«ماذا يريد مقتدى الصدر؟» السؤال الخاطئ في العراق!

تحوّل من «المشاركة في الإصلاح» إلى «حصار» الاحتجاجات

«ماذا يريد مقتدى الصدر؟» السؤال الخاطئ في العراق!
TT

«ماذا يريد مقتدى الصدر؟» السؤال الخاطئ في العراق!

«ماذا يريد مقتدى الصدر؟» السؤال الخاطئ في العراق!

«ماذا يريد مقتدى الصدر؟». استخدِم هذا السؤال الاستفهامي على نطاق واسع للتعبير عن الحيرة من تحولات زعيم التيار الصدري في العراق، في حين أن صياغته الناقدة، تشير إلى سؤال آخر: «ما الذي خسره الصدر؟».
وما «يريده» الصدر منذ انخراطه في العملية السياسية وصولاً إلى ما يقف عليه اليوم، هو محصلة تأثيراته في النظام السياسي والتي قد تبدو متناقضة، لكنها تسهم إلى حد كبير في محاولات تعريف الحركة الصدرية في العراق.
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، شكّل الصدر مجموعة «القبعات الزرق» بالتزامن مع اندلاع الاحتجاجات في العراق، وفي فبراير (شباط) الحالي قرر حلها، بالتزامن مع مساهمتها في قمع هذا الحراك، والقرار، كما يبدو، بأن يخسر الصدر عدداً من أوراقه السياسية، ليكون واضحاً أكثر.
قد يسهل القول إن الصدر هو مجموعة من «تشكيل وحل» لأدوات تتداخل في المشهد السياسي والأمني، وطوال السنوات الماضية بات ينظر إلى هذه الإجراءات «الصدرية» على أنها تكتيكات للتكيّف، أكثر من كونها استراتيجية سياسية، بمعنى أنه يربح من التكتيك ويخسر على المدى الطويل.
كل شيء بدأ بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد، وكان واضحاً أن الفصائل الشيعية في العراق وجدت نفسها في لحظة استقطاب إيرانية حادة، ولم يكن لأحد أن يُغرد خارج السرب.
في 3 يناير (كانون الثاني) الماضي، وفي تغريدة نعي سليماني، أوعز الصدر لفصيلين تابعين له بـ«الاستعداد لحماية العراق». والفصيلان هما «جيش المهدي»، المجمّد أصلاً منذ عام 2007، و«لواء اليوم الموعود»، وهو فصيل مسلح تابع له يحمل شعار «لبيك يا محمد» وتشكل بعد عام واحد بعد تجميد «جيش المهدي»، وكلاهما يحملان عقيدة «مقاومة المحتل». لم تشر تلك التغريدة إلى «سرايا السلام»، الفصيل المسلح الثالث الذي انحصر دوره في عمليات عسكرية ضد «داعش». وهذا يعني أن الصدر يخرج ورقة يناور فيها ويحتفظ بورقة أخرى لتفادي الخسائر فيما لو فُرضت عليه، لكنه تكبدها بالفعل.
وبتأثير لحظة الاستقطاب تلك، انقلب الصدر على حركة الاحتجاج باستخدام مجموعة «القبعات الزرق» التي يقول كل من في التيار الصدري إنها غير مسلحة، وانضم أيضاً إلى الفريق الذي يتهم الاحتجاج بالعمالة الأجنبية، ويحاول تفكيكه بفرز «المخربين»، وهو سوط استعملته القوى المتنفذة لجلد الحراك وتحييده.
لاحقاً أفرغت ساحات احتجاج بالقوة في عدد من مدن الوسط والفرات الأوسط، وأظهرت مقاطع فيديو تداولها ناشطون أصحاب «القبعات الزرق» وهم يعتدون على المتظاهرين ويحرقون سرادقهم، فيما تحدث ناشطون عن قيام مسلحين يشتبه بانتمائهم لهذه المجموعة، بطعن طلبة متظاهرين في العاصمة بغداد.
ظهر الصدر خصماً للاحتجاج فاختفى الآخرون. ظهرت الهراوة فتراجع القنّاص والغاز المسيل للدموع. الصدر ذاته انقلب على نفسه فاستبدل «الثائر» و«المصلح»، كما كان يغرد، من خلال «المقاوم» و«المواطن». وفي كل تحوّل أو «انقلاب» يتبادل رجالاته أدوار الصعود والنزول، وفي الآونة الأخيرة اختفت قيادات كانت توصف بالاعتدال، مثل جعفر الصدر وأمير الكناني وضياء الأسدي، ليرتقي السلم آخرون راديكاليون أو يدّعون ذلك مثل أبو دعاء، المعاون الجهادي. وكأن الصدر يُخرِج ملاكماً لكل جولة. وتفيد معلومات بأن مقربين من الصدر تعذر عليهم التواصل معه، وكانوا يرغبون في الحصول على تفسيرات بشأن خطواته الأخيرة، وظهر لاحقاً أنه حصر قنوات اتصالاته بعيداً عنهم، ربما لـ«رفع الحرج»، بالتزامن مع ما قيل إن انقساماً حدث داخل عائلة الصدر، لا سيما أولئك الذين عارضوا تدخل «القبعات الزرق» بالنحو الذي سمح به زعيم التيار.
وكان الصدر هو نفسه يشكل هويته ويحلها أو يجمدها. ومع إخلاء ساحات احتجاج في عدد من المدن، صعدت القوى السياسية الشيعية على التل تراقب الصدر يلعب دورهم، وربما أرادوه أن يسقط، بينما هو حاول أن يستغل تحويل مركزه من «المشاركة في الإصلاح» إلى «وأده»، كي يعيد صياغة موازين القوى الشيعية بالسيطرة على المشهد.

