إتاوات حوثية إجبارية لتمويل المجهود الحربي

مسلحو الجماعة يخيّرون اليمنيين بين دفع الأموال أو تجنيد أقاربهم

TT

إتاوات حوثية إجبارية لتمويل المجهود الحربي

أفادت مصادر يمنية محلية لـ«الشرق الأوسط» بأن الميليشيات الحوثية عادت من جديد لترويع السكان في محافظات إب وذمار وحجة والمحويت وريمة، من خلال شنها حملات لفرض إتاوات لتمويل المجهود الحربي ومطالبتهم بتجنيد مزيد من أقاربهم في صفوفها.
وأكدت المصادر أن مسلحي الجماعة جابوا مئات القرى في هذه المحافظات وداهموا المنازل وفرضوا بقوة السلاح على السكان دفع الإتاوات غير القانونية، كما هددوا باقتياد الشبان والمراهقين بالقوة في حال رفض أقاربهم دفع الأموال.
وروى م. ن، أحد سكان القرى المجاورة لمدينة يريم، لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرف الجماعة الحوثية في المنطقة قام قبل عيد الأضحى المبارك بحملة واسعة رفقة مسلحين تابعين له شملت كل سكان القرية، أجبرهم خلالها على دفع مبالغ مالية ترواحت بين 50 و100 ألف ريال (الدولار نحو 600 ريال).
وفي مديريات العدين بمحافظة إب نفسها، أفاد سكان بأن المشرفين الحوثيين خيّروا سكان القرى بين دفع الإتاوات - التي زعموا أنها ستوظف لتسيير قوافل لدعم المجهود الحربي - وإرسال العائلة لأحد أبنائها إلى جبهات القتال، وهو ما جعل الغالبية توافق على دفع المال.
وطبقاً لما أفادت به مصادر محلية أخرى في محافظة حجة (شمال غرب)، أمر المشرف الحوثي على المحافظة نائف أبو خرفشة وهو أحد المقربين من زعيم الجماعة الحوثية مشرفي الميليشيات في المديريات بفرض إتاوات على السكان من المزارعين والتجار ترواحت بين 10 آلاف ريال و200 ألف ريال، بحسب الحالة المادية لكل رب أسرة.
وفي حين شملت هذه الإتاوات الحوثية العشرات من القرى في محافظات ريمة والمحويت وذمار، أفادت مصادر محلية في صنعاء بأن مشرفي الجماعة الحوثية قاموا بتوزيع ظروف فارغة على سكان الأحياء في العاصمة وطلبوا منهم التبرع بالأموال وإغلاقها وإعادة تسليمها إلى مشرفي الجماعة في الأحياء والحارات. وأكد أحد مسؤولي الأحياء في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» طالباً عدم ذكر اسمه، أن مشرفي الجماعة ألزموا مسؤولي الأحياء بالمشاركة في جمع الإتاوات وتهديد السكان بحرمانهم من الحصول على حصصهم من الغاز المنزلي.
وفي الوقت الذي لم تلفت فيه الحملات الحوثية التعسفية إلى معاناة السكان في القرى والمدن والأرياف، امتدت حملاتها لتشمل العائلات التي يعمل أقاربها خارج البلاد، بحسب ما أفاد به السكان لـ«الشرق الأوسط» في مديريتي الشعر وبعدان التابعتين لمحافظة إب. وأكد ن. س، وهو أحد السكان في مديرية بعدان، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرف الجماعة في المديرية شن حملات استهدفت العائلات التي يعمل أقاربها في الخارج، وفرض عليهم مبالغ تراوحت بين ما يعادل 500 و1000 دولار. وقال: «فوجئت بطرق المنزل من قبل مسلحي الجماعة قبل عيد الأضحى بيومين، وحين خرجت لهم أخبرني قائد المجموعة بأن علي أن أدفع 1000 دولار لمصلحة المجهود الحربي، نظراً لأن اثنين من أبنائي يعملان في الولايات المتحدة الأميركية». وكانت الجماعة الموالية لإيران أجبرت السكان في مناطق سيطرتها على تقديم التبرعات العينية والنقدية لمصلحة المجهود الحربي خلال أيام العيد، في حين بثت وسائل إعلامها صوراً لقوافل غذائية في مديريات عدة زعمت أنها ستنقلها إلى جبهات القتال.
ومنذ سيطرة الميليشيات الحوثية على صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، سخرت كل موارد المؤسسات الحكومية، فضلاً عن عائدات الضرائب والجمارك ومختلف الرسوم لمصلحة قادتها ومجهودها الحربي، كما شنت آلاف الحملات لجباية الإتاوات غير القانونية على التجار.
وكانت وسائل إعلام الجماعة اعترفت خلال الأشهر الماضية بتوزيع مليارات الريالات التي جمعتها من أموال الزكاة على مسلحيها في جبهات القتال وعلى أسرهم، فضلاً عن تسخير جزء منها لاستقطاب المجندين من العاطلين عن العمل والشبان الذين تسربوا من صفوف الدراسة.
في السياق نفسه، أفادت مصادر مطلعة في صنعاء بأن قادة الجماعة الانقلابية عقدوا منذ أسبوعين اجتماعات مكثفة قرروا خلالها تنفيذ حملات جديدة على التجار ورجال الأعمال لإجبارهم على دفع إتاوات لتمويل احتفالات الجماعة بمناسبة ما تسميه «يوم الولاية». وتأتي هذه الانتهاكات الحوثية لحقوق السكان بالتزامن مع تجديد المنظمات الدولية تحذيراتها من زيادة أعداد من يعانون انعداماً في الأمن الغذائي باليمن، بنحو 1.2 مليون شخص خلال الستة الأشهر المقبلة، ليرتفع الإجمالى إلى نحو ١٠ ملايين شخص.
وفي أحدث هذه التحذيرات قال برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة ومنظمة الأغذية والزراعة في بيان مشترك، إن «الصدمات الاقتصادية والصراع والفيضانات والجراد و - حالياً - فيروس (كوفيد - 19) يثيرون عاصفة يمكن أن تعكس المكاسب التي تحقّقت على صعيد الأمن الغذائي». وبحسب البيان، فقد بلغ العدد الإجمالي للذين يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن نحو 10 ملايين شخص. وكان تقرير عالمي حول الأزمات الغذائية 2020، أكد في وقت سابق، أن اليمن يحتل المركز الأول بين أسوأ عشر أزمات غذائية، وأنه على الرغم من التخفيف النسبي للمساعدات الإنسانية من حدة الأزمة، فإن هناك 15.9 مليون شخص ينامون جوعى كل يوم، بحسب التقرير نفسه.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.