ملتقى قراءة النص يناقش القضايا السردية في الأدب السعودي

جانب من جلسات ملتقى قراءة النص في دورته الـ16
جانب من جلسات ملتقى قراءة النص في دورته الـ16
TT

ملتقى قراءة النص يناقش القضايا السردية في الأدب السعودي

جانب من جلسات ملتقى قراءة النص في دورته الـ16
جانب من جلسات ملتقى قراءة النص في دورته الـ16

قدّم مختصون، أمس، 13 ورقة ضمن جلسات اليوم الأول من ملتقى قراءة النص في دورته السادسة عشرة، الذي ينظمه النادي الأدبي الثقافي في جدة، بالتعاون مع جامعة الأعمال والتكنولوجيا.
ويعوّل المشاركون على الملتقى في تصحيح الكثير من المفاهيم عن الأدب السعودي، ووضعه على جادة الطريق مع النقلة النوعية التي تشهدها البلاد في المجالات كافة ونقل البيئة والموروث الشّعبي في قوالب متعددة.
وشارك الدكتور محمد الشنطي بورقة عنوانها «الرواية السعودية والعلوم البينية»، تناول فيها موضوع استثمار الرواية السعودية لبعض العلوم البينية رؤية وتشكيلاً، مشيراً إلى أنّه اختار رواية «فصام» لأنّ مؤلفها استشاري في الطب النفسي، وكان لذلك أثر في الرؤية والبنية السردية؛ فالشّخصية الرئيسة «عنبر» مصابة بمرض الفصام، وكان لمعرفة المؤلف العلمية بأطوار المصاب بهذا المرض، وما يمثله سلوكه في سياقه النفسي الاجتماعي، أثره في بناء الرواية.
وفي بحثه «ملامح الهوية الوطنية في الشعر السعودي» اتخذ الدكتور ياسر أحمد مرزوق أستاذ الأدب والنقد المساعد، من ديوان «وطني عشقتك»، للشاعر مُسلّم بن فريج العطوي نموذجاً لإثبات فرضياته، وأشار إلى أنّ مفهوم الهوية انتشر وغطّى مجمل العلوم الإنسانية، بل وفرض نفسه على العديد من العلوم.
وفي حقل القصة قدّم الدكتور عمر المحمود ورقة بعنوان «تلقي القصة السعودية عند النقاد العرب- مقاربة بكري شيخ أمين أنموذجاً»، أوضح فيها أنّ أشهر النقاد العرب الذين قاربوا الإنتاج الأدبي السعودي بأجناسه المتنوعة الدكتور بكري شيخ أمين في كتابه «الحركة الأدبية في السعودية» الذي لاحظ في وقت مبكر إهمال الدراسات النقدية للأدب السعودي، فعكف على دراسته، محاولاً أن يستقصي بواكير الفنون والأجناس الإبداعية التي ركضت أقلام الأدباء السعوديين في مضمارها.
وتحدثت الدكتورة لمياء باعشن عن «تحولات الأدب السعودي وإشكالية التحقيب»، ورصدت الكتل الزمنية المكونة للأدب السعودي، وفحص الآلية المستخدمة في تقسيم فتراته المتتالية على المحور الدياكروني التعاقبي، وتساءلت عن أسباب ودوافع التأريخ للأدب، حيث يطرح موضوع التحقيب في تاريخ الأدب إشكاليات التأريخ للأدب ومدى صلاحية المفاصل الزمانية لأن تكون تقسيماً فاصلاً بين الأعمال الأدبية.
وعن التحولات الدّرامية قدمت الدكتورة أمل التميمي ورقة بعنوان «تحولات السيرة في الأدب السعودي من الأشكال التقليدية إلى الدراما العالمية»، وتطرقت للتحولات التي مرّ بها الأدب الذاتي ورحلته من الأشكال التقليدية في الصيغ المكتوبة إلى الشبكة العنكبوتية وغيرها من وسائل التواصل الإلكتروني والتفاعلي إلى الشكل الدرامي، ويوميات «يوتيوب»، إلى السينما العالمية.
وبيّنت الباحثة مشاعل الشريف في موضوعها «تحولات القضايا السردية في الرواية النسائية السعودية»، أنّ بحثها يندرج تحت محور «الآفاق الجديدة في السرد: الأنواع والتقنيات»، متناولة فيه تحولات القضايا السردية في الرواية النسائية السعودية، قضايا المرأة في روايات أميمة الخميس، متتبّعة أبرز قضايا المرأة في روايات الخميس التي شكّلت سمة عامة في رواياتها، عدا روايتها الأخيرة (مسرى الغرانيق في مدن العقيق) التي كانت مفصل التحول في قضايا السرد لدى الخميس.



«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
TT

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)

استقبل مسرح «الطليعة» في مصر أحد العروض الشهيرة للكاتب الآيرلندي الراحل صمويل بيكيت (1906- 1989)، «لعبة النهاية»، الذي رغم احتفاظه بالروح الأصلية للعمل الشهير المنسوب إلى مسرح العبث، فقد شكَّل إضاءة على مشاعر الاغتراب في الواقع المعاصر. وهو عرضٌ اختتم مشاركته في مهرجان «أيام قرطاج المسرحي» ليُتاح للجمهور المصري في المسرح الكائن بمنطقة «العتبة» وسط القاهرة حتى بداية الأسبوع المقبل.

على مدار 50 دقيقة، يحضر الأبطال الـ4 على المسرح الذي يُوحي بأنه غُرفة منسيّة وموحشة، فيتوسّط البطل «هام» (محمود زكي) الخشبة جالساً على كرسيّه المتحرّك بعينين منطفئتين، في حين يساعده خادمه «كلوف» ويُمعن في طاعته والإصغاء إلى طلباته وتساؤلاته الغريبة التي يغلُب عليها الطابع الساخر والعبثيّ المُتكرّر عبر سنوات بين هذا السيّد والخادم.

يَظهر والد «هام» ووالدته داخل براميل قديمة وصدئة، ويجلسان طوال العرض بداخلها، ولا يخرجان إلا عندما يستدعيهما الابن الذي صار عجوزاً، فيسألهما أسئلة عبثية لا تخلو من تفاصيل عجيبة، ويخاطبهما كأنهما طفلين يُغريهما بالحلوى، في حين يبادلانه أحاديث تمتزج بالذكريات والجنون، ليبدو كأنهما خارج العالم المادي؛ محض أرواح مُحتضرة تُشارك «هام» هلوساته داخل تلك الغرفة.

الأب يؤدي دوره من داخل أحد البراميل (مسرح الطليعة)

في المعالجة التي يقدّمها العرض، يحتفظ المخرج المصري السيد قابيل بأسماء الأبطال الأجنبية التي كتبها صمويل بيكيت من دون منحها أسماء محلّية. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «قدَّم المسرح المصري هذه المسرحية قبل 60 عاماً تقريباً في عرض للفنان الكبير الراحل سعد أردش، لكنه كان باللغة العربية الفصحى. اليوم، عالجتُ النص وأقدّمه بالعامية المصرية. احتفظت بالأسماء الأصلية للأبطال وهوياتهم، وكذلك بروح العمل وتفاصيل الحوار فيه، خصوصاً أنّ لهذا العرض الذي ينتمي إلى مسرح العبث فلسفته التي تمسّكتُ بها ضمن قالب جديد».

يؤدّي دور الخادم «كلوف» الفنان المصري محمد صلاح الذي اعتمد جزءٌ كبير من أدائه على الإفراط بحركات سير متعرّجة في محاولاته المُتسارعة لتلبية طلبات سيّده الأعمى، إذ يبدو كأنه في مَهمّات لا نهائية، منها ترتيب البيت الخالي بشكل فانتازي. بالإضافة إلى تردّده الدائم على نافذة الغرفة التي يظّل سيّده يطلب منه وصف ما يدور خارجها، فيصف له الضوء والبحر اللذين لا يدرك إذا كانا موجودَيْن بالفعل أم محض خيال.

على مدار العرض، يظلُّ الخادم يسأل: «لماذا أطيعك في كل شيء؟»، و«متى جئتُ إلى هذا البيت لخدمتك؟»، فيكتشف أنه قضى عمره داخل جدرانه المخيفة، فيقرّر في خطوة خلاص مغادرة خدمة سيّده، فتكون لحظة فتحه باب البيت هي عينها لحظة نهاية اللعبة، حتى وإنْ ظلّ واقفاً أمامه، متوجّساً من الخروج إلى العالم الحقيقي ومواجهة المجهول. لحظة تحدّيه سيطرة سيّده «هام» سرعان ما تبدو كأنها لا تختلف عن «الفراغ» الذي أمامه، بما يعكس فلسفة صمويل بيكيت عن سخرية الحياة، حيث لا يبدو الهروب من عبثها ممكناً أبداً.

الأب والأم في أحد مَشاهد المسرحية (مسرح الطليعة)

يشير مخرج العرض السيد قابيل إلى أنّ «للقضية التي تطرحها المسرحية صيغة إنسانية عابرة للمكان والزمان، وتصلُح لتقديمها في أي وقت؛ وإنْ كُتب النصّ الأصلي لبيكيت في الخمسينات. فكثير من نصوص شكسبير، والنصوص اليونانية القديمة العائدة إلى ما قبل الميلاد، لا تزال قابلة لإعادة تقديمها، وصالحة لطرح أسئلة على جمهور اليوم. وفي هذا العرض أدخلنا بعض الإضافات على الإضاءة والموسيقى للتعبير بصورة أكبر عن دراما الأبطال، ومساعدة المتلقّي على مزيد من التفاعُل».

الفنان محمود زكي في مشهد من العرض (مسرح الطليعة)

وعكست ملابس الممثلين الرثّة حالة السواد التي تطغى على عالمهم، في حين وُظّفت الإضاءة في لحظات المُكاشفة الذاتية التي تتوسَّط سيل الحوارات الغارقة في السخرية والتكرار العدميّ والخضوع التام. فإذا كان السيّد الأعمى والمشلول يعتمد على خادمه في مواصلة لعبة عبثية يتسلّى بها في عزلته، فإنّ الخادم يظلُّ غير قادر على تصوُّر الحياة بعيداً عن قواعد تلك «اللعبة».