- ما الذي تغيّر في الصدر؟
حاول الصدر منذ صعود نوري المالكي إلى الواجهة أن يرسم لنفسه خطاً سياسياً يحفظ توازن الرعب داخل المنظومة السياسية. لقد أطلق مساراً جديداً في الأداء السياسي الشيعي بدأ بفرز المحافظين الشيعة وقص موارد نفوذهم. وشارك في الحركات الاحتجاجية التي سبقت نسخة 2019، وصار رقماً صعباً لم تتشكل حكومة بعد المالكي من دونه، لكنه ومنذ مواجهته المحافظين صار كما يبدو على طرف نقيض من المصالح الإيرانية.
ووجد الرأي العام أن الصدر جامع للتناقضات؛ فهو شريك في الحكومة متظاهر ضدها، يجمّد الأذرع المسلحة لكنه يعيدها إلى الحياة، يتحالف مع القوى المدنية ثم يتخلى عنها وينكر عليها مبادئ أساسية مثل حرية التعبير، فهو بهذا المعنى «شريك وخصم» في آن.
والحال، أن الصدر لا يجمع التناقضات بل يتصرف بطريقة مركبة ليحقق مكاسب أكبر، وعلى الدوام كان ينجح في ذلك لكن الاحتجاج صدم الصدر أنه ليس الفاعل الوحيد، وفيما لو تمكن من خصومه السياسيين فإنه اكتشف أن حساباته بشأن قوة الاحتجاج من دونه كانت خاطئة تماماً.
في 24 يناير الماضي، انسحب «الصدريون» من ساحات الاحتجاج بعد تغريدة لمقتدى الصدر. وقال القيادي في كتلة «سائرون»، حاكم الزاملي، إن «المتظاهرين سيغادرون الساحات، وجلهم يقدمون المؤن هناك، لأن زعيم التيار الصدري يعاتب المتظاهرين». وظهر الأمر «رومانسياً» بين الصدر والساحات، فقط لأنه تلقى انتقادات من المتظاهرين، لكن الوقائع تشير إلى «أجندة» سياسية تتجاوز مسألة شخصية، حتى لو كانت واحدة من الدوافع.
ما تغير في الصدر أنه لم يتغير، إنه فقط يلعب بورقة وحيدة ليتخلى عن مناوراته التي عُرف بها طوال السنوات العشر الماضية، فحالة الاستقطاب التي تلت مقتل سليماني أضعفت من خياراته.
تجرد زعيم الكتلة الشعبية والسياسية الكبيرة من أسلحته وبقي يناور بهويته الأصولية، ويغرد معبراً عن ذلك: «منع الاختلاط بين الجنسين في الساحات»، و«عدم تدخل المظاهرات في التعيينات»، في إشارة إلى تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة.
وتشير «أصولية» الصدر إلى رغبته في التحكم بالمشهد الشيعي العراقي، بل وإحلال نفسه محل الرمزيات التي ولدها الاحتجاج، في مقاربة محسوسة بآلية «ولي الفقيه» من دون إعلانها. ففي الأول من الشهر الحالي، سيطر أتباع التيار الصدري على بناية المطعم التركي، وأزالوا كل آثار الاحتجاج منها، وحولوها إلى موقع يعبر عن رغبة التيار في صدارة أي محرك للتغيير. وأحيت تلك «الأصولية» صورة التيار الذي يقصي مخالفيه، يلاحقهم ويحرض ضدهم، ويفترض أن الجمهور الشيعي إن لم يكن «صدرياً» فإن عليه أن يكون «طائعاً». وفي الغالب، فإن الصدر اليوم لم يعد ذلك الزعيم الذي يحتفظ بأوراق لعب متعددة تحت عباءته، بعد أن أعاد تعريف نفسه من جديد.
ألغى الصدر الحالة الصفرية بين الفرقاء، حتى داخل المنظومة السياسية الشيعية، على طريق احتكاره الحلول والمبادرات، وهو يقدم من خلال أدائه السياسي في الشهر الأخير مجموعة مؤشرات عن أنه الوحيد القادر على إنهاء صداع الاحتجاج وحماية النظام من الانهيار، لكنه يفهم أن المتصدي لهذه المهمة سيحصل على «الجائزة الكبرى».

