إغلاق المنافذ ونقص المشافي يفاقمان معاناة الليبيين

TT

إغلاق المنافذ ونقص المشافي يفاقمان معاناة الليبيين

ترى المواطنة الليبية فاطمة البوعشي، المقيمة في العاصمة المصرية لعلاج ابنتها بمستشفى للأورام، أنه سيتعين عليها البقاء هناك طويلاً، إلى أن تهدأ الحرب التي التهمت منزل أسرتها بعين زارة في العاصمة، فضلاً عن توقف حركة الطيران وإغلاق المنافذ.
حالة فاطمة المقيمة في القاهرة منذ عشرة أشهر، تعكس وضعاً صحياً مؤلماً، تعاظم في ظل مداهمة فيروس «كورونا» للبلاد التي تعاني غالبية مناطقها من نقص حاد في المشافي والأدوية، مما يضطر جُل المرضى للعلاج على نفقتهم الخاصة في إحدى دول الجوار.
واتخذت ليبيا إجراءات احترازية لمواجهة فيروس «كورونا» خلال اليوميين الماضيين، من بينها فرض حظر تجول جزئي في الغرب، وكُلي في الشرق، وتعطيل حركة الطيران، بالإضافة إلى إغلاق المنافذ مع تونس والقاهرة، والتي كانت بمثابة الباب الذي يعبر منه آلاف الليبيين الراغبين في تلقي العلاج بالخارج، وهو ما أشارت إليه البوعشي التي تعالج ابنتها في القاهرة من السرطان.
وقالت أمينة الحاسية، المتحدثة باسم «مبادرة إنقاذ ليبيا النسوية»، لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «الخدمات الصحية في البلاد متردية جداً؛ لكن الإمكانات الطبية والأدوات والعلاج تكاد تكون منعدمة، رغم توفر الأطقم الطبية». وينتشر في ليبيا مرضى الفشل الكلوي والمصابون بأورام سرطانية، وتقول حكومة «الوفاق»، المدعومة أممياً في طرابلس، إنها تولي اهتماماً بقطاع الصحة، وتتولى الإنفاق على علاج عدد كبير من الليبيين في الخارج، كما تحاول إصلاح عدد من المستشفيات المدمرة وإعادتها إلى الخدمة؛ لكن الحكومة الموازية في شرق البلاد تتهمها دائماً بالتقصير، وإنفاق عوائد النفط على شراء صفقات السلاح، واستقدام «المرتزقة». ولا تتوفر في ليبيا إحصائيات رسمية عن عدد المرضى؛ لكن بشير الطاهر، وزير الصحة السابق بحكومة «الوفاق»، قال إنه تم تسجيل أكثر من 4 آلاف مريض بالفشل الكلوي في أنحاء البلاد، كما قدَّرت منظمة الصحة العالمية وجود نحو 88 ألف مريض بالسكري. وأرجعت الحاسية، الناشطة الليبية، أسباب تراجع مستوى القطاع الصحي في ليبيا إلى «توقف المشروعات التنموية في البلاد، وهو ما ألحق ضرراً بالمرافق الصحية في البلاد»، وأرجعت التدني الصحي إلى أيام النظام السابق.
وتدفع اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» بكميات من الأدوية، والمواد اللازمة لمواجهة بعض ما تعانيه المستشفيات في ليبيا من نقص في الإمدادات الطبية، مع زيادة في أعداد المرضى والجرحى.
ورغم اعتراف الحاسية بوجود «مبادرات محلية لتوفير الأدوية، ومستشفيات خاصة تتبرع بتقديم الخدمة الطبية»؛ فإن هذه الخدمة لا تفي بأعداد المرضى المتزايدة، وقالت بهذا الخصوص، إن «المعابر مغلقة بسبب الإجراءات المتخذة لمواجهة (كورونا)، في ظل وجود حالات عديدة تتلقى العلاج بمصر وتونس».
وأغلقت الحكومتان المتنازعتان على السلطة في ليبيا المنافذ البرية مع مصر وتونس، في ظل حالة طوارئ شملت وقف الملاحة الجوية أيضاً، مما زاد من الضغوط على الليبيين الذين اعتادوا السفر والتنقل، وشراء احتياجاتهم من دول الجوار.
وقال مصدر طبي بوزارة الصحة، التابعة لحكومة «الوفاق» لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكومة «لم تهمل القطاع الصحي؛ لكنها تسلمته مدمراً، كما أن الحرب على العاصمة دمرت وأغلقت أكثر من 12 مستشفى». وزاد الحظر المفروض في البلاد من معاناة سكان الجنوب الذين يشتكون في معظم الأوقات من نقص الوقود، لأسباب تتعلق بصعوبات نقله إلى مناطقهم «وتعرضه للسرقة أحياناً من قطاع الطرق والمهربين». وأعلنت السلطات التنفيذية في مدينتي غات وسبها بالجنوب الليبي، عن نقص في الوقود بسبب عمليات الإغلاق الواسعة للمحال والأسواق بعد الساعة السادسة مساءً، كما نقلت وسائل إعلام محلية عن أسامة المجبري، رئيس لجنة الخطة الأمنية، التابعة لمديرية أمن سبها، أن المدينة تعاني من نقص الوقود.
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط بياناً بالسعات التخزينية لمستودعات الوقود في عدد من المدن الرئيسية، مؤكدة أنها لا تزال قادرة على توفير كميات كافية من المحروقات، وتوزيعها على كافة الليبيين، بما فيها المناطق الشرقية، رغم الإغلاق «غير القانوني» لمنشآت إنتاج النفط وتوزيعه. وقالت إن مستودعات مدن طرابلس وسبها وطبرق خلت من البنزين، بينما يتوفر في مستودعات كل من مصراتة والزاوية وبنغازي، بما يكفي لـ19 يوماً، ويومين، و7 أيام، على التوالي. أما بالنسبة لتوفر الديزل، فقد أشارت مؤسسة النفط إلى أنه متوفر في مستودعات الزاوية ومصراتة وطبرق بما يكفي لمدة أربعة أيام، وثلاثة أيام، ويومين، على التوالي، بينما خلت منه مستودعات طرابلس وسبها.
وعلى هامش معاناة الليبيين في البحث عن علاج ووقود، تعاني بعض المناطق على أطراف العاصمة من انقطاع في التيار الكهربائي، بسبب تعرض آلاف الكيلومترات من أسلاك التيار للسرقة من العصابات التي تستهدف الشبكة المترامية في أنحاء ليبيا دون رقابة كافية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.