نفذت حركة «طالبان» وجماعات أخرى عدداً غير مسبوق من الهجمات في أفغانستان خلال الشهور الأخيرة من عام 2019، طبقاً لتقرير أصدره مفتش عام وزارة الدفاع الأميركية الجمعة الماضي. وحدثت هذه الزيادة في العمليات العنيفة في فترة كان يغرد فيها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على «تويتر»: «نحن نقصف عدونا بشكل أقوى عن أي وقت مضى في العشر سنوات الأخيرة».
ويوضح التقرير مرة أخرى عدد الهجمات المذكورة في التقرير الفصلي لجون سوبكو، المفتش العام الأميركي الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، مؤسسة رقابية حكومية تأسست عام 2008، التفاوت في الحديث عن قمع «طالبان» وما يجري على أرض الواقع؛ فرغم حملات قصف منسقة وهجمات برية أميركية وأفغانية، فإن مقاتلي «طالبان» ما زالوا قادرين على الهجوم بمستويات مشابهة لما كانت عليه الحال منذ عقد مضى، بحسب تقرير نشرته «نيويورك تايمز» أول من أمس.
وكما يقول التقرير، فإن «كلاً من إجمالي الهجمات التي يبدأها العدو بشكل عام وهجماته ذات الفاعلية الحقيقية التي يبدأها خلال الربع الأخير من عام 2019 فاق مستويات ما كانت عليه الهجمات في كل عام منذ أن بدأ تسجيلها عام 2010».
ونفذت حركة «طالبان» ومجموعات أخرى 8204 هجمات في الربع الأخير من عام 2019، وأدى 37 في المائة منها إلى وقوع ضحايا، حسبما يضيف التقرير.
ويعتبر عدد الهجمات أحد المؤشرات العامة القليلة المتبقية لقياس المجهود العسكري الأميركي في أفغانستان بعد أن توقفت القيادة العسكرية الأميركية عن إصدار مؤشرات أخرى أو حظرت الكشف عنها، مثل عدد الضحايا الأفغان ونسبة المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الأفغانية مقارنة بما تتحكم فيه قوات «طالبان».
وقال سوبكو الخميس الماضي: «هناك قليل جداً مما له أهمية يمكن الحديث عنه علناً».
جدير بالذكر أن هذا النوع من المعلومات كان يُستخدم فيما مضى لاستنتاج الانتصار أو الهزيمة في مسار الحرب، لكنه أصبح في النهاية لا يكشف سوى القليل عن المستقبل المحتمل فيما يخص النزاع الأميركي الأطول.
وعلى ما يبدو، يعكس التوسع الجاري في الحملات الجوية الأميركية زيادة في هجمات «طالبان».
وطبقاً لوثائق القوات الجوية التي صدرت مؤخراً فإن الطائرات العسكرية الأميركية أسقطت 7423 قنبلة وصاروخاً - رقم قياسي منذ أن بدأ تسجيل البيانات عام 2006. وطبقاً لوثائق عسكرية، فإنه بداية عام 2019، زادت مهمات العمليات الخاصة الأميركية بنسبة 124 في المائة عن عام 2018 - معدل من المحتمل بشكل كبير أنه استمر على مدار 2019.
في سبتمبر (أيلول) فقط - نفس الشهر الذي جرت فيه الانتخابات الرئاسية الأفغانية وقرر فيه الرئيس الأميركي ترمب التخلي عن عقد صفقة سلام مع «طالبان» - أسقطت القوات الأميركية 948 ذخيرة حربية، العدد الأكبر من نوعه في أي شهر منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2010.
وركزت القيادة العسكرية الأميركية في أفغانستان بقيادة الجنرال أوستن ميلر عام 2019 على إسقاط أعداد كثيفة من الضحايا في صفوف «طالبان» في محاولة لإبقاء قيادتها مشتركة في محادثات السلام في العاصمة القطرية الدوحة. كما هدفت هذه الهجمات إلى دفع الحركة إلى تقليل أعداد الضحايا بصفوف القوات الأفغانية والحفاظ على ما تبقى من أراضٍ تحت سيطرة الحكومة.