- الاحتجاج يرهق الصدر
عملياً، صمد الحراك الشعبي في ساحات الاحتجاج من دون أتباع الصدر. ويبدو أن ذلك لم يكن في أسوأ حساباته؛ فهو يتحكم بكتلة بشرية لا يستهان بها من جمهور هذا التيار. لكن عبارة «التيار الصدري» خرجت من كونها الثابت في مسار هذه الحركة السياسية العقائدية في العراق. فمنذ قرار مقتدى الصدر سحب أتباعه من الساحات وضِعِ الكثير منهم في زاوية حرجة، بعضهم قرر البقاء محتجاً، والآخرون دخلوا حالة الشك بشأن انتمائهم. وفي كل مرة تتعرض الحركة الاحتجاجية إلى انتكاسة ما، ينجح طلبة الجامعات العراقية في إعادة التوازن، وعلى أثر زخمهم في الساحات بدت المناورات الصدرية الأخيرة أقل فاعلية، وفي المجمل يكتشف زعيم التيار الصدري أن الأجندة التي تبناها لم تجد طريقها المعبّد.
أوقف الصدر، أخيراً، مجموعة «القبعات الزرق»، وأمر بسحبها من الساحات وحظر استخدام اسمه وتياره في الاحتجاج، مفترضاً أن الحراك «عدل» عن تخريبه، وقام بتحييد المندسين فيه، لكنه وفي ضوء التغيرات التي فرضها الاحتجاج عليه، تحول إلى فاعل سياسي له ثقله بالفعل، لكنه فقد قدرته على المناورة. وبدا من ردود أفعال النخب العراقية أن الصدر المتناقض أفضل من الصدر الواضح المباشر؛ دخل ساحات الاحتجاج مناوراً، ومع مغادرته فإنه يتراجع ليجد نفسه مُعرّفاً بهوية سياسية غير مركبة، تشبه إلى حد بعيد الفرقاء الذين يقفون في الضفة المقابلة للاحتجاج.



وزير يمني ينفي توقف تصاريح السفن إلى ميناء عدن

سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)
سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)
TT

وزير يمني ينفي توقف تصاريح السفن إلى ميناء عدن

سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)
سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)

نفى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، صحة الأنباء التي تداولتها بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن وقف منح تصاريح دخول السفن إلى ميناء العاصمة المؤقتة عدن، مؤكداً أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، وأنها تندرج في إطار الإشاعات التي تستهدف إرباك المشهد الاقتصادي والملاحي في البلاد.

وأوضح الإرياني، في تصريح رسمي، أنه وانطلاقاً من المسؤولية الوطنية وحرصاً على طمأنة الرأي العام والقطاعَين التجاري والملاحي، جرى التواصل المباشر مع الجانب السعودي للتحقق مما أُثير، حيث تم تأكيد عدم صحة هذه الادعاءات بشكل قاطع، وأن الإجراءات المعمول بها تسير بصورة طبيعية ودون أي تغيير.

وأضاف أن عدداً من تصاريح دخول السفن إلى ميناء عدن تم إصدارها خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، بما يدحض كل ما تم تداوله من معلومات مغلوطة.

وشدد الوزير اليمني على أن ميناء عدن يواصل أداء مهامه وفق الأطر القانونية والتنظيمية المعتمدة، وأن حركة الملاحة والتجارة مستمرة بوتيرة طبيعية.

ودعا الإرياني وسائل الإعلام ورواد المنصات الرقمية إلى تحري الدقة واستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، وتجنّب الانجرار خلف الشائعات التي لا تخدم استقرار البلاد ولا تصب في مصلحة المواطنين أو الاقتصاد الوطني.

وفي هذا السياق، ثمّن الوزير عالياً المواقف السعودية، ودورها الداعم لليمن في مختلف الظروف، وحرصها المستمر على تسهيل حركة التجارة والإمدادات، بما يُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية وتعزيز الاستقرار في المناطق المحررة.

تنسيق حكومي - أممي

بالتوازي مع ذلك، بحث وزير النقل اليمني، الدكتور عبد السلام حُميد، في العاصمة المؤقتة عدن، مع مصطفى البنا المنسق الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أوجه الدعم الذي يقدمه المكتب إلى القطاعات والمؤسسات والهيئات التابعة للوزارة، خصوصاً في مجالات التدريب والتأهيل وبناء القدرات وتوفير الوسائل والمعدات الفنية.

وأشاد وزير النقل اليمني بالدعم الذي قدمه البرنامج الأممي، بما في ذلك توفير وسائل الاتصالات والتجهيزات للمركز الإقليمي لتبادل المعلومات البحرية، ووسائل مراقبة التلوث للهيئة العامة للشؤون البحرية، بالإضافة إلى برامج بناء القدرات لمؤسسات المواني والهيئة عبر برنامج مكافحة الجريمة البحرية العالمية في خليج عدن والبحر الأحمر.

ميناء عدن تعرض لأضرار كبيرة جراء الحرب التي أشعلها الحوثيون (الأمم المتحدة)

وقدم الوزير حُميد عرضاً مفصلاً عن احتياجات المواني والمطارات اليمنية، وفي مقدمتها ميناء ومطار عدن، إلى أجهزة كشف المتفجرات، بهدف تنسيق الدعم مع البرنامج الأممي والدول والصناديق المانحة.

وأكد أن توفير أجهزة حديثة ومتطورة لتفتيش الشحنات والمسافرين يُعد أولوية قصوى في ظل التحديات الأمنية الراهنة، لما لذلك من أثر مباشر في تعزيز أمن الملاحة البحرية وسلامة حركة الطيران المدني.

وتحدّث وزير النقل اليمني عن حرص وزارته على تسهيل عمل مكتب الأمم المتحدة وتذليل الصعوبات التي قد تعترض تنفيذ أنشطته، بما ينعكس إيجاباً على كفاءة أداء المواني والمطارات، ويعزز ثقة المجتمع الدولي بقدرة المؤسسات اليمنية على إدارة المنافذ الحيوية وفق المعايير المعتمدة.

ونسب الإعلام الرسمي اليمني إلى المسؤول الأممي أنه أشاد بمستوى التعاون والتنسيق القائم مع وزارة النقل والمؤسسات التابعة لها، مثمناً الجهود المبذولة لإنجاح برامج الدعم الفني والأمني.

وأكد المسؤول أن المكتب الأممي سيواصل تقديم الدعم اللازم إلى المؤسسات البحرية وسلطات إنفاذ القانون في اليمن، إلى جانب التنسيق مع الجهات المانحة لتوفير وسائل الكشف عن المتفجرات والأسلحة، بما يُسهم في تعزيز أمن النقل البحري والجوي ودعم الاستقرار الاقتصادي.


