المعارضة التونسية تصعِّد انتقاداتها للحكومة والبرلمان

اتهمت «النهضة» بالسيطرة عليهما عبر «تعيينات مشبوهة»

TT

المعارضة التونسية تصعِّد انتقاداتها للحكومة والبرلمان

صعَّدت أحزاب تونسية معارضة من حدة انتقاداتها لرئاستي الحكومة والبرلمان، متهمة حركة «النهضة» (إسلامية) بالسيطرة عليهما عبر بعض «التعيينات المشبوهة» في قصر الحكومة، ومحاولة تمرير اتفاقيات مالية وتجارية مثيرة للجدل مع كل من تركيا وقطر، خلال هذه الفترة الاستثنائية التي تعيش فيها البلاد تداعيات جائحة «كورونا».
وبينما دعت أحزاب يسارية تنتمي لتحالف «الجبهة الشعبية» اليساري، إلى ضرورة المحافظة على حق الاحتجاج السلمي ضد مؤسسات الدولة، وضمان الحق في المطالبة بإسقاط الحكومة وحل البرلمان، باعتباره من «صميم الممارسة الديمقراطية»، ذهبت عبير موسى، رئيسة «الحزب الدستوري الحر»، أبعد من ذلك؛ حيث قامت بتوجيه طلب إلى كتابة مجلس البرلمان لعقد جلسة عامة تخصص لـ«مساءلة رئيس المجلس راشد الغنوشي» حول ما يدور خلف أبواب المجلس النيابي.
وفي حال رفض الغنوشي المساءلة بصفة قانونية، كما ينص على ذلك النظام الداخلي للبرلمان، فستلجأ موسى إلى القضاء، حسب تصريحها، متهمة رئاسة المجلس بـ«المغالطة من خلال نشر معلومات غير صحيحة على الموقع الرسمي للمجلس»، وأكدت أن البرلمان «أصبح وسيلة بين يدي الغنوشي لتنفيذ أجندات (إخوانية) في بلدان المغرب العربي»، على حد تعبيرها.
وتتزامن هذه الاتهامات مع استمرار الدعوات لإسقاط الحكومة، وحل البرلمان، وتغيير النظام السياسي الحالي، من نظام برلماني معدل إلى نظام رئاسي معدل. وجاءت بعد أن اتهمت مجموعة من الأحزاب اليسارية والليبرالية رئيس البرلمان الغنوشي بالتعامل مع هذه المؤسسة البرلمانية كـ«ضيعة خاصة»، وعبرت عن عدم رضاها عما يحصل تحت قبة البرلمان من مشادات كلامية.
على صعيد متصل، صادقت لجنة النظام الداخلي بالبرلمان، أمس، على مقترح لتعديل الفصل 45 من النظام الداخلي للمجلس، الذي ينص على فقدان النائب المستقيل من الحزب أو القائمة أو الائتلاف الانتخابي الذي ترشح تحت اسمه، أو الكتلة التي انضم إليها لعضويته في المجلس، لصفته كنائب، وتعويضه بمترشح آخر من القائمة الانتخابية نفسها.
ومن شأن هذه المصادقة أن تقضي على ما أصبح يعرف بـ«ظاهرة السياحة الحزبية» في البرلمان، وتنقل أعضائه من كتلة برلمانية إلى أخرى لمجرد خلاف بسيط قد يطرأ بين الأعضاء المنتمين للكتلة البرلمانية نفسها. وقد كانت هذه الظاهرة محل اتهامات عديدة متصلة بـ«شراء ذمم نواب البرلمان، وخضوع بعضهم للمزايدات والتحالفات السياسية».
على صعيد آخر، دعا حزب «قلب تونس» المعارض الحكومة إلى توخي مزيد من الشفافية في إدارة الأموال العمومية والهبات، والقروض والتبرعات والاقتطاعات التي تم الحصول عليها لمواجهة جائحة «كورونا»، وتمسك بتقديم تدقيق مفصل حول حجم التبرعات والهبات والمساعدات المالية التي تحصلت عليها الدولة خارج نطاق صندوق «18- 18» المخصص لمكافحة هذه الجائحة.
وفي هذا الشأن، دعا عياض اللومي، القيادي في حزب «قلب تونس» ورئيس لجنة المالية بالبرلمان، الحكومة إلى تفادي «مضايقة القطاع الخاص عن طريق الضغوط الجبائية»، على اعتبار أن الدولة حصلت على تبرعات وهبات من الداخل والخارج، إضافة إلى قروض كافية لتجاوز تبعات الجائحة.
وطالب اللومي الحكومة بالكشف بشكل شفاف ودقيق عن المبالغ المالية التي حصلت عليها، والتي تقدر بنحو 6 مليارات دينار تونسي (نحو ملياري دولار)، وأن تحدد أبواب صرفها، وقال إن لجنة المالية بالبرلمان تطالب بضرورة صرفها لمجابهة التأثيرات الكارثية لفيروس «كورونا»، و«ليس لدعم ميزانية الدولة».
ويمثل ملف الاقتراض بهدف تمويل الميزانية أحد أهم جوانب التجاذب السياسي بين الحكومة وممثلي الأحزاب السياسية، وغالباً ما تُتهم الحكومة بتوجيه القروض نحو تمويل ميزانية الدولة، ودفع الأجور، بدل صرفها لتمويل مشروعات تنمية قادرة على خلق فرص جديدة للعمل.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.