أنقرة تشترط انسحاب «الوطني» من وسط ليبيا لإجراء محادثات

TT

أنقرة تشترط انسحاب «الوطني» من وسط ليبيا لإجراء محادثات

أعلنت تركيا أمس أن حكومة الوفاق الليبي، برئاسة فائز السراج، تطالب بانسحاب قوات «الجيش الوطني» الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من مدينة سرت الساحلية ومنطقة الجفرة «كشرط مسبق» لإجراء محادثات من أجل التوصل لوقف إطلاق النار.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، في مقابلة تلفزيونية إن الولايات المتحدة، التي حثتها تركيا على الاضطلاع بدور أكثر فعالية في ليبيا، تعزف عن لعب «دور حاسم» في الصراع. مشيرا إلى أن روسيا تدعم حفتر بوضوح، وأن بلاده ستواصل التعبير عن عدم ارتياحها مع موسكو.
وفي أول رد فعل رسمي تركي على التصريحات، التي أدلى بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السبت الماضي، والتي أعلن فيها أن مصر تمتلك الشرعية للتدخل في ليبيا، وأن سرت والجفرة تمثلان خطا أحمر بالنسبة لمصر، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو: «السيسي قال إن سرت والجفرة تعتبران خطا أحمر... هاتان المدينتان بعيدتان عن الحدود المصرية وتقعان وسط البلاد، فكيف تعتبران خطا أحمر بالنسبة لمصر؟».
وزعم الوزير التركي أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «لديه أطماع في الأراضي الليبية»، ودعاه إلى الكشف عن أسباب تصنيفه لهاتين المدينتين بالخط الأحمر بالنسبة لمصر.
ورفضت تركيا من قبل المبادرة المصرية، التي أطلقها الرئيس السيسي في 6 يونيو (حزيران) الجاري لوقف إطلاق النار في ليبيا، وبدء عملية سياسية في إطار الأمم المتحدة، كما رفضتها حكومة السراج أيضا، رغم التأييد الواسع لها، عالميا وإقليميا.
في السياق ذاته، اتهم جاويش أوغلو فرنسا بالتناقض مع نفسها بشأن ليبيا، من خلال دعمها للمشير خليفة حفتر من جهة، ودعم مجلس الأمن الدولي، الذي تتمتع حكومة الوفاق الوطني بعضويته، من جهة أخرى.
وقال جاويش أوغلو في مقابلة إذاعية، أمس، إن حكومة السراج، الموالية لبلاده، باتت تحظى بدعم دول كثيرة في الفترة الأخيرة، لا سيما بعدما بدأت الكفة تميل لصالحها مؤخرا بفضل الدعم التركي، مبرزا أن هذا الوضع بات يقلق فرنسا على وجه الخصوص.
وبخصوص تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي قال فيها إن تركيا تمارس «لعبة خطيرة» في ليبيا، أعرب جاويش أوغلو عن قلقه البالغ من الوجود الفرنسي في ليبيا. وقال إن فرنسا باتت تعيش «خسوفا في العقل»، عقب إطلاق تركيا عملية «نبع السلام» شمال شرقي سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، و«بدأت منذ ذلك الوقت بدعم الانفصاليين والانقلابيين في أي مكان».
وأضاف الوزير التركي أن «الأمم المتحدة تعترف بحكومة الوفاق الوطني، برئاسة السراج، وتدعو جميع الدول لقطع صلاتها بالأطراف الأخرى في ليبيا، بينما فرنسا تتناقض مع نفسها بهذا الشأن، لكونها من الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن... وهذا التصرف يعد نفاقا وخداعا، ولهذا السبب الجميع يرى مدى خطورة اللعبة الفرنسية في ليبيا».
كما اتهم جاويش أوغلو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالوقوف خلف ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في ليبيا، داعيا لمحاسبة المسؤولين.
وقال إن فرنسا تدعم مساعي الإرهابيين في تأسيس دويلة شمال سوريا، وتقسيم ليبيا، في محاولة من ماكرون للعودة ببلاده إلى عهدها الاستعماري السابق، مضيفا: «ماكرون يتجاوز حدود اللعبة الخطيرة، وقد أعلنا ذلك أكثر من مرة... إنه يعيش خسوفا عقليا».
في المقابل، طالب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان بضرورة إجراء الاتحاد الأوروبي مناقشة بشأن العلاقات المستقبلية مع تركيا، في وقت يتعمق فيه الخلاف بين أنقرة وباريس بسبب الملف الليبي.
وقال لو دريان في جلسة لمجلس الشيوخ الفرنسي حول تركيا: «نعتقد أنه يتوجب على الاتحاد الأوروبي أن يجري مناقشة «بلا محرمات وبلا سذاجة»، بخصوص التوقعات الخاصة بالعلاقات المستقبلية مع تركيا»، مشيرا إلى ضرورة أن يدافع الاتحاد الأوروبي عن مصالحه بشكل حازم لأنه يمتلك القوة للقيام بذلك.
وأكد الوزير الفرنسي أن الدور التركي في ليبيا «مثير للقلق، فأنقرة ترسل المرتزقة السوريين إلى ليبيا، وتحول ليبيا إلى سوريا أخرى، وهم (أعضاء الاتحاد الأوروبي) يقفون متفرجين»، مشيرا إلى أنهم بحاجة إلى إيضاحات حول الدور الذي تلعبه تركيا في ليبيا.
من جانبه، قال نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكطاي، إن بلاده «تسطر الآن التاريخ في ليبيا بعدما مزقت الخرائط والمخططات التي كانت تهدف لإقصائها عن شرق البحر المتوسط».
وأضاف أوكطاي، في تصريحات أمس، أن حكومة السراج تمكنت، بدعم من أنقرة، من إفشال المؤامرات التي كانت تحاك في ليبيا، والقانون الدولي هو ما يحدد مستقبل السلام بليبيا الآن.
وأكد أوكطاي أن تركيا ستواصل وقوفها بقوة إلى جانب الليبيين «إلى أن يعم السلام والاستقرار والعدل في سائر مناطق ليبيا».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».