الحوثيون يجندون مئات السجناء في عمران وصعدة مقابل إطلاقهم

سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)
سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يجندون مئات السجناء في عمران وصعدة مقابل إطلاقهم

سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)
سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)

كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن مواصلة الجماعة الحوثية توسيع عمليات التجنيد القسري داخل السجون الخاضعة لسيطرتها، عبر إجبار مئات المحتجزين على الالتحاق بصفوفها والمشاركة في القتال مقابل الإفراج عنهم.

وبحسب المصادر، فقد أُجبر نحو 370 سجيناً على ذمة قضايا مختلفة في محافظتي عمران وصعدة، معقل الجماعة الرئيسي، على الخضوع لدورات تعبوية وعسكرية تمهيداً لإرسالهم إلى الجبهات.

وأفادت المصادر بأن الجماعة أطلقت في الأيام الماضية حملة تجنيد جديدة استهدفت مئات المحتجزين، بينهم سجناء على ذمة قضايا جنائية، في سجون عمران وصعدة. وشملت الحملة وعوداً بالعفو، وتسوية الملفات القضائية، مقابل الموافقة على الانخراط في القتال، في خطوة وُصفت بأنها جزء من سياسة ممنهجة لاستغلال أوضاع السجناء وظروفهم القاسية.

وفي محافظة عمران، تحدثت المصادر عن زيارات ميدانية نفذها قادة حوثيون، يتصدرهم القيادي نائف أبو خرفشة، المعين مشرفاً على أمن المحافظة، وهادي عيضة المعين في منصب رئيس نيابة الاستئناف، إلى السجون في مركز المحافظة ومديريات أخرى. ووفقاً للمصادر، جرى الإفراج عن 288 سجيناً بعد إجبارهم على القبول بالالتحاق بالجبهات القتالية.

قادة حوثيون يزورون أحد السجون الخاضعة لهم في صعدة (إعلام حوثي)

وأكد حقوقيون في عمران لـ«الشرق الأوسط» أن عناصر حوثية مارست ضغوطاً وانتهاكات واسعة بحق المحتجزين، شملت التهديد بالعقوبات، وسوء المعاملة، والحرمان من الزيارة، لإجبارهم على القبول بالذهاب إلى الجبهات، مقابل الإفراج عنهم، وتقديم مساعدات محدودة لذويهم. وعدّ الحقوقيون هذه الممارسات شكلاً صارخاً من أشكال التجنيد القسري المحظور بموجب القوانين الدولية.

ويروي أحد السجناء المفرج عنهم حديثاً في عمران، طلب إخفاء اسمه لدواعٍ أمنية، أن قيادات في الجماعة نفذت زيارات متكررة للسجن الاحتياطي وسط المدينة، وعرضت على المحتجزين أكثر من مرة الإفراج مقابل الالتحاق بدورات قتالية. وقال: «من يرفض يتعرض لعقوبات داخل السجن أو يُحرم من الزيارة». وأضاف أن التهديد المستمر، وسوء المعاملة دفعاه في النهاية إلى القبول بالانضمام للجماعة.

تجنيد في صعدة

فيما تندرج هذه التحركات ضمن مساعي الحوثيين لزيادة أعداد مقاتليهم، أفادت مصادر محلية بأن الجماعة أفرجت في محافظة صعدة عن 80 سجيناً من الإصلاحية المركزية والسجن الاحتياطي، بعد إجبارهم على الموافقة على الالتحاق بصفوفها والخضوع لدورات تعبوية.

وسبق ذلك قيام القيادي المنتحل صفة النائب العام محمد الديلمي، إلى جانب رئيسي محكمة ونيابة الاستئناف في صعدة سليمان الشميري وإبراهيم جاحز، بزيارات إلى السجون، أصدروا خلالها تعليمات بالإفراج عن المحتجزين مقابل انخراطهم في القتال.

