«الجنائية الدولية» تسقط التهم الموجهة إلى الرئيس الكيني

الادعاء أكد عجزه عن جمع الأدلة.. وكينياتا تعهد بالسعي لإسقاط الملاحقة عن نائبه أيضا

الرئيس كينياتا (يمين) يحيي مسؤولين حكوميين في مقر إقامته بنيروبي بعد إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن إسقاط التهم الموجهة له أمس (رويترز)
الرئيس كينياتا (يمين) يحيي مسؤولين حكوميين في مقر إقامته بنيروبي بعد إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن إسقاط التهم الموجهة له أمس (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تسقط التهم الموجهة إلى الرئيس الكيني

الرئيس كينياتا (يمين) يحيي مسؤولين حكوميين في مقر إقامته بنيروبي بعد إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن إسقاط التهم الموجهة له أمس (رويترز)
الرئيس كينياتا (يمين) يحيي مسؤولين حكوميين في مقر إقامته بنيروبي بعد إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن إسقاط التهم الموجهة له أمس (رويترز)

أسقط ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية عن الرئيس الكيني أوهورو كينياتا أمس، مما يشير إلى فشل المحكمة في أكبر قضية في تاريخ المحكمة التي أنشئت قبل 11 عاما.
وكان القضاة في المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها قد أمهلوا ممثلي الادعاء أسبوعا بدءا من يوم الأربعاء الماضي لتقديم مزيد من الأدلة على اتهاماتهم إلى كينياتا بإثارة العنف العرقي في كينيا بعد انتخابات عام 2007 أو إسقاطها عنه تماما. وقال المدعون إن كينياتا، وهو أول رئيس يحضر جلسات أمام المحكمة وهو في السلطة، استخدم نفوذه السياسي لإعاقة سير تحقيقهم خصوصا بعد أن تولى سدة الرئاسة في العام الماضي.
ومثل سحب الاتهام ضربة للمحكمة التي لم تتمكن سوى من إثبات تهمتين ضد اثنين من زعماء الميليشيات غير المعروفين ولم تثبت إلى الآن أنها قادرة على محاسبة أصحاب النفوذ. وقال كثير من الأفارقة إن المحكمة استهدفت قارتهم على نحو مجحف فيما قال محام إنها خيبت أمل الضحايا في الصراع الذي قتل فيه نحو 1200 شخص. وقالت فاتو بنسودا، وهي ممثلة للادعاء، في وثيقة للمحكمة «لم تتجمع الأدلة إلى الحد الذي يسمح بإثبات المسؤولية الجنائية المزعومة للسيد كينياتا».
وكان كينياتا يحضر اجتماعا مع مسؤولين كينيين ومديرين تنفيذيين في قطاع الأعمال عندما أعلن النبأ، وصفقوا وعانق بعضهم كينياتا. ولدى تبلغه بالنبأ، قال الرئيس الكيني إن المحكمة الجنائية الدولية رأت أنها «محقة» في التخلي عن الملاحقات. وقال في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر «يجب أن اخبر زوجتي بسرعة بما يحدث». ووعد بمواصلة العمل على أن تتخلى المحكمة عن الاتهامات الموجهة إلى كينيين آخرين، هما نائبه ويليام روتو وصحافي كيني، وكلاهما يواجه اتهامات مماثلة.
ويقول دبلوماسيون إن القضية كانت تشتت تركيز الحكومة الكينية رغم النفي الرسمي. لكن الاقتصاد لم يتأثر لأن معظم المستثمرين كانوا على قناعة منذ فترة طويلة بأن القضية المثارة ضد كينياتا تتداعى. ولم يكن هناك رد فعل ملحوظ في أسواق المال بعد قرار سحب الاتهامات. غير أن المحكمة لم تبرئ ساحة كينياتا من التهم الموجهة إليه كما طلب محاموه، الأمر الذي يعني أن الاتهامات قد تتجدد في حال ظهور مزيد من الأدلة.
من جهته، قال فيرغل جاينور محامي الضحايا في بيان إن إسقاط التهم سيخيب أمل ما يقدر بعشرين ألف ضحية للجرائم المدرجة على لائحة اتهامات هذه القضية. وأضاف جاينور «من المؤسف أن الضحايا لم يحصلوا على شيء تقريبا من إجراءات المحكمة الجنائية الدولية». وقال محللون إن إسقاط الاتهامات ضد كينياتا ومباشرة الدعوى ضد روتو المختلفين عرقيا قد يحدث توترا داخل التحالف الحاكم في بلد تتأثر فيه السياسة عادة بالولاءات العرقية. غير أن هناك تعاونا وثيقا معلنا بين كينياتا وروتو.
وقالت كلير ألنسون من «مجموعة أوراسيا» إن «ذلك يعني أنه سيكون هناك نوع من التوازن الدقيق من جانب التحالف». وأضافت أن «ذلك قد يعني أن الحكومة ستولي اهتماما أكبر بالأمور الأمنية بعد سلسلة من الهجمات التي شنها متشددون إسلاميون». ومن بين كبار الشخصيات الذين صدرت ضدهم لائحة اتهامات من المحكمة الدولية الرئيس السوداني عمر حسن البشير وسيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. وترفض السلطات الليبية تسليم سيف الإسلام للمحكمة.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.