الدبلوماسية الدولية تتجاوز الخلافات الأميركية ـ الصينية لمواجهة «كورونا»

الأمين العام للأمم المتحدة مشاركاً في مؤتمر افتراضي في أبريل الماضي (رويترز)
الأمين العام للأمم المتحدة مشاركاً في مؤتمر افتراضي في أبريل الماضي (رويترز)
TT

الدبلوماسية الدولية تتجاوز الخلافات الأميركية ـ الصينية لمواجهة «كورونا»

الأمين العام للأمم المتحدة مشاركاً في مؤتمر افتراضي في أبريل الماضي (رويترز)
الأمين العام للأمم المتحدة مشاركاً في مؤتمر افتراضي في أبريل الماضي (رويترز)

نجحت الدبلوماسية التونسية والفرنسية في انتزاع موافقة الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن، بما فيها الولايات المتحدة والصين، على قرار يطالب بوقف عالمي فوري لإطلاق النار في كل النزاعات، والتفرغ لمواجهة الأخطار الناجمة عن تفشي فيروس «كوفيد - 19»، طبقاً لدعوة كان أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مارس (آذار) الماضي، لكن تلبيتها تأخرت لأشهر بسبب الخلافات الأميركية - الصينية حول المسؤولية عن انتشار الجائحة، والدور المحتمل لـ«منظمة الصحة العالمية».
وأفاد المندوبان الدائمان، التونسي قيس قبطني والفرنسي نيكولا دو ريفيير، في بيان مشترك، بأن صدور القرار 2532 بالإجماع «يمثل معلماً مهماً». وشكَرا لكل أعضاء مجلس الأمن «دعمهم وروح التوافق التي مكّنت المجلس من أداء دوره بالكامل في هذا الوقت غير المسبوق».
وقالا إن «مشاركة مجلس الأمن حاسمة الأهمية للتخفيف من آثار جائحة (كوفيد - 19) على السلم والأمن». واعتبرا أن هذا القرار يضع أولويات واضحة؛ وقف الأعمال العدائية، وهدنة إنسانية وتضامن لمواجهة جائحة «كوفيد - 19»». وأضافا أنه «لا يوجد بديل لمحاربة هذا الوباء بشكل فعال»، كما أشادا بكيانات الأمم المتحدة، بما فيها «منظمة الصحة العالمية»، التي «تضطلع بدور رئيسي في الاستجابة للوباء». وكذلك أشادا بـ«العمل الرائع الذي قامت به قوات حفظ السلام في ظروف صعبة». وإذ اعتبرا أن «إصدار قرار ليس غاية في حد ذاته»، شددا على «وجوب تنفيذ هذا القرار الآن». وأفادا بأن فرنسا وتونس «ستبقيان معبأتين بالكامل لضمان ذلك»، بما في ذلك عبر المداخلات التي من المقرر أن يقدمها وزراء تونسيون وفرنسيون خلال اجتماع عن الأوبئة والأمن تنظمه الرئاسة الألمانية لمجلس الأمن. وقالا إن «التحديثات التي يقدمها الأمين العام لمجلس الأمن بشأن جهود الأمم المتحدة لمعالجة الوباء في البلدان التي تعاني نزاعات مسلحة أو المتضررة من الأزمات الإنسانية ستكون ضرورية في هذا الصدد». واعتبرا أن «اتخاذ هذا القرار له أهمية رمزية عالية من حيث إنه يثبت أنه إذا كانت هناك إرادة سياسية، فإن أعضاء المجلس قادرون على تجاوز آرائهم المتباينة، وإعطاء الأولوية لمصالح المجتمع الدولي وإيصال رسالة وحدة». وأضافا أنه «ينبغي اعتباره إيماناً متجدداً بالدبلوماسية والتعددية».
وقال المندوب الألماني الدائم لدى الأمم المتحدة، كريستوف هيوسيغن، الذي تسلمت بلاده للتو رئاسة مجلس الأمن لشهر يوليو (تموز) الحالي إن «رئاستنا لهذا الشهر تبدأ بإشارة أمل»، مشيراً إلى موافقة الأعضاء الـ15 للمجلس على دعوة الأمين العام أنطونيو غوتيريش إلى وقف عالمي لإطلاق النار في مواجهة «كوفيد - 19». وأضاف أن «هذه علامة أمل لجميع الأشخاص الذين يعيشون حالياً في مناطق نزاع حول العالم»، معتبراً أن «من واجب المجلس - وكل أطراف النزاعات المسلحة - تنفيذ هذا القرار». وأكد أن «المفاوضات لم تكن سهلة، ولكن هذا القرار يظهر أنه يمكن بالفعل التغلب على الخلافات - خصوصاً في مواجهة هذا الوباء». ورأى أن «الرغبة في التوصل إلى حلول مشتركة للأزمات العالمية من خلال العمل الجماعي والتعددية يجب أن تكون الهدف السائد لهذا المجلس». ولذلك «يجب على مجلس الأمن أن يتحرك حتى في الأوقات الصعبة».
وعلق المندوب الصيني تشانغ جون أنه «في هذه اللحظة الحرجة من الكفاح العالمي ضد (كوفيد – 19)»، يوضح التوصل إلى قرار «الإجماع العام لأعضاء المجلس والدول الأعضاء في الأمم المتحدة في دعم الأدوار الأكبر للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وتعزيز التضامن والتعاون في مكافحة الوباء»، فضلاً عن أنه «يمثل (...) انتصاراً للتعددية»، رغم «إصرار بعض الدول على موقف أحادي متجاهلاً نداء المجتمع الدولي»، في إشارة ضمنية إلى الولايات المتحدة.
وأعلنت البعثة الأميركية في بيان أنه «بينما تدعم الولايات المتحدة بشكل عام القرار»، ملاحظة أنه «لا يتضمن لغة حاسمة للتأكيد على الشفافية وتبادل البيانات كجوانب حاسمة في مكافحة هذا الفيروس». وأضافت: «أعربنا باستمرار عن هذا القلق طوال عملية التشاور بشأن هذا القرار»، علماً بأن «الولايات المتحدة تدعم دعوة الأمين العام إلى وقف عالمي لإطلاق النار، مع الاعتراف بضرورة استمرار عمليات مكافحة الإرهاب الحاسمة لمواصلة القتال ضد الإرهابيين الذين يسعون إلى استغلال هذا الوباء».
ونجح الدبلوماسيون في الحصول على موافقة الجانبين الأميركي والصيني على القرار الذي يطالب بـ«الوقف العام والفوري للأعمال القتالية في كل الحالات المدرجة في جدول أعماله، ويدعم الجهود التي يبذلها الأمين العام وممثلوه ومبعوثوه الخاصون في هذا الصدد». ويدعو كل الأطراف في النزاعات المسلحة إلى «الانخراط فوراً في هدنة إنسانية دائمة لمدة 90 يوماً متتالية على الأقل، من أجل التمكن من إيصال المساعدة الإنسانية بأمان وباستمرار ومن دون عوائق»، بالإضافة إلى «توفير الخدمات ذات الصلة من قبل الجهات الفاعلة الإنسانية المحايدة، توافقاً مع المبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية والإجلاء الطبي، طبقاً للقانون الدولي، بما فيه القانون الإنساني الدولي وقانون اللاجئين بحسب المقتضى». ويؤكد القرار أن «هذا الوقف العام والفوري للأعمال القتالية وهذا الوقف الإنساني لا ينطبقان على العمليات العسكرية ضد (داعش) و(القاعدة) وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بـ(القاعدة) أو (داعش)، وغيرهما من الجماعات الإرهابية، التي صنفها مجلس الأمن». ويطلب من الأمين العام أن «يساعد في ضمان قيام كل الأجزاء ذات الصلة في منظومة الأمم المتحدة، بما في ذلك الأفرقة القطرية للأمم المتحدة، وفقا لتفويض كل منها، بتسريع استجابتها لوباء (كوفيد - 19). مع التركيز بشكل خاص على البلدان المحتاجة، بما فيها تلك التي في حالات نزاع مسلح أو أولئك المتضررين من الأزمات الإنسانية». وكذلك يطلب من الأمين العام «تقديم تحديثات إلى مجلس الأمن بشأن جهود الأمم المتحدة للتصدي لوباء (كوفيد - 19) في البلدان التي تشهد حالات نزاع مسلح أو المتضررة من الأزمات الإنسانية، فضلاً عن تأثير (كوفيد - 19) على قدرة عمليات حفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة على إنجاز المهام ذات الأولوية المكلفة بها».