قيادات حوثية تفرج عن سجناء مقابل الالتحاق بجبهات القتال (فيسبوك)

وتقول أم أحد المعتقلين في السجن المركزي بصعدة لـ«الشرق الأوسط» إن عناصر حوثية زارت منزلهم وأبلغتهم بأن الإفراج عن ابنها مرهون بموافقة الأسرة على ذهابه للجبهات. وتضيف: «نحن بين نارين، إما أن يموت داخل السجن نتيجة التعذيب والانتهاكات، وإما يُزج به في جبهات القتال».

وتأتي هذه الخطوات في ظل سعي الجماعة إلى تعزيز حضورها العسكري في الجبهات التي تشهد ضغوطاً متواصلة، إلى جانب مشاركتها فيما تسميه «معركة تحرير فلسطين».

تصاعد الشكاوى

ولا تقتصر المساومات الحوثية على سجناء عمران وصعدة، إذ امتدت خلال الفترة الأخيرة إلى محتجزين في محافظات عدة تحت سيطرتها، من بينها صنعاء وريفها وإب وذمار والحديدة وحجة. وكان آخر هذه الحالات الإفراج عن نحو 219 محتجزاً في سجون بمحافظة تعز، تنفيذاً لتوجيهات أصدرها زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.

جماعة الحوثي جندت مجاميع كبيرة من السجناء خلال الفترات الماضية (فيسبوك)

ويتزامن ذلك مع تصاعد شكاوى عائلات المحتجزين من تكثيف أعمال التطييف والتعبئة القسرية داخل السجون، حيث يحذر حقوقيون يمنيون من أن الإفراج المشروط بالتجنيد يمثل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان، ويحوّل السجناء إلى وقود بشري.

ويشدد الحقوقيون على ضرورة حماية حقوق المعتقلين، ووقف استغلالهم في العمليات القتالية، والدفع نحو حلول سلمية شاملة تضع حداً للنزيف الإنساني المتواصل.


«المحاسبون القانونيون» تحت طائلة الاستهداف الحوثي

جانب من فعالية سابقة نظمتها جمعية المحاسبين اليمنيين في صنعاء (فيسبوك)
جانب من فعالية سابقة نظمتها جمعية المحاسبين اليمنيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

«المحاسبون القانونيون» تحت طائلة الاستهداف الحوثي

جانب من فعالية سابقة نظمتها جمعية المحاسبين اليمنيين في صنعاء (فيسبوك)
جانب من فعالية سابقة نظمتها جمعية المحاسبين اليمنيين في صنعاء (فيسبوك)

وسّعت الجماعة الحوثية من دائرة انتهاكاتها الممنهجة لتطال عشرات المحاسبين القانونيين اليمنيين في العاصمة المختطفة صنعاء، عبر حملات تعقّب، وملاحقة، وتهديدات مباشرة بالتصفية، إلى جانب الاعتقال التعسفي، والإخضاع للتطييف الفكري، في خطوة وُصفت بأنها تعسفية، وتمثل تهديداً خطيراً لاستقلال المهنة، وسلامة العاملين فيها، وانعكاساً سلبياً على بيئة العمل القانونية والمحاسبية في البلاد.

ودفعت هذه الممارسات المتصاعدة منتسبي مهنة المحاسبة القانونية في صنعاء إلى عقد سلسلة اجتماعات طارئة، وإصدار بيانات إدانة شددت على ضرورة الوقوف في وجه الجماعة، واتخاذ خطوات تصعيدية للدفاع عن حقوق المحاسبين، وحماية مهنيتهم في عموم مناطق سيطرة الحوثيين.

وأعربت «جمعية المحاسبين القانونيين اليمنيين» (مقرها صنعاء) عن قلقها البالغ إزاء تزايد الانتهاكات، والتهديدات، وأعمال الخطف التي يتعرض لها منتسبوها في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، معتبرة أن تكرار هذه الممارسات بات يشكل تهديداً واضحاً لاستقلال المهنة، وسلامة أعضائها، ويقوّض أسس العمل المهني القائم على الحياد، والشفافية.

