«الفيلسوف الجديد» بإطلالة عربية... ما معنى الحياة؟

ساهم فيها معنيون بالفكر الفلسفي من مختلف أنحاء العالم

«الفيلسوف الجديد» بإطلالة عربية... ما معنى الحياة؟
TT

«الفيلسوف الجديد» بإطلالة عربية... ما معنى الحياة؟

«الفيلسوف الجديد» بإطلالة عربية... ما معنى الحياة؟

لتدشين النسخة العربية من مجلة «الفيلسوف الجديد» (NewPhilosophe) قرر فريق منصة «معنى» للنشر والتوزيع، باعتبارها الوكيل الرسمي للمجلة، ترجمة العدد الصادر بعنوان «ما معنى الحياة؟»، ليكون باكورة إنتاجها. واشتمل العدد الأول على جرعات فلسفية خفيفة، تمثلت في مقالات وحوارات ومقولات ولافتات ورسوم بيانية، وذلك ضمن إخراج بصري جاذب، ومنظومة صور محقونة بالدلالات؛ حيث افتتح العدد بمقالة تساؤلية قصيرة عن الحياة لمحرر المجلة زان بواغ، استعرض فيها احتمالات المعنى الموزع ما بين اللطافة مع الناس، وتناول الغذاء الصحي، والاهتمام بالقراءة، والعيش بسلام مع كافة الشعوب والطوائف. وهو سؤال - بتصوره - ليس حكراً على الفلاسفة؛ بل يمكن أن يتورط فيه فصيل من الأطفال والمراهقين المنفطرة قلوبهم والمسنين، من دون الاتفاق على جواب، فالمعنى ليس في الحب تماماً ولا في تعلُّم الموت، وربما لا يوجد ذلك المعنى أصلاً، إنما المهم عدم التفريط في الوقت الذي تمنحنا إياه الحياة.
المجلة محررة بكتيبة من الأساتذة المعنيين بالفكر الفلسفي من مختلف أنحاء العالم؛ حيث يثير ميشيل دي مونتين في مقاله الإحصائي «النمو الأُسي» السؤال المرعب عن وتيرة النمو السكاني، وعن مقدار ما تبقى من طاقة الأرض الاستيعابية للبشر، بينما يعالج أوليفر بيركمان في مقاله «السعي وراء معنى الحياة» صناعة السعادة الحديثة، كما يستخلصها في ازدهار الإنسان عوضاً عن المتعة. أما كلاريسا سيباج - مونتيفور فتتحدث في مقالتها «الانقراض السادس» عن انقراض جماعي للأرض من خلال الزوال الحيواني الهائل. كذلك يناقش باتريك ستوكس معنى الحياة في مقالته «عش حياتك»، من منطلق أننا لا نعيش حياتنا فحسب؛ بل نقودها، فهي ليست مجموعة تفاصيل؛ بل هي شيء نصنعه.
وفي مقالتها «الإنجاب للاختلاف» تقرر ماريانا آليساندري أن الإنجاب يعني مواجهة النتيجة العرضية المخيبة للآمال في الحياة، وهي الاختلاف؛ حيث تسرد قصة معركتها مع ابنها حول تناول اللحوم، وتخليها عن فكرة الابن المثالي، وميلها إلى إمكانية إظهار الحب لمن نحب من دون قتله أو افتراسه. أما نايجل واربورتون فيرجح فكرة استيعاب الحياة من خلال الاستعداد للتفكير في الموت، وذلك في مقالته «التفكُّر في موتك نهاية الحياة الحتمية»؛ إذ يستنكر هاجس الخلود المضجر، والتصالح مع قدر الموت في أي لحظة، بينما يربط توم تشاتفيلد بين «الحب والموت» في مقالة بالعنوان نفسه، على افتراض أن التكاثر والموت أهم استراتيجيات التطور، إذ إننا نعيش، ثم نحب، ثم نموت. كذلك يتساءل ماسيمو بيغيلوتشي في مقالة بعنوان «كيف تعيش حياة الرواقيين؟» عن ماهية الحياة التي تستحق العيش. وهي - بتصوره - تلك التي تجعلك حين تنظر إلى الوراء تفكر أن ما عشته كان أمراً جيداً.
كذلك يجادل تيم دين في حالة اعتدادنا بأنفسنا، بالنظر إلى كوننا الكائنات الوحيدة العاقلة والمتطورة في هذا الفضاء الشاسع، وذلك في مقالته «البحث عن حياة فضائية»؛ إذ بمقدورنا اكتشاف الحياة من خلال تحديقنا في فراغ الفضاء الفاني. وهذا هو ما يدفعنا للإيمان بالله وبمخلوقات أخرى لملء الفضاء. كما يعالج ماثيو بيرد مسألة التناقض ما بين سلوك الفرد ومعتقداته، في مقالة بعنوان «معضلة أخلاقية»، مؤكداً على وجود ذلك التناقض الحاد داخل الذات التي تصدر تناقضاتها للآخرين. كذلك يحذر أندريه داو في مقالة بعنوان «روبوتات قاتلة» من خروج الروبوتات عن السيطرة الإلكترونية، وعدم امتثالها للقانون الدولي الإنساني، وذلك في سياق الحرب الحديثة.
