
TT

«حكومة الرئيس» ستواجه معارضة في البرلمان التونسي

المشيشي في مشاورات سابقة مع أسلافه حول تشكيل حكومته (إ.ب.أ)
المشيشي في مشاورات سابقة مع أسلافه حول تشكيل حكومته (إ.ب.أ)

يواصل رئيس الحكومة التونسية المكلف، هشام المشيشي، مشاوراته السياسية حول تشكيل «حكومة كفاءات» مستقلة، بدلاً عن حكومة «محاصصة حزبية» مبنية على حجم الكتل السياسة في البرلمان. غير أن إقصاء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان دفعها إلى اتهام المشيشي بتشكيل ما سموها «حكومة الرئيس»، وتبرأوا من المسؤولية عنها، وعن ما ستؤول إليه عملية التصديق على الحكومة الجديدة داخل البرلمان.
وأبدت بعض الأحزاب استعدادها لإفشال عملية التصويت، إذ لمحت حركة «النهضة» إلى إمكانية إسقاط الحكومة، بعد أن أكدت أنها تقود تحالفاً برلمانياً لا يقل عدده عن 120 نائباً، وهو ما يجعل الحكومة المقبلة غير قادرة على الحصول على ثقة البرلمان بما تبقى من النواب، البالغ عددهم 97 نائباً، بينما تحتاج إلى أغلبية دستورية تبلغ 109 نواب، كحد أدنى.
وكانت الاتهامات قد وجهت إلى رئيس الجمهورية، قيس سعيد، بفقدان دوره في المشهد السياسي، واختيار الدخول في معارك سياسية، عندما اختار، في 26 يوليو (تموز) الماضي، تكليف هشام المشيشي، وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال التي يقودها إلياس الفخفاخ، بتشكيل حكومة جديدة، وهو اختيار تسبب في جدل سياسي حاد لأن بعض الأحزاب عدت أن الرئيس تجاهل مقترحاتها، وفضل شخصية اختارها بنفسه.
ومما فاقم من شكوك تلك الأحزاب أن المشيشي قرر تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، لا تراعي أوزان الأحزاب البرلمانية. ورغم معارضة الأحزاب لهذا المقترح، فقد أصر الرئيس عليه، لذلك أصبحت الأحزاب تسميها «حكومة الرئيس»، وهو الذي سيتحمل مسؤوليتها. وفي هذا الشأن، قال هاشم بوعزيز، المحلل السياسي، إن الرئيس انتصر في معركة تأويل الدستور لصالح توسيع صلاحياته على حساب المنظومة الحزبية، ومن ورائها البرلمان، مما جعله يميل إلى فرض خياراته، والذهاب نحو تشكيل حكومة كفاءات مستقلة عن الأحزاب.
وكان الرئيس التونسي قد دعا، في أكثر من مناسبة سياسية، إلى مراجعة الشرعية الممنوحة لنواب الشعب، وأكد خلال حملته الانتخابية أن المنظومة التقليدية للأحزاب قد انتهت، وهي المسؤولة عن تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في تونس، واتهمها بـ«حبك المؤامرات والعيش على التجاذبات». وفي السياق ذاته، قال جمال العرفاوي، المحلل السياسي، لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة المقبلة، في حال نيلها الثقة، ستجد في مواجهتها جبهة برلمانية معرقلة، مكونة من نحو 138 نائباً، وعد أن عدة أحزاب كبرى، على غرار حركة النهضة، إلى جانب حركة الشعب وحزب التيار الديمقراطي، وهما الحزبان المؤثران اللذان دعما ترشح قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية، ستجد نفسها في مواجهة مع اختيارات الرئيس وتوجهاته التي لم تعترف بنتائج الانتخابات البرلمانية، وهمشت الأحزاب السياسية، وهو ما سينعكس على المشهد البرلماني، إذ إن جبهة الرفض تلك ستعرقل معظم القوانين التي ستعرضها الحكومة على البرلمان.
وتوقع عدة مراقبين أن تلتزم معظم الأحزاب السياسية الصمت، وتصوت لحكومة الكفاءات المستقلة، في حال عرضت تركيبتها على البرلمان، لكنها ستعمل لاحقاً على عرقلتها، معتبرين أن عمرها لن يزيد على أشهر قليلة، لتظهر الأزمة السياسية من جديد وتزداد حدتها، في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتأزمة.
وبشأن الفرضيات المحتملة أمام حكومة المشيشي، ذكر عدد من أساتذة القانون الدستوري أن تونس أمام عدة احتمالات، أفضلها لمصلحة البلاد نيل الثقة أمام البرلمان بالأغلبية المطلقة، وعدم المجازفة بإسقاطها، إلى جانب إمكانية سقوط الحكومة التي سيقترحها المشيشي على البرلمان، وهي فرضية ستؤدي إلى انتخابات برلمانية مبكرة، مع ما تحتمله تلك الانتخابات من مفاجآت لعدد من الأحزاب الفائزة في انتخابات 2019. وهناك فرضية ثالثة قائمة، تتمثل في عدم توصل المشيشي إلى تشكيل حكومة في الآجال المحددة، وهو ما سيطرح جدلاً سياسياً حول ضرورة حل البرلمان من قبل الرئيس التونسي، والدعوة لانتخابات مبكرة.
يذكر أن المهلة الدستورية لتشكيل الحكومة تنتهي يوم 25 من الشهر الحالي، وهي حكومة «إنجاز اقتصادي واجتماعي»، كما عبر عن ذلك رئيس الحكومة المكلف، ومن أولوياتها إيقاف نزيف المالية العمومية، من خلال عقلنة النفقات، والرفع من الموارد الذاتية للدولة، والمحافظة على مكاسب القطاع العام والمؤسسات العمومية، وتطوير نظم الحوكمة، إلى جانب تعزيز مناخ الاستثمار، واسترجاع الثقة بين الدولة والمستثمرين، والحد من تدهور القدرة الشرائية، وتفعيل آليات الضغط كافة على الأسعار، وتدعيم الإحاطة بالفئات الهشة، وتفعيل آليات التمييز الإيجابي بين الجهات، مع تكريس علوية القانون وفرض احترامه، وذلك وفق ما أكده المشيشي في أول نقطة إعلامية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.