عبر الانتماء السلالي تمكن الحوثيون من الهيمنة على الأجهزة الأمنية (إكس)

وأوضحت الجمعية، في بيان، أن المحاسب القانوني محمود الحدي تلقى أخيراً تهديدات مباشرة وصريحة عبر الهاتف بالتصفية الجسدية، صدرت عن مشرف حوثي بارز يُدعى شرف أحمد الجوفي. وأكدت أن التهديد بالقتل، والإساءة، وتوجيه الشتائم جرت أثناء حضور عدد من أعضاء الهيئة الإدارية للجمعية، في واقعة عدّتها انتهاكاً صارخاً للقانون، والأعراف المهنية.

وأشار البيان إلى أن المحاسب القانوني عزّ الدين الغفاري تعرّض قبل فترة للاحتجاز التعسفي من قبل ما تُسمى إدارة البحث الجنائي الخاضعة للجماعة في صنعاء، وذلك بإيعاز من قاضٍ موالٍ للحوثيين يعمل بمحكمة استئناف العاصمة المختطفة، على خلفية قيامه بمهامه المهنية في مراجعة شفافة لإحدى القضايا، في مؤشر على استخدام أدوات القضاء والأمن لتصفية الحسابات المهنية.

وعبّرت الجمعية عن إدانتها الشديدة لكل أشكال التهديد، والاعتداء، والاختطاف المستمرة التي طالت ولا تزال محاسبين قانونيين في مناطق سيطرة الحوثيين، مطالبة الجهات المعنية والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية بتحمل مسؤولياتها إزاء هذه الانتهاكات، والتحرك لحماية العاملين في هذا القطاع الحيوي.

استمرار التعسف

هاجم مصدر نقابي في جمعية المحاسبين اليمنيين بصنعاء كبار قادة ومشرفي الجماعة، متهماً إياهم باتخاذ مزيد من الإجراءات والممارسات التعسفية المخالفة للقانون ضد العشرات من زملائه في صنعاء، ومدن أخرى، محذّراً من انعكاسات خطيرة على مهنة العمل المحاسبي والقانوني، وعلى الثقة العامة بالبيئة الاقتصادية.

وكشف المصدر، في حديث لـ«الشرق الأوسط» طلب فيه عدم ذكر اسمه، عن تعرّض أكثر من 16 مكتباً ومركزاً للمحاسبة والمراجعة والتدريب القانوني في صنعاء، إلى جانب عشرات المحاسبين الإداريين والقانونيين، خلال الربع الأخير من العام الجاري، لحملات ابتزاز، ومضايقة، وإغلاق قسري، فضلاً عن اختطاف، واعتقال تعسفي، وغير قانوني.

وأضاف أن الجمعية تواصل اتخاذ خطوات تصعيدية متاحة للدفاع عن أعضائها، وحماية كرامتهم، والتمسك بأداء واجبها في خلق بيئة مهنية آمنة تتيح للمحاسب أداء مهامه باستقلالية وحياد كاملين، بعيداً عن أي ضغوط، أو تهديدات، مؤكداً أن الصمت إزاء هذه الانتهاكات سيقود إلى مزيد من التدهور المؤسسي.

جانب من انتشار أمني حوثي في أحد شوارع صنعاء (إكس)

وتضم جمعية المحاسبين اليمنيين نحو ثلاثة آلاف عضو نشط، ولها فروع عدة في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين. كما تواصل عملها بالشراكة مع منظمات دولية متخصصة في دعم العمل المحاسبي والقانوني، عبر تنظيم فعاليات ومؤتمرات تهدف إلى تعزيز معايير المهنة، والحوكمة، والشفافية.

ومنذ اقتحام الحوثيين صنعاء ومدناً أخرى، عمدت الجماعة إلى التضييق على المحاسبين القانونيين، واتخاذ سلسلة إجراءات تعسفية بحق كثير منهم، في مسعى لفرض السيطرة على قطاع يُعد من ركائز النزاهة المالية، والرقابة، وتسخيره –على غرار قطاعات أخرى– لخدمة أجندتها.

كما أخضعت خلال فترات سابقة مئات المحاسبين للتعبئة الفكرية والعسكرية، ضمن ما تسميه «معركة الجهاد المقدس»، في خطوة أثارت مخاوف واسعة من تسييس المهنة، وتقويض أسسها المهنية.