إثيوبيا تتجاهل تحذيرات مصر وتؤكد بدء ملء «سد النهضة» خلال أشهر

مخاوف من «استغلالها» انشغال العالم بـ«كورونا» من أجل تنفيذ خططها

إثيوبيا تتجاهل تحذيرات مصر وتؤكد بدء ملء «سد النهضة» خلال أشهر
TT

إثيوبيا تتجاهل تحذيرات مصر وتؤكد بدء ملء «سد النهضة» خلال أشهر

إثيوبيا تتجاهل تحذيرات مصر وتؤكد بدء ملء «سد النهضة» خلال أشهر

تجاهلت إثيوبيا تحذيرات مصر المتكررة برفض أي إجراءات أحادية تتعلق بـ«سد النهضة»، الذي تبنيه أديس أبابا على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، والذي تتحسب القاهرة لتأثيره على حصتها من المياه. وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أمس، بمناسبة الذكرى التاسعة لانطلاق العمل في السد، إن الملء «سيبدأ في موسم الأمطار المقبل، رغم تحديات وباء كورونا». علما بأن موسم الأمطار يبدأ في إثيوبيا من شهر يونيو (حزيران)، ويستمر حتى شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام.
وتعد تصريحات آبي «بالون اختبار» لمعرفة رد الفعل المصري، ومعرفة حدود وقدرات القاهرة حال إقدام أديس أبابا على هذا الخطوة فعلياً، على أن يظل الموقف النهائي رهن التطورات، بحسب مراقبين مصريين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، محذرين أيضا من تداعيات «انشغال العالم بأزمة كورونا».
وتصاعد النزاع بين البلدين إثر رفض إثيوبيا حضور اجتماع في واشنطن، نهاية فبراير (شباط) الماضي، كان مخصصاً لإبرام اتفاق نهائي مع مصر والسودان بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد، برعاية وزارة الخزانة الأميركية والبند الدولي. ثم أعقبه مباشرة إعلان إثيوبيا بدء تخزين 4.9 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل في بحيرة السد في يوليو (تموز) المقبل.
وعلى مدار الشهر الماضي، ومع تجمد المفاوضات، تبادلت مصر وإثيوبيا اتهامات بالتعدي على حقوق الآخر وإفشال المفاوضات، وسط مناوشات كلامية، وتحركات دبلوماسية لمسؤولي البلدين لحشد المواقف الدولية لكل منهما.
وتحيي إثيوبيا ذكرى سد النهضة، الذي انطلق العمل به عام 2011 في الثاني من أبريل (نيسان) من كل عام. وقال آبي أحمد: «سنبدأ في ملء السد في موسم الأمطار المقبل»، مضيفا في بيان نشرته وكالة الأنباء الإثيوبية، أمس، أن الإثيوبيين «أظهروا قدرتهم على تمويل المشروع بمواردهم الخاصة... وهم يولون مكانة خاصة للمشروع لأنه رمز للسيادة والوحدة». وتقدر تكلفة المشروع بـ4 مليارات دولار. وقد اكتملت أكثر من 72.4 في المائة من العملية الإنشائية لسد النهضة، وفقاً لوزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي، الذي أكد أن «الأعمال في المشروع جارية على قدم وساق»، وأنه بمجرد اكتماله «سيكون سد النهضة الإثيوبي أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في أفريقيا».
وأعلنت مصر من قبل «رفضهما التام» لاعتزام إثيوبيا المضي في ملء الخزان، مع استمرار الأعمال الإنشائية للسد دون اتفاق، واعتبرته «مخالفة صريحة للقانون والأعراف الدولية، واتفاق إعلان المبادئ المبرم عام 2015».
وينص الاتفاق المبرم في مارس (آذار) عام 2015 بين زعماء مصر وإثيوبيا والسودان، في مادته الخامسة، على ضرورة الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، قبل البدء في الملء، بما يمنع أي أضرار على دول المصب. وتعد تعبئة خزان السد، الذي تصل قدرته الاستيعابية إلى 74 مليار متر مكعب من المياه، من بين أبرز النقاط الخلافية بين البلدين، حيث تقول مصر إن السد يهدد حصتها من المياه المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب، والتي تعتمد عليها بأكثر من 90 في المائة في الشرب والزراعة.
ويحظى الموقف المصري بدعم أميركي، وفقا لوزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين، الذي ذكّر مطلع مارس الماضي، بأن موقف واشنطن هو «ألا يتم ملء الخزان قبل التوصل إلى اتفاق».
وتعتقد الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية بمصر، أن إثيوبيا تعمل على استفزاز مصر بتلك التصريحات، لقياس رد فعلها بشأن إمكانية الملء بلا اتفاق، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن تكرارها على لسان أكبر المسؤولين «هو بمثابة بالون اختبار»، قبل عدة أشهر من موعدها، من أجل معرفة حدود وقدرات الموقف المصري، وإمكانية تنفيذها.
ولا ترى الخبيرة المصرية أن الموقف الإثيوبي نهائي، مؤكدة أن «القرار الأخير بشأن الملء، دون اتفاق، سيبقى رهن التطورات حتى اللحظات الأخيرة، لأنهم يدركون أنهم ملزمون بالتشاور مع مصر والسودان».
ويوم الاثنين الماضي كشف رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، عن نيته زيارة مصر وإثيوبيا قريبا لحث الطرفين على استئناف مفاوضات سد النهضة، واستكمال المتبقي من القضايا المهمة العالقة.
غير أن الطويل حذرت من أن انشغال العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة، بأزمة فيروس كورونا، يشكل «فرصة ذهبية» لإثيوبيا لاتخاذ إجراءات أحادية تضر بالأمن المائي المصري.
واعترف الدكتور نصر الدين علام، وزير الموارد المائية المصري الأسبق، بأن أزمة تفشي وباء كورونا أثرت على الزخم، الذي نجحت مصر في إحداثه الفترة السابقة لصالحها، مطالبا بـ«اللجوء إلى المنظمات الدولية في أقرب فرصة مناسبة بعد هدوء عاصفة الكورونا»، إذا لم تتراجع إثيوبيا عن موقفها.
ولفت علام في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن أزمة «كورونا» ربما تكون فرصة كي تعيد الحسابات داخل كل دولة لتتخذ إجراءات مغايرة (رفض تسميتها)، للدفاع عن موقفها، وسط انشغال العالم، أو فرض أمر واقع.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.