منذ أن بدأت الجماعة الحوثية أعمالها العدائية ضد اليمنيين وجيرانهم قبل سنوات، لم تدخر جهداً لاستغلال أي تهدئة محتملة أو مساعي تهدئة للتصعيد الميداني والقتالي، سواء بمحاولة التوسع لإسقاط مناطق جديدة من يد الشرعية، أو من خلال الهجمات الإرهابية بالصواريخ الإيرانية الباليستية والطائرات المسيّرة ضد الأهداف المدنية في السعودية.
وكانت آخر هذه الفرص التي استغلتها الميليشيات الحوثية دعوات التهدئة الأممية والدولية من أجل خفض التصعيد للعمليات القتالية وتوفير الجهود المشتركة لمواجهة أي تفشٍ محتمل لفيروس «كورونا» في اليمن، إذ أقدمت على التصعيد الميداني في أكثر من جبهة ضد القوات الحكومية وعادت من جديد لإطلاق الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيّرة باتجاه الأراضي السعودية.
ولعل هذه السياسة الانتهازية التي تنتهجها الجماعة من أجل تحقيق أهدافها الإرهابية هي التي تعيد إلى الأذهان كل مرة تحذيرات السياسيين اليمنيين من الوثوق في أي التزامات تقطعها الجماعة على نفسها، خصوصاً مع النظر إلى قيامها بنكث كل العهود والمواثيق واختراق الهدن، منذ أن بدأت إسقاط صعدة في يدها ووصولاً إلى 5 سنوات مضت من الانقلاب على الشرعية في صنعاء.
- عملية ابتزاز وعدم اكتراث
ففي وقت ترى فيه أصوات يمنية ودولية أن الجماعة الحوثية هي مجرد منفذ للإملاءات الإيرانية وأنها لا تملك قرارها، يرى سياسيون يمنيون أنه بإمكان الجماعة أن تخرج من العباءة الإيرانية، لكنها لا تريد ذلك لجهة أنها «تستغل أي مناسبة وأي حدث لتعزيز نفوذها وتمكين مشروعها العصبوي ونفوذها»، وفق ما يقوله الكاتب والمحلل السياسي اليمني وضاح الجليل.
ويعتقد الجليل أن الجماعة في هذه الآونة «لا تجد حرجاً من استغلال انشغال العالم بمكافحة وباء كورونا لتعمل على التصعيد العسكري لتحقيق انتصارات سياسية أو معنوية، وعسكرية إن أمكن، ظناً منها أن بإمكانها الحصول على تنازلات بمثل هذا التصعيد في مثل هذه الظروف». وهي، بحسب الجليل، «عملية ابتزاز واضحة ضمن مسلسل من الممارسات التي تنتهجها هذه الميليشيا منذ بدء صعودها».
ويرى الجليل أن «استهداف السعودية من قبل الجماعة ليس فقط مجرد استغلال للجماعة لانشغال العالم بهذا الوباء، بل إنه رسالة موجهة لكل الأطراف المعنية، مفادها أن هذه الميليشيا لا تكترث بكل مشاكل وقضايا العالم المصيرية، حتى الكارثية منها، وأن همها الأول والأخير هو توسيع نفوذها وتمكين مشروعها بأي ثمن».
ودلل على انتهازية الجماعة الحوثية ببروز الخطاب الإعلامي في أوساط ناشطيها الذي يطالب اليمنيين بالقتال مع الميليشيا والموت في الجبهات عوضاً عن الموت في بيوتهم بسبب وباء «كورونا»، في تعبير «عن نية هذه الميليشيا ترك اليمنيين فرائس للوباء كما حدث مع أوبئة سابقة».
أما عن الخيارات المتاحة أمام اليمنيين وأمام التحالف والشرعية والمجتمع الدولي عامة لإيجاد حل للمعضلة الحوثية، فيقول الجليل لـ«الشرق الأوسط»، إن «الميليشيات بهذا الخطاب التصعيدي والممارسات غير المسؤولة تضع الجميع في الداخل والخارج أمام خيار مواجهتها حتى النهاية، وعدم الرضوخ لمنطقها وابتزازها، والرد عليها بما يعطل خططها وأهدافها وممارساتها الابتزازية، وعدم انتظار مبادراتها الاستفزازية وهجماتها التي لن تتوقف».
