«كورونا» يضع الحكم الجزائري أمام امتحان «أزمة الشرعية»

معارضون يتهمون تبون بـ«تسيير الطوارئ الصحية بمنطق أمني»

TT

«كورونا» يضع الحكم الجزائري أمام امتحان «أزمة الشرعية»

تبذل السلطات الجزائرية جهوداً جبارة لتطويق انتشار وباء فيروس «كورونا» في أقرب وقت وبأقل الضحايا، أملاً في تحقيق إنجاز يستدرك «أزمة الشرعية» التي يعاني منها الرئيس عبد المجيد تبون، بفعل ضعف مشاركة المواطنين في انتخابات نهاية العام الماضي، التي أوصلته إلى رأس الدولة، خلفاً للرئيس المتنحي عبد العزيز بوتفليقة.
وكانت الرئاسة تحضّر لنشر «حصيلة أعمال الرئيس» في 28 مارس (آذار) الماضي، وذلك بمناسبة مرور مائة يوم على تسلم تبون الحكم، من خلال حملة في الإعلام الحكومي، ووسائل الإعلام الخاصة المقربة من السلطات، إلى جانب إجراء مقابلات مع صحف وفضائيات أجنبية. غير أن أزمة تفشي وباء فيروس «كورونا» المستجد، التي باغتت الحكومة، حالت دون تحقيق الهدف.
وبحسب السلطات الجديدة، فإن أهم «إنجازات الرئيس»، إنشاء «لجنة» من خبراء القانون، الذين سلّموه بعد شهرين من العمل مقترحات لتعديل الدستور. وسبق هذا المسعى مشاورات مع الأحزاب والتنظيمات الفاعلة في المجتمع بخصوص الإصلاح السياسي، والبحث عن حل للأزمة المالية المتولدة من تراجع أسعار النفط منذ 2014، زيادة على «انفتاح غير مسبوق على وسائل الإعلام»، من خلال تنظيم مقابلات صحافية شهرية، تعهد تبون بأن تستمر حتى نهاية ولايته التي تستغرق 5 سنوات.
يذكر أن الرئيس السابق بوتفليقة كان يرفض التعامل مع وسائل الإعلام المحلية؛ إذ لم يُجرِ خلال 20 عاماً من الحكم أي مقابلة صحافية، ولم ينظم ولو مؤتمراً صحافياً.
وتسعى السلطات حالياً إلى التغلب على الأزمة الصحية، التي تواجهها البلاد، لـ«استعادة شرعية مفقودة»، بحسب عدد من المراقبين، والتي تعود في نظرهم إلى ضعف المشاركة في الانتخابات الرئاسية، التي جرت في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث لم تتجاوز نسبتها 40 في المائة، وعرفت لأول مرة مقاطعة تامة من طرف سكان منطقة بكاملها، وهي منطقة القبائل (شرق)، وذلك استجابة لمطب الحراك الشعبي، الذي رفض الانتخابات.
ولكسب بعض النقاط لصالحها، تحاول الحكومة تعبئة طاقاتها الصناعية بفضل بعض الشركات الحكومية لإنتاج كميات من المستلزمات الطبية بهدف تطويق الأزمة الصحية، مثل أجهزة التنفس الصناعي، والكمامات والقفازات الواقية، ومستحضرات التعقيم.
كما بدأت بالموازاة مع ذلك تسلم أول شحنات وسائل الوقاية من الصين منذ 3 أيام، وأحاطت أعمال الاستيراد بحملة دعائية، حيث نزل رئيس الوزراء عبد العزيز جراد إلى المطار لاستقبال طائرتين عسكريتين محملتين بملايين الكمامات الصينية. وتم إعلان مخصصات مالية لاستيراد المنتجات والمواد الخاصة بمحاربة الوباء. فيما أكد الرئيس تبون مرات عدة على أن «الوضع تحت السيطرة»، وأن «الدولة ليست عاجزة أمام الجائحة، بعكس ما يزعم البعض».
لكن في مقابل هذا الجهد، تتعرض الحكومة لانتقاد حاد من طرف قطاع من المعارضة، ونشطاء حقوق الإنسان، وعلى أكثر من صعيد. وفي هذا السياق، قال مراد بياتور، المكلف الإعلام بحزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» المعارض، إن السلطة «لا تفرق وهي تتعامل مع الوباء بين أزمة صحية، وأزمة أمنية». في إشارة إلى استمرار اعتقال وسجن المتظاهرين، ومحاكمة مناضلين معارضين، في عزّ الأزمة.
من جانبه، كتب أستاذ الإعلام بـ«جامعة الجزائر» العاصمة، رضوان بوجمعة، بهذا الخصوص: «توجد مؤشرات على أن العهد الجديد، الذي يبشر به تبون، الذي كان أحد أهم الوزراء الذين اشتغلوا مع بوتفليقة لسنوات عديدة، هو استمرار جزء هام من ممارسات بوتفليقة، وهو أمر لا يثير أي استغراب. فقد رحل بوتفليقة وبقي نفس نظام الحكم، الذي لا يمكن إلا أن يعيد إنتاج الفشل والفساد والاستبداد، وآخر هذه المؤشرات سجن العديد من المناضلين السياسيين وأصحاب الرأي المعارض للنظام، واستمرار التضييق على كل ممارسة سياسية لا تخضع للرقابة، والتسيير الإداري للفعل السياسي. وأيضاً استمرار منظومة الإعلام في ممارسة الدعاية ونشر الأخبار الكاذبة... إنه وضع يريد المجتمع تغييره من أجل بناء دولة المؤسسات والقانون... دولة تبني المستقبل خارج منطق الولاء للأشخاص والريع والفساد».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».