في ظل الرفض المتبادل لمشاركة الأحزاب السياسية التونسية في الائتلاف الحكومي الذي يتولى هشام المشيشي، رئيس الحكومة المكلف، العمل على تشكيله، وأيضاً في ظل محاولة استبعاد أطراف بعينها عن السلطة، اقترح عدد من الأحزاب والقيادات السياسية عقد مؤتمر وطني للإنقاذ تشارك فيه كل الأحزاب والكتل البرلمانية والمنظمات الوطنية وشخصيات وطنية، يتم خلاله تقديم اقتراحات وخطة للإنقاذ الوطني تفعلها الحكومة لاحقاً.
غير أن الأحزاب الكبرى الفائزة في انتخابات 2019، على رأسها حركة «النهضة» وحزب «قلب تونس»، لا تبدو متحمسة لهذا المقترح، لأنها ترى فيه تهديداً لها وتراجعاً عن نتائج صناديق الاقتراع و«محاولة للاستيلاء على السلطة (من بعض الأحزاب) التي فشلت في الوصول إلى الحكم عبر الانتخابات»، مما أثار جدلاً في تونس بين مؤيدي «مؤتمر الإنقاذ» والمتمسكين بشرعية البرلمان.
كان محمد الناصر رئيس الجمهورية السابق، قد قدم تصوراً لـ«خطة الإنقاذ» التي اقترحها على رئيس الوزراء المكلف هشام المشيشي، أثناء لقاء بينهما يوم الجمعة الماضي. وتتضمن الخطة مرحلتين، الأولى هدفها مجابهة المشكلات العاجلة واحتواؤها، فيما تستهدف المرحلة الثانية معالجة القضايا طويلة الأجل والرؤية المستقبلية لتونس خلال العقود الثلاثة المقبلة. ودعا الناصر، وهو القيادي السابق في حزب «النداء» الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، المشاركين في هذا المؤتمر، إلى النظر في الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإصلاحات الكبرى، «لبناء تونس جديدة» بإجماع كل الأطراف، معتبراً أن هذا التوافق على خطة الإنقاذ هذه سيعد «خير رسالة توجه للتونسيين من قبل السياسيين، بعيداً عن منطق الغنيمة وتقاسم السلطة». وأضاف أن تونس في حاجة ماسة إلى تهدئة شاملة لمدة ثلاث سنوات، وتجاوز الخلافات السياسية، ومنح الحكومة الوقت الكافي لتحقيق برنامج الإنقاذ الوطني المزمع تنفيذه.
كانت خمسة أحزاب، محدودة التمثيل في البرلمان، قد دعت منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي إلى عقد مؤتمر وطني للخروج من الأزمة السياسية الراهنة المتعلقة بالخلافات بين مكونات الائتلاف الحكومي. وشملت قائمة الأحزاب الداعمة لهذا المقترح حركة «مشروع تونس» و«الحركة الديمقراطية» وأحزاب «بني وطني» و«آفاق تونس» و«الأمل».
واعتبر محسن مرزوق، رئيس حركة «مشروع تونس»، أن الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني للإنقاذ تمثل «استباقاً لثورة الشارع»، مؤكداً أن هذه الأحزاب ليست ضد شرعية الانتخابات، لكن الخلافات المتصاعدة بين مكونات الائتلاف الحكومي هي التي أدت إلى طرح هذه المبادرة. لكن البعض اعتبر أن هذا المقترح ليس بريئاً تماماً، ويحمل في طياته الكثير من الأهداف غير المعلنة، إذ إن الداعين إليه هم من خسروا انتخابات 2019، ويحاول بعضهم الآن الوصول إلى السلطة من خلال عقد مؤتمر الإنقاذ لمحاسبة الائتلاف الحاكم وتقييم أدائه بالفشل، ومن ثم الدعوة إلى تشكيل حكومة كفاءات أو انتخابات جديدة.
في الجانب الآخر، دعا أكثر من حزب سياسي، على رأسها حركة «النهضة» وحليفها البرلماني حزب «قلب تونس»، إلى الاعتماد على تمثيل الأحزاب في البرلمان عند تشكيل الحكومة المقبلة، والرجوع إلى نتائج انتخابات 2019. وعبر عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى حركة «النهضة»، خلال اجتماع المجلس الذي عقد مؤخراً، عن حرص حزبه على إنجاح مشاورات تشكيل الحكومة التي يقودها المشيشي، وقال إن المشاورات بشأنها لم تتقدم بما يكفي إلى حد الآن. ودعا الهاروني إلى أن تكون الحكومة سياسية تحترم إرادة الناخبين ودور الأحزاب والتوازنات في البرلمان، معتبراً أنه من غير الممكن تشكيل حكومة في تونس بزعامة أحزاب ضعيفة التمثيل في البرلمان أو أحزاب كانت وراء الخلافات بين الائتلاف الحاكم.
في السياق ذاته، اتهم عياض اللومي النائب والقيادي في حزب «قلب تونس»، الرئيس التونسي، بإعداد تشكيل الحكومة الجديدة قبل إنهاء المشاورات التي يقودها هشام المشيشي، قائلاً في تصريح إعلامي، إن تشكيلة الحكومة المقبلة جاهزة على مكتب رئيس الجمهورية، موضحاً أن مكتب الرئيس قاد مفاوضات، وأجرى اتصالات، وعرض حقائب وزارية على شخصيات وكفاءات سياسية، وهو ينتظر انتهاء الآجال الدستورية للإفصاح عنها.
كان الرئيس التونسي قيس سعيد، قد كلف هشام المشيشي بتشكيل الحكومة المقبلة، ولم يكن المشيشي من بين الأسماء التي رشحتها الأحزاب السياسية، وهي المرة الثانية التي يخرج فيها الرئيس عن مقترحات الأحزاب، ويختار رئيس حكومة بهذه الطريقة بعد تكليفه إلياس الفخفاخ المستقيل.
جدل في تونس بين مؤيدي «مؤتمر الإنقاذ» والمتمسكين بشرعية البرلمان
جدل في تونس بين مؤيدي «مؤتمر الإنقاذ» والمتمسكين بشرعية البرلمان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة