ذهبت مؤخرا لمشاهدة مباراة كريستال بالاس أمام تشيلسي والتي انتهت بفوز «البلوز» بثلاثة أهداف مقابل هدفين. وبعد الانتهاء من فحص درجة الحرارة وملء استبيان الصحة الخاص بي والمرور من عشرات نقاط التفتيش الأمنية، فإن ما شاهدته كان في حقيقة الأمر شيئا وحشياً وبشعا، حيث أدركت أن كرة القدم قد جُردت من أهم عناصرها، وهو الحضور الجماهيري، الذي كان يعطي المباريات مذاقا خاصا لم يعد موجودا الآن.
وربما كان الشيء الأكثر إثارة للدهشة هو أنني بدأت أشعر بأن الملعب صغير للغاية، كما كنت أسمع أصوات اللاعبين بشكل واضح وهم يتحدثون إلى بعضهم البعض داخل الملعب، فكنت أسمع أحد اللاعبين وهو يصرخ في زملائه، وأسمع لاعب آخر وهو يطلب الحصول على الكرة سريعا من زملائه قائلا: «الآن! الآن!»، وصوت آخر يصرخ قائلا: «هذه الكرة لصالحنا أيها الحكم!».
وبدأت أدرك أننا لا نحكم على المباريات من خلال مستوى اللاعبين فحسب، ولكن من خلال الأجواء الرائعة التي يصنعها الجمهور في المدرجات أيضا، حيث يتفاعل هذا الجمهور مع كل حركة يفعلها اللاعبون داخل الملعب، فتراه يزأر عندما يتمكن لاعب من قطع الكرة بطريقة جيدة، وعندما يسدد اللاعب كرة بعيدة عن المرمى فإننا نسمع الجمهور وهو يصدر صوتا يختلف تماما عن ذلك الصوت الذي يصدره عندما يسدد اللاعب كرة قوية تصطدم في العارضة. وبالتالي، فإن هذا الجمهور ليس مجرد صور يقوم مخرجو المباريات بوضعها على المقاعد الخاوية وهم يرتدون قمصاناً ملونة من أجل إمتاع الجمهور الذي يشاهد المباريات عبر شاشات التلفزيون من المنزل، لكن هذا الجمهور هو كيان بشري يعطي المباريات مذاقا مختلفا ويخلق أجواء رائعة من الصعب الاستغناء عنها أو محاكاتها بأصوات الجماهير عبر الشاشات.
ومن بين الفوائد القليلة لخوض المباريات دون جمهور أنها جعلتنا نسمع كل همسة أو صرخة يقوم بها اللاعبون داخل الملعب، حيث كان يمكن للجمهور الذي كان يتابع مباراة برايتون الأخيرة أمام آرسنال على شاشة «بي تي سبورت» أن يسمع بكل وضوح صراخ حارس مرمى آرسنال بيرند لينو وهو يسقط على أرض الملعب عندما اصطدم به المهاجم الفرنسي لنادي برايتون، نيل موباي.
وفي غضون ذلك، فإن أولئك الذين سيشاهدون المباراة المقبلة لإنتر ميلان في الدوري الإيطالي الممتاز سوف يعرفون بالضبط كيف يكون شعور المهاجم البلجيكي روميلو لوكاكو عندما لا يكون مراقبا ويتأخر عليه الجناح النيجيري فيكتور موسيس في التمرير، حيث يمكن سماع لوكاكو حينئذ وهو يقول: «نعم، فيكتور! فيكتور! اللعنة!».
ومع ذلك، وفي الأسابيع الأولى من استئناف النشاط الكروي بعد توقفه لفترة طويلة نتيجة تفشي فيروس «كورونا»، قررت غالبية القنوات التلفزيونية التي تنقل المباريات أن تقدم لنا شيئا مختلفاً، ربما بسبب الشعور السلبي الذي انتاب الكثيرين من مشاهدي مباريات الدوري الألماني الممتاز الذي كان قد استأنف مبارياته الشهر الماضي، حيث قامت هذه القنوات ببث معظم المباريات مصحوبة بأصوات جماهير مسجلة مسبقاً ومأخوذة من لعبة فيديو كرة القدم «فيفا».
وعادة ما يتم بث المباريات بأصوات هذه الجماهير، مع وجود خيار يمكن المشاهد من مشاهدة المباريات دون هذه الأصوات من خلال الضغط على الزر الأحمر الموجود في جهاز التحكم في التلفزيون (الريموت). وتكون النتيجة هي محاكاة غريبة لما تبدو عليه مباراة كرة القدم التي تلعب بحضور جماهيري، فقد يكون الأمر مألوفا لأي شخص نشأ وهو يلعب ألعاب الكومبيوتر، لكنه في حقيقة الأمر غريب للغاية بالنسبة لمن اعتاد على مشاهدة المباريات المباشرة بالأصوات الحقيقية للجماهير، نظرا لأن هناك تأخيرا بين الحدث الذي يقوم به اللاعبون داخل الملعب ورد فعل الجمهور الافتراضي الذي نسمعه على الشاشة. ولا تعد هذه هي المشكلة الوحيدة، فعلى سبيل المثال من يقرر ما إذا كان قرار الحكم مثلا مثيرا للجدل ويستحق صافرات الاستهجان من الجمهور؟ وكم من الوقت يحتاج حارس مرمى الفريق الزائر إلى إضاعته حتى يعلن جمهور الفريق صاحب الملعب عن غضبه ويطلق صافرات الاستهجان؟
وقبل كل شيء، يجب التأكيد على أن جمهور كرة القدم هو أكثر من مجرد مؤثرات صوتية في المباريات، فهو يتفاعل مع أحداث المباراة بشكل مستمر، فتراه يتحمس إذا قدم الفريق أداء جيدا، ويعبر عن إحباطه في حال الأداء السيئ، كما يعلو صوته وينخفض وفقا لأحداث المباراة، كما يرحل معظم الجمهور قبل نهاية المباراة بعشر دقائق من أجل التغلب على الازدحام المروري! ولا يكتفي هذا الجمهور بالتفاعل مع ما يحدث داخل الملعب، لكنه عنصر مشارك وبنشاط في العملية الكروية، ودائما ما يكون له دور كبير في تحفيز اللاعبين على تقديم أفضل ما لديهم. ويمكن أن يكون الجمهور جيدا أو سيئا أو عنصريا. ومن المدهش أن محاولة اختزال كل هذا إلى مجموعة من الأزرار وتشغيل صوت واحد في جميع المباريات التي تنقل عبر شاشات التلفزيون، تقول الكثير عن كيف ترى كرة القدم الآن الجمهور الذي يذهب إلى الملاعب.
من المؤكد أن هناك اختلافا كبيرا بين رؤية المباريات من الملعب وبين مشاهدتها عبر شاشات التلفزيون، لأن الذي يشاهد المباريات وهو يجلس في منزله يستمتع بالإعادات التلفزيونية والإحصاءات الحية وتحليل الخبراء والمحللين، في حين أن الجمهور الذي يذهب لمشاهدة المباريات من الملعب يدفع الكثير من الأموال لشراء التذاكر ويبذل مجهودا كبيرا في الوصول إلى الملعب في ظل الازدحام المروري، ويتعرض للكثير من الأمور الشاقة حتى يستمتع في نهاية المطاف بالفريق الذي يشجعه. لكن من فوائد إقامة المباريات دون جمهور في الوقت الحالي أنها أظهرت للجميع أن جمهور كرة القدم يساهم بدور كبير في «تجميل» المنتج النهائي لكرة القدم، إن جاز التعبير.
ورغم كل ذلك، يجب أن أعترف بأن مخرجي المباريات قد نجحوا بعد فترة بسيطة في أن يجعلوا الصوت المزيف والمصطنع للجماهير يبدو أقرب بعض الشيء إلى الصوت الطبيعي ويكون مناسبا إلى حد ما لما يحدث داخل الملعب. لكن في النهاية، إذا كان المشاهد يريد أن يستمتع بالمباريات فيتعين عليه أن يتوقف عن ملاحظة الاختلاف في صوت الجماهير وأن يتوقف عن ملاحظة المقاعد الخالية في المدرجات وأن يركز بشكل أكبر على تحركات اللاعبين وما يقدمونه داخل المستطيل الأخضر، وأن يتقبل حقيقة أننا نعيش في ظروف استثنائية بسبب تفشي وباء عالمي.
جمهور كرة القدم ليس مجرد مؤثرات صوتية في الملاعب
المشجعون «كيان بشري» يعطي المباريات مذاقاً مختلفاً ويحدث أجواء رائعة من الصعب الاستغناء عنها
جمهور كرة القدم ليس مجرد مؤثرات صوتية في الملاعب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة