عبد الأمير جرص... رحيل مفجع وشعرية جارحة

صدرت أعماله الشعرية الكاملة بعد 17 عاماً من موته المبكر

عبد الأمير جرص... رحيل مفجع وشعرية جارحة
TT

عبد الأمير جرص... رحيل مفجع وشعرية جارحة

عبد الأمير جرص... رحيل مفجع وشعرية جارحة

هل يتنبأ الشعراء بموتهم؟ وهل تتساوى أعمار المبدعين فيرحلون بعمر واحد؟ ربما مصادفة؟ ربما قدر؟ ذلك ما كان عليه عبد الأمير جرص الشاعر العراقي ذو المزاج الحاد والمختلف، والذي حَسبَ عمرَه بعمرِ «السيَّاب» ووازنه ليرحل بعده بسنوات، ولكن بنفس عمر السياب، حيث الثامنة والثلاثون عاماً، وقد تنبأ «جرص» بموته قائلاً:
هكذا
يقسم وقته إلى قرون
ليموت في العقد الثالث
حيث العواطف عُرضة للتفتيش
والأحلام فراشاتٌ مغلَّفة
أعني مغفلة
يسهل اصطيادُها
وفعلا مات جرص وهو في نهايات العقد الثالث من عمره، في كندا، وتحديداً في «الثامنة والثلاثين»، ذلك أنّه من مواليد 1965 وتوفي في عام 2003 وبهذا يكون عمره بعمر السياب الذي توفي في الثامنة والثلاثين من عمره أيضاً.
ربما لا معنى لتقارب هذه السنوات، ولكنها تفتح شهية البحث عن أولئك الشعراء الذين عاشوا سنواتٍ قصيرة من حياتهم، ولكنهم استطاعوا أنْ يبقوا راسخين في الذاكرة، ولهم علامات دالّة في طريق الشعرية الطويل والمتعب، فمن طرفة بن العبد، إلى أبي تمام، إلى رامبو، إلى أبو القاسم الشابي، إلى السيَّاب، وما بينهم عشرات الشعراء الذين رحلوا مبكراً، إلا أنني ذكرتُ هذه الأسماء لرسوخها في التحولات الشعرية عربياً وعالمياً، وهنا نستطيع أنْ نقول إنَّ عبد الأمير جرص حاول اللحاق بهذا الركب الأبيض.
ما الذي ذكّرني بجرص وقد هاجر من العراق قبل أكثر من عشرين عاماً ليكون لاجئاً فيما بعد في كندا، ومن ثم يذهب ضحية حادثٍ تافهٍ، حيث تخونه دراجته الهوائية فيسقط منها على أرصفة كندا غريباً وحزيناً. إن ما ذكّرني بعبد الأمير جرص هو صدور الأعمال الشعرية الكاملة له، التي جمعها نجوان درويش وطبعتها دار «سطور».
لم أكن أتوقع أنَّ شعر عبد الأمير جرص سيترك في نفسي كل هذا الانفعال المحبب، ذلك أنَّ أعماله من أهم التجارب الشعرية العراقية، التي ذهبتْ مبكرة، نحو الموت، ولكنَّها ستبقى إحدى أهم التجارب المؤثرة والحية، ولا أريد أنْ أغالي وأقول: إنَّ تجربة عبد الأمير جرص في قصيدة النثر في العراق، تكاد تكون إحدى أهم التجارب العراقية ـ على جلالة قدرها وأهمية تجريبهاــ ولكن شعريته الممتلئة حرارة، والمشحونة عاطفة، والصاخبة في شوارع بغداد، والحادة كأحلام الفقراء، أكسبت شعريته هذا المزيج الهائل من الجموح والعفوية، ومن الخبرة في نفس الوقت، في أنْ يكون صانعاً ماهراً، حيث اللغة الرشيقة، والموضوعات المدهشة، والجرأة في الطرح الشعري، والأهم من ذلك هو تحوَّل الموضوعات السياسية إلى مادة شعرية طازجة، ذلك أن لغة جرص أسهمت بذوبان تلك الموضوعات، فهو أحد أكثر الشعراء المنتفضين على الوضع السياسي أيام نظام صدام حسين ولكن مهارته الشعرية لم تسمح له بأنْ يتحول إلى «هجَّاء» سياسيٍ، يشتم الأنظمة بوضوح فج، كما يفعل «أحمد مطر، أو مظفر النواب -في بعض نصوصه- السياسية الواضحة»، ولكن جرص اختلف أداؤه الشعري وسأحاول أنْ أبيّن وجه هذا الاختلاف.