- «السلام مع الميليشيات وهم»
في السياق نفسه، يعتقد الباحث السياسي والأكاديمي اليمني الدكتور فارس البيل، أن الحديث عن تحقيق سلام مع الجماعة الحوثية «لا يعدو كونه مجرد أوهام». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «ميليشيا الحوثي تتعامل مع كل الجهود السياسية والعسكرية من واقع المناورة والكسب، فهي ليست سوى آلة عسكرية صماء بيد المشروع الإيراني، وبالتالي فإن مهمتها الاستمرار بمشروع التدمير في اليمن وتهديد أمن المملكة والمنطقة والإبقاء على اشتعال النار في المنطقة كجذوة ملتهبة تحتاجها إيران متى أرادت».
وتابع: «لذلك فإن تقويم ميليشيا الحوثي أو النظر إليها بعيداً عن هذه الحقيقة هو وهم يغطي على معلوم. أما الحديث عن تعاطيها مع مبادرات سياسية أو التعويل على انخراطها في أي جهود فهو كالحرث في البحر، إذ إن الميليشيا هي بندقية لا تملك سوى إطلاق النار، فكيف يمكن لها أن تتحول إلى حمامة سلام في يوم ما؟».
أما عن ترحيب الجماعة بالدعوات الأممية للتهدئة، فهو من وجهة نظره، «ليس سوى مناورة لكسب الوقت والجهد وإرباك المشهد وامتصاص الضغط». ويرى أن «تغيير آيديولوجية هذه الجماعة أو جذبها للمسلك السياسي لن يكون بغير إفقادها طبيعتها العسكرية ومهمتها الفعلية، عبر كسر قوتها العسكرية وهزيمتها فعلياً على الأرض وإفقادها مصادر القوة ومخالب العبث على كل المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية».
من جهته، يرى وكيل وزارة الإعلام اليمنية عبد الباسط القاعدي، أن «التصعيد بالصواريخ الباليستية والمسيرات والمعارك على الأرض يثبت تحدي الحوثي للمجتمع الدولي وعدم إيمانه ورغبته بالسلام كما يثبت أن وعوده والتزاماته السابقة في هذا السياق كانت تحت فعل الهزائم التي تلقاها والضربات الموجعة التي وجهت إليه في الجبهات كافة».
ويعتقد القاعدي أن الحوثي «يستغل الآن الهدوء الحاصل في الجبهات كافة للاستفراد بجبهتي الجوف ومأرب على حدة، ومن ثم سيتعامل مع كل جبهة على حدة». ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «الحوثي اليوم أقذر وأخطر أدوات إيران في المنطقة وخطره يتعاظم في ظل حالة الكمون والركود التي تعاني منها كل الجبهات الممتدة من ميدي إلى الحديدة، والرد المناسب يكون بإعادة النظر في الطريقة الحالية التي تدير بها الشرعية الجبهات ومعالجة أوجه القصور والاختلالات وتأجيل الخلافات وإعلان النفير العام وتحريك كل الجبهات».
ومع التصعيد الحوثي باتجاه مأرب والجوف والضالع، يقترح القاعدي أن يكون الرد بتحريك جبهات ميدي والحديدة وتعز، إذ إن ما يصفه بـ«حالة ارتخاء الشرعية»، هو ما «يغري الحوثي ويسيل لعابه، خصوصاً أنه لا يأبه بحجم الضحايا من أنصاره وعلى استعداد للتضحية بهم وتقديمهم قرابين في سبيل تحقيق مشروعه الطائفي التدميري الذي يخدم مشروع الولي الفقيه». واعتبر أن «حشد الطاقات وتوحيد الجهود وقوة الردع والهجوم والتوجه نحو صنعاء ومران وحدها هي الكفيلة بقطع دابر هذا الخطر، أما ما دون ذلك فتظل معالجات موضعية تضاعف الكلفة وتفاقم الخطر».
وكانت الحكومة اليمنية رحبت بدعوة المبعوث الأممي مارتن غريفيث لعقد اجتماع عاجل لمناقشة الاستجابة لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار بشكل شامل لمواجهة مخاطر انتشار فيروس «كورونا»، وللاتفاق على آلية لتوحيد جهود وإجراءات مواجهة الوباء في الأراضي اليمنية كافة.
ودعت الحكومة في بيان لوزارة الخارجية المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى الضغط على ميليشيات الحوثيين للاستجابة لهذه الدعوة من دون شروط مسبقة وإيقاف خروقها وتصعيدها المستمر وغير المبرر. كما حملت الحكومة الشرعية الميليشيات الحوثية كامل المسؤولية عن استمرار هذه الانتهاكات وما سيترتب عليها من فشل مساعي المبعوث الأممي ونسف ما تبقى من مسار عملية السلام.