«من مصر» يحتفي بتراث وهوية «أرض الكنانة»

معرض للفنان التشكيلي طه قرني في «إبداع»

يضع الفنان طه القرني بين أيدينا تفاصيل دقيقة ومشاهد حية ممتعة من الفولكلور المصري (الشرق الأوسط)
يضع الفنان طه القرني بين أيدينا تفاصيل دقيقة ومشاهد حية ممتعة من الفولكلور المصري (الشرق الأوسط)
TT

«من مصر» يحتفي بتراث وهوية «أرض الكنانة»

يضع الفنان طه القرني بين أيدينا تفاصيل دقيقة ومشاهد حية ممتعة من الفولكلور المصري (الشرق الأوسط)
يضع الفنان طه القرني بين أيدينا تفاصيل دقيقة ومشاهد حية ممتعة من الفولكلور المصري (الشرق الأوسط)

لوحات تشكيلية مميزة «من مصر» تلخّص المخيّلة الشعبية لـ«أرض الكنانة» على مر السنين، تتزاحم على أسطحها مفردات فلكلورية وحضارية هي حصيلة تاريخ طويل وممتد، يقدمها الفنان المصري طه قرني، في معرضه الجديد «من مصر» المقام حالياً بقاعة «إبداع» في حي الزمالك (وسط القاهرة)، وقرني الذي يعد أحد أهم مستلهمي هذا الإرث بكل زخمه، وتنوعه، لا يزال مستغرقاً ومهموماً بكل ما يرتبط بالهوية الوطنية، ونبض الناس في مختف أنحاء البلاد، ليكشف بفرشاته العذبة وعبر مهارته في البناء التصويري المحكم على حيز مرئي ممتد، عن المزيد، والمدهش من مواطن الجمال والإبهار في تراثه وفلكلوره، من قصص بطولية وأشعار وقصائد وأساطير وحرف وفنون يدوية وأمثال ومفاهيم خرافية، وقصص الجن الشعبية، والأساطير.
كما تعثر في لوحاته على الفنون والحرف، والرقص واللعب، والاحتفالات والأعياد الدينية وعناصر حياتية مثل «اليشمك والطربوش والبيشة»، وغير ذلك من روائع تسكن إرث مصر، وتستقر بهدوء في وجدان الفنان وضميره، الذي يرى أعماله في المعرض «مرحلة جديدة من مشروعي الفني، أحاول عبرها الوصول إلى الجذور المصرية، حتى أجعلها في صدارة المشهد، بل لكي أقدمها للعالم الخارجي أيضاً، لذلك سيكون هذا المعرض حلقة ضمن سلسلة معارض محلية ودولية سوف تحمل الاسم نفسه (من مصر) ستتتبّع جذورنا حتى النخاع».
انطلاقاً من هذا الفكر يتضح لنا أسباب ذلك التواصل الدرامي البارز بين لوحات هذا المعرض فيما بينها من جهة، وبين مجمل لوحات معارضه السابقة، وحتى المقبلة، من جهة أخرى، فهي يستكمل بعضها بعضاً بشكل لافت، يقول القرني في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «سأقدم عادات الناس وتقاليدهم، وما يُعبرون عنه من آراء وأفكار يتناقلونها جيلاً بعد جيل، وسأساهم في جعل التراث الأصيل حاضراً وفي حيز التطبيق، فحتى الآن لم نوثقه ولم نُجرِ حوله الدراسات العلمية الكافية، ولم نعد صياغته وإعادة تقديمه بالشكل الذي يتلاءم مع أهميته وزخمه العظيم».
وإذا كان الفنان طه القرني قد أخذنا عبر معارضه السابقة بسلاسة من خلال عناوين صريحة على غرار «سوق الجمعة»، و«المولد»، و«الزار»، و«عزبة الصعايدة»، في جولات فنية فلكلورية متنوعة، فإنه في معرضه الجديد الممتد حتى 27 فبراير (شباط) الجاري، يتسلل بحنكة وتروٍّ وخفة بين ثنايا النسيج المصري، ليضع بين أيدينا مشاهد حية ممتعة وتفاصيل دقيقة برع أن يحاكيها ويحيكها من جديد بخيوط بارزة داخل نسيج بصري مختلف وبلغة أكثر حداثة تجتذب الجمهور وتجذبه لتراثه دون أن يتسرب إليه أي إحساس بالرتابة أو حتى «الاعتيادية» بسبب رؤية بعض منها في واقعه، أو عبر الفنون المختلفة التي تناولتها من قبل.
ولا يمكنك أن تتذوق خصوصية هذا الطرح الفني المغاير في لوحات المعرض بمعزل عن محاولات طه المستمرة التفتيش عن الكنوز المخبّأة في التراث، يقول: «تمتلك مصر كماً هائلاً من التراث الذي يختلف ويتنوع وفقاً للبيئة التي خرج منها من الإسكندرية إلى النوبة ومن العريش إلى سيوة... الموروثات الشعبية والفولكلورية هي لسان الشعب، تتغنى في الغالب بقضايا الطبقة الكادحة، وتعبر عن وجدانها، ولذلك احتفى بالتفتيش داخلها لا سيما ما يمس الشعور الشعبي الجمعي».
زائر معرض «من مصر» سيكتشف أن الشخوص والمفردات في اللوحات هي التي تتفرج عليه وتتحدث إليه وليس العكس، وذلك عبر عيونها اليقظة وحضورها الطاغي بأدق التفاصيل في صياغة فنية متعمدة من جانب الفنان كي يُظهر جماليات التراث والموروثات المصرية في مختلف مناحي الحياة كالسوق والشارع والحارة والحقل والمقهى والبيت وفي أثناء العمل أو الغناء والرقص أو الاحتفال بالأعياد والموالد وسائر الأحداث، ومع مختلف الفئات من الفلاحين والعمال والموظفين والحرفيين والصنايعية. يقول القرني: «حاولت تقديم لغة تشكيلية مغايرة ولغة حداثية إلى حد كبير، مستلهمة من لغة الإنسان المصري، فتلتقي مع الجمهور طوال الوقت؛ لأن من ضمن أهداف مشروعي الفني استقطاب الشارع للفن، الذي أراه حقاً للجميع وليس للصفوة وحدهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التراث، فمن الملاحظ أن الاهتمام بموروثاتنا وتقديمها بصورة عصرية يكاد يكون سمة مميزة لدى النخبة في مصر في الآونة الأخيرة، ما يجعلنا نخشى أن يتحول هو أيضاً إلى حكر عليهم، يستمتعون وحدهم بمكامن الجمال والأصالة فيه».



