بعد 30 عاماً على الغزو الأميركي لبنما... العثور على رفات 70 شخصاً في حفرة جماعية

مقبرة «حديقة لاباز» في مدينة بنما حيث وُجدت رفات العشرات (أ.ف.ب)
مقبرة «حديقة لاباز» في مدينة بنما حيث وُجدت رفات العشرات (أ.ف.ب)
TT

بعد 30 عاماً على الغزو الأميركي لبنما... العثور على رفات 70 شخصاً في حفرة جماعية

مقبرة «حديقة لاباز» في مدينة بنما حيث وُجدت رفات العشرات (أ.ف.ب)
مقبرة «حديقة لاباز» في مدينة بنما حيث وُجدت رفات العشرات (أ.ف.ب)

عُثر على رفات عشرات من ضحايا التدخل الأميركي في بنما في 1989 في حفرة جماعية بعد ثلاثين عاماً على هذه العملية العسكرية التي أنهت نظام الرئيس مانويل أنطونيو نورييغا.
وقالت النيابة العامة البنمية، يوم الخميس الماضي: «حتى اليوم عُثر على سبعين جثة» نُقلت 16 منها إلى معهد الطب الشرعي. وذكر مصدر قضائي لوكالة الصحافة الفرنسية أن عدد الجثث التي عُثر عليها يبلغ 76.
وكانت عمليات البحث بدأت في يناير (كانون الثاني) في هذه الحفرة الواقعة في مقبرة «حديقة لاباز» في مدينة بنما بعد إعادة فتح ملفات 14 مفقوداً منذ الغزو الأميركي.
ويُفترض أن يقوم الأطباء الشرعيون الآن بتحديد هويات الجثث وتحديد سبب الوفاة.
وكان 27 ألف جندي أميركي اجتاحوا في 20 ديسمبر (كانون الأول) 1989 بنما لإطاحة مانويل نورييغا الذي كان يحكم البلاد منذ 1983 وتلاحقه الولايات المتحدة بتهمة تهريب المخدرات.
ولجأ نورييغا إلى السفارة البابوية في بنما، لكنه استسلم في نهاية المطاف للقوات الأميركية في الثالث من يناير 1990.
وتوفي نورييغا في السجن في 2017 في الولايات المتحدة حيث أدين بتهريب المخدرات وغسل أموال والوقوف وراء اختفاء معارضين في الولايات المتحدة وفرنسا وبنما.
ورسمياً، يبلغ عدد ضحايا الغزو الأميركي لبنما 500 قتيل، لكن منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان تقول إن عددهم الفعلي يبلغ آلافاً.
وتجري عملية انتشال هذه الجثث بطلب من لجنة شكلها الرئيس خوان كارلوس فاريلا للتحقيق في ظروف التدخل الأميركي ووضع حصيلة دقيقة للضحايا والتعرف على جثثهم.
واستؤنفت عمليات البحث التي علقت بسبب الأزمة الصحية المرتبطة بوباء «كوفيد - 19».
وقالت النائبة العامة المكلفة القضايا الجنائية ماريبيل كاباييرو إن «الخبراء وجدوا خلال الدراسة الميدانية أن الشواهد الموضوعة في المكان لا تتطابق مع الرفات الموجودة فيه».
ويفترض أن تفتح حفر جماعية أخرى في مقبرة في مونتي إيسبيرانزا في منطقة كولون (شرق) على بعد خمسين كيلومتراً عن العاصمة.
وكانت لجنة الدول الأميركية لحقوق الإنسان أكدت في 2018 مسؤولية الولايات المتحدة عن «انتهاكات لحقوق الإنسان» ارتكبت خلال التدخل العسكري، وطلبت من واشنطن «دفع تعويضات كاملة للضحايا».
وتطالب جمعيات الدفاع عن حقوق الضحايا بأن تعترف الولايات المتحدة التي وعدت بالتعاون مع التحقيق، بمسؤوليتها وتكشف أماكن الحفر الجماعية وتدفع تعويضات.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.