جبريل... أستاذ التخطيط الذي أسقط القذافي

رئيس الوزراء الليبي الأسبق محمود جبريل
رئيس الوزراء الليبي الأسبق محمود جبريل
TT

جبريل... أستاذ التخطيط الذي أسقط القذافي

رئيس الوزراء الليبي الأسبق محمود جبريل
رئيس الوزراء الليبي الأسبق محمود جبريل

ظل السياسي الليبي المعارض محمود جبريل، معتقداً طوال حياته، أن أفراد شعبه أمام خيارين، إمّا أن يتركوا البيت يحترق بمن فيه، وإما أن يدركوا جميعاً أن حرق البيت، هو احتراق لهم، وبالتالي يستوجب عليهم المشاركة بل المسارعة في إطفاء النيران فوراً.
على هذه العقيدة السياسية عاش جبريل، قرابة تسعة أعوام منذ مشاركته في إسقاط نظام معمر القذافي عام 2011، يؤلف بين قلوب أبناء وطنه، ويسعى بينهم على قاعدة أن البيت الذي أضرمت به النار «يسع الجميع». مات جبريل أمس، تاركاً وراءه ليبيا الغنية بالنفط، كمقذوف متشظٍ، كل أبنائها يرى أن الحق معه دون سواه.
لكن بين حياة جبريل التي عاشها منذ ولادته في عام 1952، ثم حصوله على البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 1975، ومماته في القاهرة على سرير المرض بعد إصابته بفيروس «كورونا»، محطات فارقة ستدون في تاريخ بلاده، خصوصاً ما شهدته السنوات التسع الأخيرة التي بدأت باندماجه في المجلس الوطني الانتقالي لإسقاط نظام القذافي، قبل أن يتولى رئاسة المكتب التنفيذي عقب اندلاع ثورة 17 فبراير 2011، في فترة زمنية تُوصف بأنها الأصعب على أي سياسي والأشد ضبابية نظراً لتزايد الطامعين في البلاد.
اعتمد جبريل، أستاذ التخطيط الاستراتيجي، فلسفة سياسية ربما جاءت خصماً من شعبيته، وبالتالي لم يأبه بالنيل من شخصه أو حتى التطاول عليه في الأمسيات والبرامج الليلية، فكان يفضل الجلوس مع كل أطياف الشعب الليبي البسطاء والحاملين للسلاح، الذين هم في السجون، ومن كان يزعم أن السلطة قد دنت منه. كان يحمل رسالة وحيدة: «نحن وصلنا إلى القاع يا إخواني، بعد قتل وتدمير وهدم للدولة وإضرام النيران في مقدرات الأجيال المقبلة، لذا لم يعد هناك ما يتم ارتكابه بعد كل هذا، إما أن تترك النار حتى تصبح رماداً، وإما تعرف أن القوة لا تأتي بنتيجة».
وأمام انفراجة سياسية عقب رحيل القذافي، اتجه جبريل إلى تأسيس «تحالف القوى الوطنية» عام 2012، وهو تجمع عابر للحزبية انتهى حزباً في فبراير (شباط) من العام الماضي. ومنذ ذلك التاريخ والتحالف يسعى عبر ندوات ولقاءات مع القوى المحلية إلى النهوض بالبلاد، لكن العمل السياسي في ليبيا يركض موثوق الساقين. فلا جديد يذكر منذ رحيل القذافي سوى الاقتتال.
وبالقياس، عانى جبريل من التشويه، أو احتسابه من قبل أطراف على أطراف أخرى، وظل أتباع القذافي ينظرون إليه على أنه واحد من الذين أطاحوا بحكم العقيد الراحل، كما أنه لم يسلم أيضاً من حسابات تيارات الإسلام السياسي في ليبيا التي نظرت إليه في أوقات باعتباره حليفاً، قبل أن تتخذ منه موقفاً متشككاً.
لم يكن جبريل يدرك، وهو الذي ظل يروض الميليشيات المسلحة في طرابلس، على تفكيك سلاحها، والكف عن الاشتباكات التي أنهكت بلاده، أنه سيقضى بفعل فيروس، لكنه الآن يترك ليبيا وهي تدخل عامها الثاني في حرب مستعرة، من دون الاستماع أو الاستفادة من رؤيته التي قرأت المشهد مبكراً بوضوح كزرقاء اليمامة.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».