مهرجان «شاشات الواقع» في دورته الـ19 بانوراما سينما منوعة

من أفلام شاشات الواقع «النهار هو الليل» لغسان سلهب (المكتب الإعلامي للمهرجان)
من أفلام شاشات الواقع «النهار هو الليل» لغسان سلهب (المكتب الإعلامي للمهرجان)
TT

مهرجان «شاشات الواقع» في دورته الـ19 بانوراما سينما منوعة

من أفلام شاشات الواقع «النهار هو الليل» لغسان سلهب (المكتب الإعلامي للمهرجان)
من أفلام شاشات الواقع «النهار هو الليل» لغسان سلهب (المكتب الإعلامي للمهرجان)

كان من المقرر إقامة مهرجان «شاشات الواقع» من قبل جمعية «سينما متروبوليس» في سبتمبر (أيلول) الفائت، لكن الحرب دفعت بمنظميه لتأجيله حتى موعد آخر.

اليوم وبعد افتتاح سينما «متروبوليس» في منطقة مار مخايل ببيروت، قرر المشرفون على المهرجان إطلاقه من 10 لغاية 21 يناير (كانون الثاني) الحالي.

نحو 35 فيلماً وثائقياً طويلاً وشرائط سينمائية قصيرة، يتألف منها برنامج عروض المهرجان. ويتميز هذه السنة بحضور كثيف لصنّاع السينما اللبنانيين. ويبرز فيها أسماء مخرجين صاعدين ومحترفين، وغالبيتهم تشارك في أوقات عروض أفلامهم شخصياً. ويلي كل عرض حلقات نقاش يستفيد منها الحضور لتلقّي أي جواب على أسئلتهم.

وتقول المشرفة على مهرجان «شاشات الواقع» نسرين وهبي، إن هذه الدورة التي تحمل رقم الـ19 منوعة. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «ميزة الدورة هو تدشينها أول النشاطات الكبرى في سينما (متروبوليس) التي افتتحناها مؤخراً. ففي الماضي القريب كنّا نتنقل بين صالات لبنانية مختلفة لتنظيم المهرجان. أما اليوم فصار للمهرجان عنوان واحد يختصر المسافات بالنسبة لروّاده».

تشير وهبي في سياق حديثها إلى أن الحضور اللبناني يبرز في هذه الدورة. ويوجد فريق خاص مهمته اختيار الأفلام المعروضة. وتتخلل هذه البانوراما السينمائية المنوعة والغنية أعمال عالمية.

وبالتعاون مع مهرجان «ريف» السينمائي البيئي، ومع مخرجين حققوا نجاحات باهرة في عالم السينما، تتوزع عروض المهرجان.