أذكر قبل أكثر من 25 عاماً حيث كنَّا، ولم نبلغ بعدُ العشرين، وكان جرص يكبرنا بأكثر من 10 سنوات حيث اجتمعنا في مهرجان صغير أقامته رابطة «شعراء الكرخ» للشعراء الشباب أوائل عام 1995 وقرأنا مجموعة قصائد كان معظمها تقليدياً، بحيث يتطاير الغبار من حروفها، وحين وصل دور عبد الأمير جرص وكان آخر المشتركين، لم يقرأ أي نصٍ شعريٍّ، بل شتم الجميع، وشتم الشعر الذي قُرئ، فضحكنا في ذلك الوقت، للعصبية التي حملها، ولغيرته على الشعر، وواقعاً كان محقاً في معظم ما قاله، لأنَّ الشعر الذي قيل في ذلك الوقت، لا ينتمي إلى العصر، ولا إلى الشعر إلَّا ما ندر، بهذه الحساسية البالغة استطاع جرص أنْ يبني عالمه الشعري، ذلك العالم الذي تمكن من كتابة كل أشكاله الشعرية، فهو حين يغوص بمشروع قصيدة النثر، لم يكن غريباً على القصيدة «الكلاسيكية» بل جرَّب كتابة النصوص العمودية، ومن ثم تجاوز ذلك المشروع لينهمك في كتابة قصيدة النثر، بل إنّ عدداً من نصوصه العمودية، ما زال متداولاً بين زملائه وأصدقائه، ففي أعماله الشعرية نصٌّ سمّاه «عمودي» كأنه يخجل من تدوينه، فلم يضع له عنواناً كباقي عناوين قصائده، إذ يقول في جزءٍ منه:
أطعتُ نفسي على نفسي وأعترفُ
إنَّي معي دائماً في الرأي أختلفُ
إذ غالباً ما أرى ما لا ترى مُقَلي
ولا يرى البؤس والحرمان يكتشفُ
وقفتُ ضدَّي وكان الكل يحفر لي
فهل رأيتَ وحيداً ضدَّه يقفُ؟
فهو حتى في النصوص الموزونة والعمودية منها، على وجه التحديد، لم يكن تقليدياً إنَّما اشتغل على أسلوب المفارقة بشكل واضح، وعمل على فكرة التلاعب اللغوي بمهارة عالية، علماً بأنَّها لعبة لغوية وإنْ غلّفها بشيءٍ من الفكرة، حيث الموقف الذي تتضح فيه حيرة الشاعر في ذلك الوقت، وتردده وضياعه ووحدته التي تقف ضده في الكثير من الأحيان.
إنَّ واحدة من أهم ميزات شعر عبد الأمير جرص أنَّ له عدداً من الجمل الشعرية سارت في الأوساط الثقافية مسار الأمثال، كأنها من دون قائل، ولكننا نرددها دائماً بوصفها أمثالاً قيلت، ولم نعرف قائلها، ولكن حسنة هذه الأعمال الشعرية التي جمعت شعره، وضعت بين أيدينا تلك الجمل الشعرية التي كأنها رجعت له، ومنها على سبيل المثال:
كثيراً ما سبقني الذباب
إليك
أيتها الأيام الحلوة
ومنها على سبيل المثال في قصائد ضد الريح يقول:
وأنت منكسرٌ تجرح أكثر
أيُّها الزجاج
أذكر أنّي كنتُ أحفظ هذه المقاطع، ولكن لم أعرف قائلها، ولم يصادفني أحدٌ من أصدقاء جرص ليدلَّني عليها، ولكنّ هذه الأعمال فتحت الكثير من الأسرار -على الأقل بالنسبة لي- لهذه التجربة الغنية التي رحلت مبكرة، والتي كان متنبئاً بها قبل سنوات.
أعود إلى شعر جرص السياسي، وجزافاً أسميه «سياسياً»، لكنَّه شعر فيه منسوب عالٍ جداً من الاحتجاج، غير أنه لم يتنازل عن رهان شعرية الاحتجاج، حيث يقول في نص تشهير:
نريد من العراق الذي هو ابننا البكر
أنْ يُعيننا على الشعر
الذي يتفتح كل مساء بنا
بينما العراق نائمٌ بين أحضان
حبيبته الحرب.
ويقول في قصيدة أخرى:
نحن لم نشبع جوعاً
لم يتمكن الجوع من مفاصلنا بعد
ما زال لدينا ما نسد به ثغور الكلمات
ما زال لدينا ما نستر به أحزاننا
وهكذا نرى، أن لجرص صوتاً شعرياً محتجَّاً على الشأن السياسي، شأن الكثيرين من الشعراء في ذلك الوقت، ولكنَّه موارب بالشعرية التي يغلف بها نصوصه، ومع هذا فإنَّ هناك خيطاً متقارباً مع محمد الماغوط في بعض النصوص، وهو لا يخلو من خيط الغنائية، ومن فكرة الوطن الرومانسية، وهاتان الفكرتان تتقاطعان مع فكرة قصيدة النثر، لأن الروح فيها روح عمودية وليست روحاً حداثية، فهو يقول في «أحزان وطنية»:
مرة استيقظنا
فلم نجد الوطن
قيل لنا: لمَّ الوطن جميع حاجاته
جمعها شجرة شجرة
ونهراً نهراً
ورحل بعيداً
أوطان كثيرة لن تجد لها مكاناً
أوطان كثيرة تفكر بالهروب
من الخريطة
ولكنه يبقى صوتاً حاداً وشعرية مختلفة طازجة وجارحة في نفس الوقت، شكراً للشاعر الفلسطيني نجوان درويش الذي جمع هذه الأعمال التي ستكون مائدة متوفرة للدارسين.