مقالات ذات صلة

غوتيريش قلق بشأن الضربات الإسرائيلية على سوريا ويدعو للتهدئة

المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (أ.ب)

غوتيريش قلق بشأن الضربات الإسرائيلية على سوريا ويدعو للتهدئة

أبدى الأمين العام للأمم المتحدة قلقه البالغ إزاء «الانتهاكات الواسعة النطاق مؤخراً لأراضي سوريا وسيادتها»، وأكد الحاجة الملحة إلى تهدئة العنف على كل الجبهات.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي تظهر الصورة زنزانة في سجن صيدنايا الذي عُرف بأنه «مسلخ بشري» في عهد نظام الأسد بينما يبحث رجال الإنقاذ السوريون عن أقبية مخفية محتملة في المنشأة في دمشق في 9 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

محققو الأمم المتحدة أعدوا قوائم بآلاف من مرتكبي جرائم خطيرة في سوريا

وضع محققون تابعون للأمم المتحدة قوائم سرية بأربعة آلاف من مرتكبي جرائم خطيرة في سوريا، آملين مع سقوط الرئيس بشار الأسد بضمان المحاسبة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال التصويت على مشاريع قرارات بشأن القضية الفلسطينية (إ.ب.أ)

غالبية أممية ساحقة تطالب بوقف فوري للنار في غزة

أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية ساحقة الوقف الفوري للنار في غزة مؤكدة على دعم وكالة «الأونروا» وسط اعتراضات أميركية وإسرائيلية.

علي بردى (واشنطن)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
المشرق العربي صورة ملتقطة في 4 ديسمبر 2020 في جنيف بسويسرا تظهر غير بيدرسن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

مبعوث الأمم المتحدة يندد ﺑ«وحشية لا يمكن تصورها» في سجون نظام الأسد

قال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا إن الفظاعات التي شهدها سجن «صيدنايا» ومراكز الاحتجاز الأخرى في سوريا، تعكس «الوحشية التي لا يمكن تصورها» التي عاناها السوريون.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».