فيلم الختام للمهرجان «نحن في الداخل»

يُفتتح المهرجان بعرض فيلم «رسائل»، من فكرة وإنتاج جوزف خلّوف في عام 2023 خلال الحرب على غزّة، فاجتمع 18 مخرجاً لبنانياً للتعبير عن مشاعرهم عبر رسائل تبادلوها وحولوها إلى أفلام قصيرة. واكتمل العمل على هذه الأفلام في أواخر مايو (أيار) 2024، من دون إدراكهم بأن العدوان الشامل كان يتجه نحوهم. وليصبح لبنان الهدف التالي للدمار.

أما فيلم الختام، فعنوانه «نحن في الداخل» للمخرجة فرح قاسم. ومعه وبعد غياب 15 عاماً تعود إلى لبنان للعيش بقرب والدها المتقدم بالعمر. ويحاول الاثنان العثور على لغة مشتركة تسمح لهما بإجراء محادثة أخيرة. في النهاية، يتضح أن اللغة الوحيدة التي يفهمها هي الشعر. حصل الفيلم على تنويه خاص في مهرجان «Vision du Réel 2024»، ونجمة الجونة الذهبية للفيلم الوثائقي وجائزة «NETPAC» في مهرجان الجونة السينمائي.

«الواقع الافتراضي» تجربة مختلفة

من العروض الجديدة التي يتبناها «شاشات الواقع» في دورته الـ19 فيلم «نحلم بلبنان». وهو شريط يكرّم لبنانيين تربطهم علاقة وثيقة بوطنهم. ويعدّ من نوع الواقع الافتراضي لسينتيا صوما ومارتن واهليش. وتؤكد صوما في حديث لـ«الشرق الأوسط» بأن التجربة كانت جديدة عليها، وقد استغرقت نحو عام كامل لتنفيذها. وعن ميزة هذا الشريط تقول: «تم استخدام عدة تقنيات سينمائية مستحدثة. فتوضيبه يدخله فن (الرسوم المتحركة) وتقنية الـ360 وأخرى تعرف بـ(رباعية الأبعاد). وهذه الأخيرة تتيح لمشاهده الشعور وكأنه يجلس مع أبطاله مباشرة». ويضع مشاهد هذا الفيلم نظارات خاصة لمدة 30 دقيقة مدة العمل. وتنقسم موضوعاته على 10 دقائق لكل من أبطاله الذين يأخذوننا بجولة في مناطق لبنانية. وتوضح سينتيا صوما: «3 أبطال من طرابلس والأشرفية وصيدا يجسدون قصة الفيلم. الأول اسمه رفيق، فنان ومختص بالصحة النفسية. والثانية هي جوزفين التي حوّلت محطة بنزين إلى مطبخ جماعي بعيد انفجار بيروت. والثالثة بتول وهي من مدينة صيدا، حيث افتتحت مختبراً صديقاً للبيئة».

«نحلم بلبنان» أول تجربة من سينما الواقع الافتراضي

الفيلم من نوع «في آر» (VR)، ويشكّل مبادرة أطلقتها الأمم المتحدة من خلال خلية «unschool» و«الأونيسكو».

ومن الأفلام المعروضة في المهرجان «داهومي» (Dahomey) الذي فاز بجائزة «الدب الذهبي» في مهرجان برلين السينمائي 2024. ويحكي عن كنوز وآثارات تم تهريبها من مملكة داهومي الأفريقية. وقد تحولت اليوم إلى جمهورية بنين، فيسود الجدل بين طلاب جامعة «أبومي - كلافي» لإيجاد الطريقة المناسبة لإعادتها إلى أرض الوطن.

ومن النشاطات والعروض التي يتضمنها «شاشات الواقع» لقاء سينمائي مع المخرج غسان سلهب، إضافة إلى عرض سينمائي، ترافقه موسيقى حيّة من أداء سينثيا زافين ورنا عيد، بعنوان «فلسطين سردية منقّحة».

وتحضر برمجة خاصة حول التنوّع البيولوجي بالشراكة مع منظمي مهرجان «ريف» البيئي.

وبالتعاون مع «المركز الثقافي الفرنسي» يتم عرض بعض الأفلام في سينما «مونتاين» التابعة له. ومن الأفلام الوثائقية البارزة في المهرجان «باي باي طبريا» للينا سويلم. وتحكي فيه عن مقاومة نساء فلسطين عبر الزمن. أما فيلم «بنات ألفة» لكوثر بن هنية فيشارك أيضاً في المهرجان، ويحكي قصة ألفة التي تتولى رعاية 4 بنات. وتنقلب حياتها رأساً على عقب حينما تختفي اثنتان من ابنتيها في ظروف غامضة.