لماذا يصبح تكوين الصداقات صعباً كلما تقدمنا في العمر؟

شابات يلتقطن «سيلفي» خلال حضورهن أحد الاحتفالات في طوكيو (أ.ب)
شابات يلتقطن «سيلفي» خلال حضورهن أحد الاحتفالات في طوكيو (أ.ب)
TT

لماذا يصبح تكوين الصداقات صعباً كلما تقدمنا في العمر؟

شابات يلتقطن «سيلفي» خلال حضورهن أحد الاحتفالات في طوكيو (أ.ب)
شابات يلتقطن «سيلفي» خلال حضورهن أحد الاحتفالات في طوكيو (أ.ب)

أثبتت العلاقات الاجتماعية الإيجابية أنها تقاوم القلق وتزيد من سعادتنا وتساعدنا على العيش لفترة أطول. ولكن مع تقدمنا ​​في العمر، قد يصبح الحفاظ على روابط معينة، وخاصة الصداقات، أكثر صعوبة.

وتحاول المؤلفة ميل روبينز إزالة الغموض عن سبب صعوبة العثور على أصدقاء في مرحلة البلوغ، بحسب شبكة «سي إن بي سي».

قالت روبينز، مؤلفة كتاب «نظرية (ليت ذام): أداة تغير الحياة لا يستطيع ملايين الأشخاص التوقف عن الحديث عنها، تتغير قواعد الصداقة تماماً عندما تصل إلى العشرينات من عمرك».

وأشارت إلى أنه لكي تنجح الصداقة، يجب أن تتوافق ثلاثة عوامل مختلفة:

قرب المسافة

أوضحت روبينز: «عندما كنت صغيراً، كنت على مقربة من أشخاص في سنك طوال الوقت... في المدرسة، أو النشاطات. كنا محاطين دائماً بأشخاص في سننا. اليوم، لا يعيش أكثر من نصف الأميركيين- 58 في المائة، بالقرب من المجتمع الذي نشأوا فيه، وفقاً لبيانات عام 2018 من مركز (بيو) للأبحاث. وهذا يعني أن العديد من الصداقات التي نشأت معهم ربما يكون من الصعب الحفاظ عليها».

لكي تكون صديقاً لشخص ما حقاً، يجب أن تكون رؤيته باستمرار مهمة سهلة.

التوقيت

كلما تقدمت في العمر، زاد عدد الأشخاص الذين ستقابلهم والذين يمرون بمراحل مختلفة من الحياة.

أضافت روبينز: «لكل شخص جداول زمنية مختلفة. بعض أصدقائك يتزوجون. والبعض الآخر يتابع الدراسات العليا... والبعض يبحث الآن عن وظائف... إن العثور على أصدقاء يواجهون نفس العقبات قد يجعل التواصل أسهل».

الطاقة

قد يتغير مقدار ما تشترك فيه مع شخص آخر بمرور الوقت. وإذا لم تتوافق قيمك معه، فمن الصعب الحفاظ على الروابط.

شرحت روبينز: «قد يكون لديك طاقة رائعة مع شخص ما، ثم إذا قررت التوقف عن تناول الكحول، فإن هذه الطاقة تنخفض... إذا قررت التركيز حقاً على اللياقة البدنية، فإن الطاقة تنخفض... إذا كانت لديك معتقدات سياسية مختلفة تماماً، تختفي الطاقة أيضاً».

عندما تتلاشى صداقة الكبار، فعادةً ما يكون ذلك بسبب ذوبان إحدى هذه الركائز الثلاث أو أكثر. وللاستمرار في تكوين صداقات عندما تكبر، ركز على من هو قريب منك، وما يمر به، ومدى القواسم المشتركة بينكما.