سيمبوزيوم أسوان الدولي للنحت يحتفل بيوبيله الفضي

9 فنانين أضافوا لمسة جمالية خاصة له واختزلوا مسيرته في ربع قرن

وزيرة الثقافة المصرية د. إيناس عبد الدايم مع أحد الفنانين
وزيرة الثقافة المصرية د. إيناس عبد الدايم مع أحد الفنانين
TT

سيمبوزيوم أسوان الدولي للنحت يحتفل بيوبيله الفضي

وزيرة الثقافة المصرية د. إيناس عبد الدايم مع أحد الفنانين
وزيرة الثقافة المصرية د. إيناس عبد الدايم مع أحد الفنانين

بحوارية فنية شيقة، تعانق فيها النحت والطبيعة، احتفل سيمبوزيوم أسوان الدولي للنحت على الغرانيت بيوبيله الفضي، ونجح 9 فنانين شاركوا بهذه الدورة في إضفاء لمسة جمالية واستثنائية على المشهد، بابتكارات واستعارات ولمسات خاصة في معالجة الخامة، شكلت ما يشبه الاختزال لمسيرة السيمبوزيوم الخصبة على مدار 25 عاماً، واستطاعوا بعين يقظة خلق حلول بصرية لافتة وملامس إدراك جديدة لكتلة الغرانيت الصلبة الحادة، رغم ضيق الوقت المتاح لهم لمعايشة التجربة في بيئتها الفطرية، والذي لم يتجاوز أسبوعين، على عكس الدورات السابقة، التي امتد بعضها لنحو شهر ونصف الشهر، كما كان عدد المشاركين أكثر، وهو ما يوسع من فرص الاحتكاك والحوار وتبادل الخبرات الجمالية والثقافية بين الفنانين أنفسهم.
في الدورة السابقة، شارك 15 فناناً من مختلف دول العالم، وكان من المفترض أن تصبح هذه الدورة أكثر احتشاداً وتمثيلاً لكوكبة من أبرز الفنانين الذين شاركوا في الدورات السابقة، لتزامنها مع مرور ربع قرن من عمر هذا المحترف الفني شديد الخصوصية والضارب في عمق الوجدان المصري؛ حيث تمثل الحضارة المصرية بكل تراثها العريق النبع البكر لفن النحت على الحجر.
دكتور فتحي عبد الوهاب رئيس صندوق قطاع التنمية الثقافية المنظم للسيمبوزيوم نفى ما تردد عن تقليص الميزانية المخصصة له، أو أنها كانت السبب في ذلك، وقال إن المشكلة تسببت فيها اعتذارات فوجئنا بها في وقت متأخر لأكثر من 15 فناناً تمت دعوتهم، بعد أن أبدوا تحمساً للمشاركة، وهو ما فرض علينا نوعاً من التحدي، ليخرج بهذه الصورة المشرفة التي فاجأنا بها هؤلاء الفنانون، وفي زمن قياسي بذلوا فيه كثيراً من الجهد بمحبة خالصة لفن النحت.
وحول ضرورة إعادة النظر في استراتيجية السيمبوزيوم، وتوسيع قاعدته وعلاقته بالجمهور والفنانين، خاصة في ظل منافسة شرسة وإغراءات مالية كبيرة، لعدد من منتديات النحت العربية المثيلة، التي تأسست حديثاً، أكد عبد الوهاب أنه للتحضير للدورة المقبلة سوف يضع السيمبوزيوم ذلك على طاولة حوار مجتمعي مفتوح، خاصة في كليات الفنون والمؤسسات الفنية المعنية، لنصل من خلاله إلى تصور محدد لكيفية ضخ دماء جديدة في شرايين السيمبوزيوم، وتوسيع آفاقه والحفاظ على استمراريته وخصوصيته.
يصب في هذا المنحى، ما أكدت عليه وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم، واللواء أشرف عطية محافظ أسوان، في كلمتيهما بحفل ختام السيمبوزيوم الذي احتضنه متحفه المفتوح بصحراء أسوان، مساء السبت الماضي؛ حيث أكد المسؤولان على ضرورة النهوض بهذا المتحف، وعرض مقتنياته بطرق وأساليب متطورة، تحافظ على قيمته الجمالية، وتجعل منه مزاراً متحفياً جذاباً للجمهور.
ويعد هذا المتحف هو الأول من نوعه في العالم، ويمثل مخزوناً بصرياً لأعمال السيمبوزيوم، ويضم حتى الآن ما يقرب من 250 عملاً نحتياً، تنفرد ببنائها الصرحي، وتنوع أحجامها، وعوالمها الفنية، وفضائها المنداح وسط جغرافيا الصحراء بصخورها الطبيعية، حيث حوّلت عوامل التعرية والرياح كثيراً منها إلى مجسمات نحتية طبيعية.
وبين هذه الأعمال منحوتات نفذت داخل المتحف نفسه، نظراً لضخامتها، ولا يبتعد المتحف كثيراً بموقعه الفريد ما بين خزان أسوان القديم والسد العالي عن ورشة عمل الفنانين التي يحتضنها في بهوه الخارجي أحد فنادق أسوان الداعمة للسيمبوزيوم، منذ انطلاقه عام 1996. على يد مؤسسه وصاحب فكرته النحات آدم حنين. وكان لافتاً أن يكرم صاحب هذا الفندق ضمن المكرمين في حفل الختام، من الفنانين المشاركين والعاملين المهنيين المساعدين، وعدد من القائمين على تنظيمه إدارياً.
