سوريون ينزحون مجدداً من إدلب هرباً من «الذل والقصف»

TT

سوريون ينزحون مجدداً من إدلب هرباً من «الذل والقصف»

في مأوى مؤقت، شمال إدلب، حط خالد صبري وعائلته رحالهم دون أن تفارقهم مشاعر الخوف والصدمة، بعد فرارهم من القصف المفاجئ لبلدتهم، التي كانت خاضعة لمسلحي المعارضة السورية، في وقت سابق من الأسبوع الحالي.
كانت هذه الأسرة جزءاً من موجة جديدة من اللاجئين اجتاحت شمال غربي سوريا، آخر منطقة كبيرة تسيطر عليها المعارضة المسلحة في الحرب الأهلية المستمرة منذ نحو تسع سنوات، مع فرار مئات الآلاف صوب تركيا، هرباً من تقدم القوات الحكومية بشكل سريع ومفاجئ.
واستعاد الجيش السوري، بدعم من ضربات جوية روسية مكثفة، عشرات البلدات، منذ الجمعة الماضي، في حملة كبرى ساهمت في إذكاء التوتر بين أنقرة وموسكو، وأثارت شبح حدوث أزمة لاجئين جديدة.
وقال صبري (55 عاماً): «هربنا فقط بالملابس التي نرتديها بسبب القصف المكثف».
واستعادت القوات السورية مدينة معرة النعمان ثاني أكبر مدينة في إدلب يوم الثلاثاء في نقطة تحول مهمة لمسعى الرئيس بشار الأسد استعادة السيطرة على كل أراضي البلاد من المعارضة المسلحة. وفي مخيم خارج معرة مصرين، وهي بلدة شمال إدلب، تقع على بعد نحو 20 كيلومتراً إلى الجنوب من الحدود التركية، تحتمي عشرات العائلات بالخيام المصنوعة من البلاستيك الأبيض، وكثير منها لا تعرف إلى أين سينتهي بها المطاف. وقالت جنة (10 أعوام) إن هذه هي المرة الثانية التي تنزح فيها عائلتها. وكانت العائلة، مثلها في ذلك مثل كثيرين آخرين، قد لجأت إلى إدلب بعد إخراجها من مناطق أخرى في سوريا، في فترات سابقة من الحرب.
وأضافت: «أُرغمت بالقوة على الخروج من الغوطة الشرقية، ثم ذهبنا إلى معرة النعمان وشن النظام السوري حملة عسكرية على معرة النعمان لذا جئنا إلى هنا». وقال تقرير للأمم المتحدة، الخميس، إن نحو 390 ألف شخص فروا من شمال غربي سوريا، بين أول ديسمبر (كانون الأول) و27 يناير (كانون الثاني)، 80 في المائة منهم من النساء والأطفال.
وتقول موسكو ودمشق إنهما تقاتلان متشددين كثفوا هجماتهم على المدنيين في حلب بشمال سوريا، لكن جماعات حقوقية ورجال إنقاذ يقولون إن الغارات الجوية والقصف تدمر مستشفيات ومدارس ومنازل.
وقالت تركيا التي تستضيف حالياً أكثر من 3.6 مليون لاجئ سوري، والتي تخشى موجة لاجئين جديدة، إنها لن تسمح بتهديدات جديدة قرب حدودها حتى لو كان ذلك يعني اللجوء للقوة العسكرية. وشوهدت شاحنات محملة بأثاث المدنيين، مثل الحشايا والسجاد، تنطلق، أول من أمس (الجمعة)، من بلدات في أنحاء إدلب وحلب، وهي منطقة أخرى بشمال سوريا تعرضت لقصف مكثف، الأسبوع الماضي. وقالت امرأة تدعى أم عبد الله (30 عاماً) من معرة النعمان: «نعاني اليوم من التشرد والذل والقمع والبرد. نريد العودة إلى ديارنا وبلداتنا».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.