وفي مقالة مشتركة لديريك فان زيل سميث وكاثرين آبلتون بعنوان «العقوبة القصوى»، يطالب الكاتبان بتقنين عقوبة السجن المؤبد لتتوافق مع حقوق الإنسان، لإتاحة الفرصة للسجناء لإعادة تأهيل أنفسهم، مهما قيل عن تلاشي الأهمية الرمزية لسلطة الدولة. كما يعالج دامون يونغ في مقالته «حياة وحشية» علاقة الروح بالجسد، ومعضلة كوننا نحس ونشعر ونفكر، فنحن لسنا مجرد أشياء تفكر. كذلك يستعرض تيم كامبل في مقالته «متروكون لأجهزتنا» أثر التقنية على حياتنا؛ حيث التحديق في الشاشات والبدانة وعدم النوم، والعيش تحت وطأة ثقافة الاتصال. أما مقالة أنجل سميث «دروس اللغة» فتدور حول أمان اللغة الأم، مقارنة بما تتيحه اللغات الأخرى من ترحيل الذات ثقافياً.
يشتمل العدد أيضاً على عدد من الحوارات. ففي حوار لريكي جيرفيس مع زان بواغ يوجه له ثلاثة عشر سؤالاً خاطفاً حول الشك والسعادة والوهم، ومعنى الحياة بطبيعة الحال. كما يحاور زان بواغ أيضاً هيلين كالديكوت حول «نهاية الحياة على كوكب الأرض»، تحدثت فيه عن الأخطار النووية، مستنكرة ذلك السباق الأحمق لصناعة القتل على حساب انعدام نظام الرعاية الصحية. كذلك هناك حوار لنايجل واربرتون مع غالين ستراوسن حول «فهم الحياة»، تحدث فيه عن الذاكرة كجزء من الهوية وكمعيار لها، وعن أهمية عدم النظر إلى الذات كسردية واحدة؛ بل كأجزاء ومقتطفات، وضرورة فهم أنفسنا على نحو سردي، كما يقترح الفلاسفة.
كذلك يحتوي العدد على مقطع من كتاب «إنساني مفرط في إنسانيته»، لفريدريك نيتشه، بعنوان «قيمة الحياة» وذلك من اختيارات المحرر، على اعتبار أنه يجادل قيمة الحياة كما تتراءى لدى الإنسان العامي العادي؛ من حيث إحساسه بأهميته التي تفوق أهمية العالم. إلى جانب مقطع من مسرحية ويليم شكسبير «كما تشاء»، وهو بعنوان «أعمار الإنسان السبعة»، يتحدث فيه عن كون العالم مسرحاً والناس فيه ممثلون، من خلال دراما من سبعة أجزاء، تعادل عمر الإنسان، الطفولة حتى الشيخوخة التي يصبح فيها فاقداً لكل شيء. وأيضاً هناك مقطع للوكيوس أنايوس سينيكا بعنوان «الحياة طويلة إن عرفت كيف تستخدمها»، يتحدث فيها عن قصر عمر الإنسان مقارنة بما يحلم به من خلود، وذلك بسبب سوء استخدام العمر؛ حيث يبدو الجزء الحقيقي الذي يعيشه الإنسان أقصر مما يتخيل، مستشهداً بمقولة أبقراط: «الحياة قصيرة والفن أطول». وبما يشبه الاستراحة ما بين المقالات، تظهر صفحات استرواحية تحتوي على مقاطع قصيرة، لآرثر شوبنهور، وماركوس طوليوس شيشرون، وبرتراند راسل، وريتشل كارسون، وآخرين، مختارة بعناية لاستظهار وجهة نظر الفلاسفة حول الحياة ومعناها من الوجهة الفلسفية، في محاولة للإجابة على الكيفية التي يمكن بها أن نحيا حياة ذات معنى، والاهتداء إلى نقطة البداية. كما توجد محطة لمقولات فلسفية أقصر، لجان بول سارتر، وويليام جيمس، وسقراط، وجوزيف كامبل، وابن سينا، وغيرهم، حول المرايا المتعددة للنظر إلى معنى الحياة. بالإضافة إلى إسهامات عدد من نخبة اللحظة، كالطبيب الهندي تيمور خان، والفيلسوف المجري تيم كارنيه، والمحامية الأسترالية جستين بون، والفيلسوفة النرويجية ليل أنجوم، وغيرهم ممن عبروا عن وجهة نظرهم بكلمات قليلة عن معنى الحياة.
إنها مجلة تشبه اللحظة المعاصرة، بما تحتويه من موضوعات مطروحة للتداول الإعلامي اليومي، وإن لم تفقد صلتها بأسئلة الفلسفة الغليظة، حول العدالة والخير والشر والمنطق واللغة، حتى البعد التبسيطي للفلسفة الذي تطرحه يظل مشدوداً لأسئلة الإنسان الكبرى، فعندما يُسأل أليكس هايندز عن معنى الحياة يجيب: «كتب جيدة وقهوة سوداء»؛ حيث تخفي هذه الإجابة الخاطفة توقاً فردياً لإشباعات تبدو صغيرة؛ لكنها حاسمة عندما يتعلق الأمر بمفاهيم الإرادة والنظرة إلى العالم؛ لأنها متأتية من ذات راغبة وقادرة على توطين نفسها على خط الزمن. ولذلك تبدو خطوة منصة «معنى» بترجمة المجلة إلى اللغة العربية موفقة؛ لأنها لا تنقل ملفوظات المجلة وحسب؛ بل هواجس الإنسان المعاصر، وآليات تفكيره الفلسفي في الوجود، كما تعرِّف الإنسان العربي على المحطة الفلسفية التي ينطلق منها الآخر في علاقته بالكون، ومتغيرات الحالة البشرية.
- ناقد سعودي



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».