شكّل السيمبوزيوم على مدار سنواته الخمس والعشرين عطاء متنوعاً ومتميزاً في فن النحت، وهو ما لم يوثقه بشكل جيد الكتيب المرافق لهذه الدورة، مكتفياً بالرصد الإحصائي لعدد المشاركين في تلك الدورات، ولم يسلط الضوء، ولو في دراسة نقدية متخصصة، على أهم الملامح والسمات الجمالية التي ميزت هذه الدورات، وأهم الأساليب والابتكارات الفنية التي صنعها الفنانون، وتبلورت من خلالها خصوصية السيمبوزيوم، وذكر الكتيب أسماء عدد من الميادين والأماكن العامة التي تم عرض بها نماذج من هذه المنحوتات، ولا نعرف على أي أساس أو المعيار الفني تم عليه هذا الاختيار، علماً بأن هناك مسافة ومواصفات تقنية وبصرية بين تماثيل الميادين بإيقاعها التجسيدي المحض، الذي يراعي فيها الفنان عين المشاهد أولاً، وبين أعمال السيمبوزيوم، بإيقاعها التجريدي وتراكيبها البنائية، والتي يراعي فيها الفنان عين الفن في المقام الأول.
نجح فنانو هذه الدورة، وهم إكرام قباج (المغرب) تون كال (هولندا) حسن كامل (مصر) سعيد بدر (مصر) شمس القرنفلي (مصر) علي نوري (العراق) ناثان دوس (مصر) هاني السيد (مصر) هشام عبد الله (مصر)، في خلق مساحات للضوء في تجاويف المجسم النحتي، ليلعب داخل الكتلة، ويتنفس هواءها، حتى على السطوح غير المستوية، ساعدت على ذلك طبيعة طقس أسوان وشمسها الدافئة الساطعة بصفاء على مدار ساعات النهار. الأمر الذي أغرى النحات ناثان دوس، الذي يشارك للمرة الثالثة، أن يجعل عمله الفني على هيئة لوحة نحتية تذكارية من الغرانيت الوردي، حفر عليها شعار السيمبوزيوم وتاريخ تأسيسه، وثبت في أفقها العلوي ساعة شمسية تعكس مرور الوقت على هذه الدورة، ولحظة الاحتفال باليوبيل الفضي. إنها حالة من التوثيق البصري مستمدة من روح التراث المصري في استخدام تقنية الساعات الشمسية لتقدير الوقت من خلال ثقب يحمل قطعة خشبية أو معدنية صغيرة مستقيمة، يحرك ظلها بقوة ضوء الشمس.
ولعب الفنانان؛ المغربية قباج، والعراقي علي نوري، على مجسم التفاحة بقطعتين من الغرانيت الأسود، شقتها قباج من الوسط، لخلق نوع من التوازن بين الثقل والخفة، وكأنها تتخفى في شكل طائر على وشك التحليق ومغادرة قاعدته المثبت عليها، ولا يخلو التكوين والرؤية من حس بروحانية الخامة، بينما سعى نوري إلى تثبيت الكتلة بسمتها الواقعي، مركباً عليها قطعة هيكلية أخرى لإنسان بلا ملامح، مهوِّشاً جزأه العلوي بطبقة مصمتة من الغرانيت، في مقابل جزئه السفلي الواضح الملامح، وهو تصور نابع من رؤية الفنان للعولمة، التي تسعى إلى تسليع الإنسان، وجعله كياناً مصمتاً بلا عقل وروح... ظلال فكرة التحليق شكلت شغف سعيد بدر في عمله المركب على شكل وردة تستعد للتفتح، والمثبت على قاعدة طويلة مستقيمة، ينهض العمل على التوازن ما بين القاعدة والارتفاع، في ظلهما تبرز رؤية الفنان، التي تشي بأن ثمة طائراً يتوق للطيران والانعتاق من جاذبية الأرض، لكنه لا يحتاج فقط للاتزان، إنما للرعاية والحراسة معاً.
ومن الأشياء اللافتة إشاعة جو من روح المرح والضحك في عدد منها، فقد حرص شمس الدين القرنفلي على الدمج بين فن الرسم والنحت في عمل من أبرز الأعمال النحتية في هذه الدورة؛ حيث جعل الواجهة على هيئة وجه إنسان له سمت فرعوني منساب بسلاسة وحيوية وعلامات ورموز دالة، تبرز في تظليل الشفتين والذقن بالأسود المنسوج من طبقة النحت نفسها، كما تنساب الخلفية على هيئة فك ثعبان الكوبرا، أحد رموز الحيوانات المقدسة في التراث الفرعوني.
وبلغ المرح أفقاً إنسانياً شديد الطزاجة في عمل حسن كامل؛ حيث كسر حياد الكتلة وصمتها بحلول بصرية شديدة البساطة، وجعل العينين المبهمتين في واجهة الكتلة - البورتريه، وكأنها ضحكة مخبوءة، يتردد صداها بنغمية شجية مع حركة الشفتين البارزة في المجسم، وهو ما يكشف عمقاً في الرؤية لعلاقة الإنسان بذاته والحياة من حوله... في هذا السياق، جاء عمل الفنان الهولندي تون كال «كيف تطهو قمراً»، مجرد كتلة من الأعلى ليكون لها ملمس ناعم، يشبه استدارة القمر، وملمس إناء طهو كبير، ووضع المجسم على بعض دعامات صخرية يتناثر حولها الحصى، وكأنها موقد ينتظر الاشتعال فوق سطح الأرض، في إشارة رمزية إلى أن مصيرها وما يجتاحها من كوارث أصبح يشبه عبثياً عملية طهو قمر، حتى يستيقظ من نومه ويصبح مصدراً للنور والأمل.