وأوقف ترمب محادثات السلام التي كانت على وشك التوصل إلى صفقة تؤدي لبدء المحادثات بين «طالبان» والحكومة الأفغانية، بعد أن أدى انفجار سيارة مفخخة في العاصمة كابل في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى مقتل جندي أميركي و11 آخرين. وترفض الجماعة المتمردة حتى الآن الدخول في محادثات مع الحكومة الأفغانية.
وأعاد المفاوضون الأميركيون ونظراؤهم في «طالبان» بدء المحادثات في ديسمبر (كانون الأول) واقتربوا مرة أخرى من عقد صفقة، حسبما يقول مسؤولون أميركيون، رغم تعثر المفاوضات بسبب اختلاف الجانبين حول كيفية تقليل العنف للمضي قدماً في عملية السلام. من جانبها، ترغب الحكومة الأفغانية في إيقاف إطلاق النار لمدة شهر، بينما قلصت «طالبان» عدد الهجمات على المدن الكبرى والطرق الرئيسية فقط.
ويقول جيسون ديمبسي، الزميل البارز في «مركز الأمن الأميركي الجديد»، مركز بحثي في العاصمة واشنطن: «إذا كان هذا يوضح أي شيء، فهو يوضح أن الحرب في أفغانستان ربما بدأت تتضاءل أهميتها في أعين عامة الأميركيين، لكنها بالتأكيد وصلت إلى مستوى حاد داخل أفغانستان ذاتها».
وعزا مسؤول أميركي في وزارة الدفاع العدد المرتفع من هجمات «طالبان» المذكور في تقرير المفتش العام إلى حقيقة أن متمردي «طالبان» كانوا يشنون هجماتهم بشكل متكرر، رغم قلة عددها، وهو ما يعتبر نتيجة ثانوية للحملات الجوية الأميركية والعمليات الأميركية الأفغانية المشتركة على الأرض.
بالمثل، وطبقاً لتقرير المفتش العام، فإن «شهر سبتمبر شهد أعلى عدد من الهجمات التي شنها العدو لأي شهر منذ يونيو (حزيران) 2012 والأعلى من ناحية الهجمات ذات الفاعلية منذ أن بدأ تسجيلها في يناير (كانون الثاني) 2010». إلا أن الزيادة في العمليات العسكرية من جانب كل من الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية و«طالبان»، لم تمر بلا ثمن، فطبقاً لإحصاءات الأمم المتحدة سقط أكثر من 8 آلاف قتيل مدني في أفغانستان عام 2019.
وقُتِل أكثر من 50 ألف فرد من قوات الأمن الأفغانية منذ عام 2014. وغالباً ما كان يشهد اليوم الواحد سقوط عدة قتلى منهم بمختلف أرجاء البلاد. كما أصبحت حركة «طالبان» تتحكم في مساحات من الأراضي أكثر من أي وقت مضى منذ بدء الحرب.
ورغم أن مستوى تركز حركة التمرد قل على المناطق الحضرية، فإنها زادت من هجماتها في المناطق الريفية، فقد قُتِل على الأقل 40 فرداً من أفراد الأمن الأفغاني في وقت سابق من الأسبوع الحالي، وكانت معظم الخسائر من هجمات وقعت في شمال البلاد.
في نهاية الأمر، ترغب «طالبان» في الأساس في انسحاب كامل للقوات الأميركية، بينما يريد الجانب الأميركي في نهاية المطاف محادثات مشتركة بين «طالبان» والفصائل الأفغانية الأخرى فيما يخص التشارك في السلطة.
وهناك 12 ألف جندي أميركي تقريباً في أفغانستان وتخطط وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون لخفض هذا الرقم إلى 8600 جندي في الأشهر القليلة المقبلة، سواء تم توقيع صفقة سلام أم لا.
وقُتِل 20 جندياً أميركياً خلال عمليات القتال في 2019، وهو العدد الأكبر في أي عام منذ 2014، كما قُتِل جنديان في وقت سابق من الشهر الماضي، بواسطة عبوة ناسفة على جانب الطريق. كما لقي اللفتنانت كولونيل بول فوس وكابتن ريان فانوف حتفهما عندما تحطمت طائرتهما النفاثة من طراز إي 11 في ولاية غزني بسبب مشكلات تقنية على الأرجح.
هجمات «طالبان» تكشف حدود الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان
هجمات «طالبان» تكشف حدود الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة