أزمة عاصفة داخل أكبر حزب يساري مغربي

مطالب بإقالة وزير العدل بسبب قانون التواصل الاجتماعي

TT

أزمة عاصفة داخل أكبر حزب يساري مغربي

تفاقمت الأزمة داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي (يساري)، المشارك في حكومة سعد الدين العثماني، أمين عام حزب العدالة والتنمية (مرجعية إسلامية)، وهي أزمة تسبب فيها مشروع قانون حول مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن رفض الكاتب الأول (الأمين العام) للحزب إدريس لشكر طلب عقد اجتماع لمكتبه السياسي لمناقشة تداعيات ما بات يعرف بقانون «تكميم الأفواه» الذي أعده محمد بن عبد القادر، وزير العدل المنتمي للحزب ذاته.
ويطالب عدد من «الاتحاديين» باستقالته وزير العدل بسبب «الإساءة» التي تسبب بها لتاريخ هذا الحزب اليساري الكبير. جراء إعداده القانون الذي اعتبروه مقيداً لحرية التعبير.
في سياق ذلك، اعتبر حسن نجمي، عضو المكتب السياسي للحزب أن عدم دعوة الأمين العام للحزب، إلى عقد اجتماع للمكتب السياسي بل والرد، بالإيجاب أو حتى بالسلب، على رسائل ثلث أعضاء المكتب السياسي «شَكّلَا تحقيراً، واستخفافاً بأخلاق المسؤولية».
وقال نجمي، أحد المطالبين بعقد اجتماع للجهاز التنفيذي للاتحاد الاشتراكي، في بيان إن «رأي مجموعة من أعضاء المكتب السياسي أن نجتمع لنستمع إلى الأخ محمد بنعبد القادر، وزير العدل، بخصوص ما جعله يرتكب هذا الخطأ البليغ، وفي أي إطار، وأي ملابسات، ثم ليُتخَذ قرار عاجل بإيقاف الأخ بنعبد القادر، أو حمله على الاستقالة من مهامه، وذلك سعياً لإنقاذ سمعة الاتحاد الاشتراكي وتبرئة ذمته أمام الجماهير من هذا العبث، لكن الكاتب الأول كتب جملة واحدة على (واتساب) يرفض فيها نهائياً فكرة الاستقالة المقترحة». وأضاف: «لسنا كلنا في القيادة الحزبية على توافق مع الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ومع الأخ بنعبد القادر، وأن المشروع المذكور لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولا بمبادئه وقيمه ومرجعيته، وتاريخه، ومدونة نضالاته، وكتاب شهدائه الذهبي المرصع بالأسماء والتضحيات المجيدة».
ووجه نجمي انتقادات لاذعة للشكر، وقال: «الحزب ليس مقاولة خاصة أو ضيعة شخصية يتصرف فيها الكاتب الأول بمزاجه، ويكفي أنه «بهدل» حزبنا ومرغ سمعته في الأوحال، ولا يزال»، وتابع قائلاً: «لن نقبل بهذا العنف الرمزي من طرف الكاتب الأول، ولن نسكت عن بعض الزبانية الفاسدين المفسدين الذين أضروا بسمعة الاتحاديات والاتحاديين، وتركوا هذا الفراغ الكبير المؤسف، فلا توضيح (للواضحات)، ولا موقف يشبه الاتحاد الاشتراكي».
والتمس نجمي من عبد الواحد الراضي الأمين العام السابق للحزب، عقد اجتماع للجنة التحكيم والأخلاقيات داخل الاتحاد للنظر في «الانحراف، وكذا للفصل في أمر هذا الوضع الشاذ الغريب والمرفوض جملة وتفصيلاً، خصوصاً ما تعلق بخيانة الأمانة».
كما دعا الحبيب المالكي، رئيس المجلس الوطني للحزب، إلى اتخاذ ما يراه مناسباً لإنقاذ الحزب من هذه اللحظة القاسية، مبرزاً أنه «لن تقف ظروف الحجر الصحي الحالية دون إمكانية اجتماع المجلس الوطني للاتحاد على أساس احترام واجب التباعد الاجتماعي واحترام شروط الوقاية الصحية». وكان لشكر قد أكد أن وزير العدل لم يخبر قيادة الحزب بمضامين هذا المشروع.
وبخصوص تجريم مقاطعات المنتوجات، قال لشكر إن «المقاطعة المؤسسة على مرجعية دينية آيديولوجية أو تستند على الكراهية والعنصرية تعاقب عليها القوانين في الديمقراطيات المتقدمة إذا كان النص يعتمد هذه الصيغة فلا مشكلة أما إذا كان النص يضر بحرية كل مواطن في أن يعبر بوضوح فهو مرفوض شريطة ألا يشتغل الشخص لمصالح لوبيات». وشدد لشكر على أن حزبه لن يغادر الحكومة، ووصف الحملة التي يتعرض لها الاتحاد الاشتراكي جراء مشروع القانون 22.20 المتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي بأنها «غير منصفة».
وكانت الحكومة قد صادقت في 19 مارس (آذار) الماضي على مشروع قانون يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، قدمه وزير العدل، مع بدء فرض حالة الطوارئ الصحية، وانتشار الأخبار الزائفة، إلا أن الحكومة توسعت في القانون ليطال الردع دعوات المقاطعة التجارية لمنتجات معينة، ونشر فيديوهات توثق تعرض أشخاص لعنف أو اعتداء، ما أثار انتقادات واسعة عبّر عنها سياسيون وحقوقيون بسبب الرقابة المشددة التي فرضها على مستعملي هذه المواقع والعقوبات الصارمة التي أقرها ضد المخالفين، والتي تصل إلى السجن وأداء الغرامات المالية.
وأمام هذه الانتقادات طلب الوزير بنعبد القادر إرجاء مناقشة القانون من قبل اللجنة الوزارية التي كانت قد كلفت بمراجعته، وهو ما تم في نهاية المطاف.
وفيما اعتبر رداً على بيان نجمي، قال الأمين العام للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في تصريحات صحافية، إنه سيدعو قريبا إلى اجتماع للمكتب السياسي للحزب. بيد أنه أوضح أن أهم نقطة ستتصدر جدول أعماله ستكون آثار وتداعيات جائحة فيروس كورونا على اقتصاد البلاد، وسبل مواجهة المرحلة المقبلة.
وأشار لشكر إلى أن الاجتماع سيتطرق أيضاً لمشروع القانون الخاص باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي الذي أثار الجدل داخل الحزب.
ونفى لشكر أن يكون الحزب التزم الصمت إزاء ذلك، وقال: «نحن لم نلتزم الصمت، ونحن في تواصل واجتماعات منتظمة ولو عن بعد والعديد من الإخوة في المكتب السياسي عبروا عن آرائهم». وأضاف أنه أيضاً تحدث في هذا الموضوع مع صحيفة مغربية بناء على النقاش الجاري في الحزب.
وحول مطلب بعض قياديي الحزب بإعفاء الوزير بنعبد القادر، قال لشكر إن «مثل هذا النوع من المقترحات لا ينبغي أن يكون محط مزايدات بيننا لأن مقترح إعفاء وزير له مساطر (إجراءات) ومؤسسات خاصة، وعلينا أن نتحلى بالاحترام الواجب لمؤسساتنا».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.