السعودية تحتفي بإبداعات الثقافة العراقية في مهرجان «بين ثقافتين»

يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)
يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تحتفي بإبداعات الثقافة العراقية في مهرجان «بين ثقافتين»

يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)
يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)

تحتفي وزارة الثقافة السعودية بنظيرتها العراقية في النسخة الثانية من مهرجان «بين ثقافتين» خلال الفترة من 18 إلى 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل في «ميقا استوديو» بالرياض، لتقدم رحلة استثنائية للزوار عبر الزمن، في محطاتٍ تاريخية بارزة ومستندة إلى أبحاث موثوقة، تشمل أعمالاً فنيّةً لعمالقة الفن المعاصر والحديث من البلدين.

ويجوب مهرجان «بين ثقافتين» في دهاليز ثقافات العالم ويُعرّف بها، ويُسلّط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين الثقافة السعودية وهذه الثقافات، ويستضيف في هذه النسخة ثقافة العراق ليُعرّف بها، ويُبيّن الارتباط بينها وبين الثقافة السعودية، ويعرض أوجه التشابه بينهما في قالبٍ إبداعي.

ويُقدم المهرجانُ في نسخته الحالية رحلةً ثريّة تمزج بين التجارب الحسيّة، والبصريّة، والسمعية في أجواءٍ تدفع الزائر إلى التفاعل والاستمتاع بثقافتَي المملكة والعراق، وذلك عبر أربعة أقسامٍ رئيسية؛ تبدأ من المعرض الفني الذي يُجسّد أوجه التشابه بين الثقافتين السعودية والعراقية، ويمتد إلى مختلف القطاعات الثقافية مما يعكس تنوعاً ثقافياً أنيقاً وإبداعاً في فضاءٍ مُنسجم.

