الاكتئاب والشعور بالذنب لدى الصغار.. ناجم عن اختلاف في تكوين المخ

انكماش المنطقة المسؤولة عن التحكم في العواطف والإدراك والشعور فيه

الاكتئاب والشعور بالذنب لدى الصغار.. ناجم عن اختلاف في تكوين المخ
TT

الاكتئاب والشعور بالذنب لدى الصغار.. ناجم عن اختلاف في تكوين المخ

الاكتئاب والشعور بالذنب لدى الصغار.. ناجم عن اختلاف في تكوين المخ

من الصعب تخيل أن طفلا في مرحلة ما قبل الدراسة (الفترة العمرية ما قبل 6 سنوات) يمكن أن يشعر بالاكتئاب أو الإحباط أو الشعور بالذنب، خاصة أن هذه الفترة تعتبر من أفضل الفترات التي يمكن أن يشعر فيها الطفل بالسعادة حيث يكون محاطا بالرعاية والاهتمام من الوالدين ولا يتعرض إلى الضغوط التي يمكن أن تواجهه لاحقا في المدرسة. ولكن خلافا لهذا الاعتقاد، فإن الأطفال يصابون بالأمراض النفسية، ومنها الاكتئاب، ويكون الأثر السيئ لها مستقبلا على حياة الطفل أكثر خطورة من الإصابة بهذه الأمراض في سن البلوغ، حيث يمكن أن تلازمه لبقية حياته، بل ويمكن أيضا أن يكون لها دور في إحداث تغيرات تشريحية في المخ، وذلك حسب أحدث دراسة طبية نشرت عن آثار الاكتئاب على الأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة.

* اختلاف تكوين المخ

* الدراسة التي نشرت في «مجلة الجمعية الأميركية للطب النفسي» Journal of the American Medical Association Psychiatry في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أشارت إلى أن الأطفال الذين تم تشخيصهم على أنهم مصابون بالاكتئاب في الفترة العمرية من سن الثالثة وحتى سن السادسة، لديهم المنطقة المتعلقة بالعواطف أصغر من غيرهم من الأطفال الطبيعيين. كما أشار الباحثون، من جامعة واشنطن بالولايات المتحدة، أيضا إلى أن هذه الدراسة يمكن أن تفيد في المستقبل في الكشف عن الأطفال الذين يمكن أن يعانوا من الاكتئاب من خلال الشكل التشريحي للمخ، وبالتالي محاولة علاجهم بشكل مبكر. وكان الباحثون قد قاموا بالتركيز على جزء في الفص الأيمن من المخ يسمى «إنسولا» insula وهو الجزء الأمامي في الناحية اليمنى وهو المسؤول عن التحكم في العواطف والإدراك والشعور، ويوجد في فصي المخ.
وقامت الدراسة بتتبع 306 أطفال تتراوح أعمارهم بين الثالثة والسادسة لمدة 3 سنوات، وبالكشف النفسي عليهم كل عام لتشخيص الاكتئاب والشعور المرضي بالذنب، فضلا عن إجراء أشعة رنين مغناطيسي على المخ كل عام ونصف العام، بداية من عمر 7 أعوام وحتى 13 عاما. وكشفت النتائج عن أن هناك 47 طفلا تم تشخيصهم على أنهم مرضى اكتئاب في فترة ما قبل المدرسة، ومن هؤلاء الأطفال كانت هناك نسبة تصل إلى 55 في المائة عانوا من الشعور المرضي بالذنب pathological guilt (الشعور المرضي بالذنب هو الشعور الذي ينتاب المريض دون اقتراف أي عمل يستحق عليه أن يشعر بالذنب، على سبيل المثال يمكن أن يشعر الطفل بالذنب لأن هناك طفلا آخر مريضا، وهو لا يعاني من شعور بالألم).
ومن المعروف أن التربية الخاطئة في كثير من الأحيان تكون مسؤولة عن تنامي الشعور بالذنب لدى الطفل، بمعنى أن الآباء يكونون دائمي التأنيب لأطفالهم ويطالبونهم بالاعتذار عن أبسط التصرفات العفوية التي يمكن أن تصدر عمن هم في مثل سنهم، وهو الأمر الذي يجعل الطفل دائم الإحساس باقتراف خطأ ما، وبالتالي يشعر بالذنب حيال ذلك.

* الشعور بالذنب

* وأوضح الباحثون أن الشعور المرضي بالذنب يكون مؤشرا على أمراض نفسية أخرى؛ مثل الاكتئاب أو القلق أو الوسواس القهري، مشيرين إلى أن الطفل المصاب بالشعور المرضي بالإحساس بالذنب لا يتخلص من ذلك الإحساس بسهولة، وعلى سبيل المثال؛ إذا دخل الطفل إلى غرفة ورأى دمية مكسورة، فإنه يبدأ في الاعتذار حين يرى أحد المدرسين، حتى إذا تم إخباره بأنه ليس المسؤول عن ذلك. وأكدت الدراسة أن الأطفال الذين يمتلكون منطقة «إنسولا» أصغر من أقرانهم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب. وكانت هذه النتيجة التشريحية نفسها لدى الأطفال الذين يشعرون بالإحساس بالذنب المرضي (لديهم «إنسولا» أصغر من أقرانهم) وهو الأمر الذي يشير إلى أن الشعور المرضي بالذنب يمكن أن يكون عرضا من أعراض الاكتئاب.
ويمكن القول في ضوء هذه النتائج إن الإحساس المرضي المبكر بالذنب يمكن أن يؤدى إلى انكماش الـ«إنسولا»، مما يعني أيضا إمكانية انطباق الحالة نفسها على الاكتئاب، وبالتالي يكون الاكتئاب مسؤولا عن تغيير تشريحي في المخ. وهذه التغييرات تشير إلى إمكانية تكرار الإصابة بالاكتئاب، الأمر الذي قد يسمح بتفسير أسباب تمام شفاء بعض الأطفال بشكل كامل دون معاودة المرض مرة أخرى بينما يعاني آخرون من تكرار الإصابة أو تحول المرض إلى مرض مزمن. وفى حالة اكتشاف هذا التغير التشريحي يجب أن يتم التعامل مع هؤلاء الأطفال بمزيد من الاهتمام، حيث إنهم عرضة للإصابة مرة أخرى.
يذكر أن هناك بعض الدراسات التي أجريت على البالغين تشير إلى النتيجة نفسها (أن البالغين المصابين بالاكتئاب لديهم «إنسولا» أصغر من أقرانهم الطبيعيين).
وقد أجريت دراسة سابقة في الجامعة نفسها (جامعة واشنطن) كانت أشارت إلى أن الأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة المصابين بالاكتئاب عرضة أكثر من غيرهم بمقدار ضعفين ونصف للإصابة بالاكتئاب في المدرسة الابتدائية والإعدادية لاحقا. وكان الباحثون قد صرحوا بأن هذه الدراسة سوف يتم استكمالها لمدة السنوات الخمس المقبلة لمعرفة أثرها في المراهقة والبلوغ بعد ذلك، وإذا ما كانت الإصابة بالاكتئاب نتيجة لانكماش الـ«إنسولا» تتزامن مع إدمان المخدرات أو الكحوليات في فترة المراهقة من عدمه، لذلك يجب على أطباء الأطفال المتابعين لتطورهم العضوي متابعة تطورهم النفسي والتعامل المبكر مع أي مشكلة نفسية.



باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».