كما يتضمن المهرجان قسم «المضيف»، وهو مبنى عراقي يُشيّد من القصب وتعود أصوله إلى الحضارة السومرية، ويُستخدم عادةً للضيافة، وتُعقدُ فيه الاجتماعات، إلى جانب الشخصيات الثقافية المتضمن روّاد الأدب والثقافة السعوديين والعراقيين. ويعرض مقتطفاتٍ من أعمالهم، وصوراً لمسيرتهم الأدبية، كما يضم المعرض الفني «منطقة درب زبيدة» التي تستعيد المواقع المُدرَجة ضمن قائمة اليونسكو على درب زبيدة مثل بركة بيسان، وبركة الجميمة، ومدينة فيد، ومحطة البدع، وبركة الثملية، ويُعطي المعرض الفني لمحاتٍ ثقافيةً من الموسيقى، والأزياء، والحِرف اليدوية التي تتميز بها الثقافتان السعودية والعراقية.

ويتضمن المهرجان قسم «شارع المتنبي» الذي يُجسّد القيمة الثقافية التي يُمثّلها الشاعر أبو الطيب المتنبي في العاصمة العراقية بغداد، ويعكس الأجواء الأدبية والثقافية الأصيلة عبر متاجر مليئة بالكتب؛ يعيشُ فيها الزائر تجربةً تفاعلية مباشرة مع الكُتب والبائعين، ويشارك في ورش عمل، وندواتٍ تناقش موضوعاتٍ ثقافيةً وفكرية متعلقة بتاريخ البلدين.

وتُستكمل التجربة بعزفٍ موسيقي؛ ليربط كلُّ عنصر فيها الزائرَ بتاريخٍ ثقافي عريق، وفي قسم «مقام النغم والأصالة» يستضيف مسرح المهرجان كلاً من الفنين السعودي والعراقي في صورةٍ تعكس الإبداع الفني، ويتضمن حفل الافتتاح والخِتام إلى جانب حفلةٍ مصاحبة، ليستمتع الجمهور بحفلاتٍ موسيقية كلاسيكية راقية تُناسب أجواء الحدث، وسط مشاركةٍ لأبرز الفنانين السعوديين والعراقيين.

فيما يستعرض قسم «درب الوصل» مجالاتٍ مُنوَّعةً من الثقافة السعودية والعراقية تثري تجربة الزائر، وتُعرّفه بمقوّمات الثقافتين من خلال منطقة الطفل المتّسمة بطابعٍ حيوي وإبداعي بألوان تُناسب الفئة المستهدفة، إذ يستمتع فيها الأطفال بألعاب تراثية تعكس الثقافتين، وتتنوع الأنشطة بين الفنون، والحِرف اليدوية، ورواية القصص بطريقةٍ تفاعلية مما يُعزز التعلّم والمرح.

بينما تقدم منطقة المطاعم تجربةً فريدة تجمع بين النكهات السعودية والعراقية؛ لتعكس الموروث الثقافي والمذاق الأصيل للبلدين، ويستمتع فيها الزائر بتذوق أطباقٍ تراثية تُمثّل جزءاً من هوية وثقافة كل دولة، والمقاهي التي توفر تشكيلةً واسعة من المشروبات الساخنة والباردة، بما فيها القهوة السعودية المميزة بنكهة الهيل، والشاي العراقي بنكهته التقليدية مما يُجسّد روحَ الضيافة العربية الأصيلة.

ويسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة تستعرض الحضارة السعودية والعراقية، وتُبرز التراث والفنون المشتركة بين البلدين، كما يهدف إلى تعزيز العلاقات بين الشعبين السعودي والعراقي، وتقوية أواصر العلاقات الثقافية بينهما، والتركيز على ترجمة الأبعاد الثقافية المتنوعة لكل دولة بما يُسهم في تعزيز الفهم المتبادل، وإبراز التراث المشترك بأساليب مبتكرة، ويعكس المهرجان حرص وزارة الثقافة على تعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية المملكة 2030».