قبرص... جزيرة كل الفصول

تقدم أطباقاً سياحية متنوعة دسمة ليلاً ونهاراً

TT

قبرص... جزيرة كل الفصول

قد يلوم السائح نفسه في زيارته الأولى لجزيرة قبرص، ويشعر بالندم لأنه تأخر كثيراً قبل أن يمتع عينيه بمنظر الشواطئ الزرقاء والرمال الذهبية والشمس الدافئة التي تشرق على الجزيرة في كل فصول السنة، فتضيئ بأشعتها المتوهجة معبد أفروديت (إلهة الجمال والحب في الأساطير اليونانية). هذا المكان الذي يجذب عشاق الرومانسية، ومن يريدون قضاء شهر عسل بطعم خاص. وبعيداً عن الشواطئ وسحرها، تلتقط عينا السائح المروج البرية وعيون المياه والوديان العميقة وبساتين الزيتون والعنب وأشجار الصنوبر، التي ترسم للشوارع مساراتها، وتوفر للسائح فرصة المشي أو ركوب الدراجات في الهواء النقي. ليل الجزيرة لا يقل إثارة، فهو متعة للسهر، إذ لا يعرف النوم طريقه إليه. فساحاتها وشوارعها تكتظ بالفرق الفنية التي تقدم عروض الرقص والغناء حتى خيوط الفجر الأولى. أما مدنها وموانئها وآثارها ومعابدها وكنائسها وجوامعها، فهي شواهد تسرد للزائر حكاية جزيرة تمتزج فيها الحضارات اليونانية والإغريقية والعثمانية والإسلامية والأوروبية، التي تنصهر كلها في بوتقة واحدة، اسمها «قبرص».
وقبرص هي ثالث أكبر جزيرة في البحر المتوسط، بعد صقلية وسردينيا، وتقع في الجزء الشرقي من البحر، ليس بعيداً عن شواطئ سوريا ولبنان وفلسطين ومصر. وقد اشتهرت منذ القدم بصناعة النحاس، ومن هنا جاء اسمها الذي يشير إلى اسم هذا المعدن باللغة اللاتينية. وقد نالت استقلالها عن بريطانيا في عام 1960، وأعلنت قيامها كدولة مستقلة عن تركيا في عام 1983. ومن أهم مدنها «نيقوسيا» العاصمة وميناءا «ليماسول» و«لارنكا»، ومنطقة «جبال ترودوس». وسياحياً، تعد الجزيرة واحدة من أفضل الوجهات التي يمكن التفكير فيها. فرغم صغر مساحتها، فإنها تستقبل أكثر من مليوني سائح كل عام، يستقبلهم السكان بالترحاب والود، وعادة ما يسمع السائح عبارة «Kalosorisate!» (أي: أهلا وسهلا!). وليس مستغربا أن يدعوه أحد كبار السن إلى شرب القهوة، أو مشاركته في لعب الطاولة، من دون معرفة مسبقة، فهم يعدون الضيافة جزءاً من ثقافتهم، ونادراً ما يخرج الضيف من بيت قبرصي دون أن يقدموا له وجبة طعام أو حلوى أو فنجان قهوة. وخلال فترة مكوث السائح في هذه الجزيرة، يجد المساعدة من كل من يصادفهم، ويشعر براحة كبيرة وهو يتنقل من مكان إلى آخر لاكتشاف خبايا هذه الجزيرة الغارقة في الأساطير والغموض، ولسان حاله يقول: «لا يمكن للمرء ألا يحب قبرص، إلا إذا كان بلا قلب».

7 أسباب تجذب السائح إلى جزيرة قبرص

- (1) الأنشطة المائية
تمتلك قبرص عدداً كبيراً من الشواطئ الرملية، إضافة إلى شواطئ مهجورة داكنة الزرقة، يمكن اكتشافها بالسير لمسافات بعيدة خارج المدن. ويُعد شاطئ «كورال باي» (Coral Bay)، شمال مدينة بافوس، مثالياً للعائلات التي تبحث عن مناطق آمنة للسباحة، وممارسة كثير من الرياضات المائية والأنشطة العائلية، بدءاً من الغوص والتزلج على الماء وركوب الطائرة الشراعية، وصولاً إلى صيد الأسماك. أما الباحثين عن شاطئ أكثر عزلة لقضاء عطلة رومانسية، فيمكنهم التوجه إلى شاطئ «لارال بيتش» (Lara Beach)، كونه غير مكتظ بالسياح، مع فرصة لمتابعة الحياة البرية للسلاحف، من خلال نزهات تنظمها جمعيات الحفاظ على البيئة، فضلاً عن إمكانية ممارسة كل الرياضات المائية التي يمكن تصورها. وعموماً، لا يكون الطقس حاراً بدرجة كافية للسباحة بين شهري يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار).

- (2) دفء على مدار العام
تتمتع قبرص بمناخ البحر المتوسط، أي أنه الأكثر استقراراً في أوروبا، ويبلغ متوسط درجة الحرارة السنوية 24 درجة مئوية، وهنالك 3 آلاف ساعة مشمسة في السنة، مع فصل شتاء دافئ، تتخلله زخات مطر قليلة جداً، فيما يكون صيفها معتدلاً جافاً، مما يجعل شواطئها مناسبة للسباحة والغوص والتمتع بزرقة البحر. أما الربيع، فإنه الفصل الذي يحول الجزيرة إلى واحة من الخضرة والزهور الملونة والجمال المختبئ في الغابات والوديان والقرى الصغيرة، وهو أيضاً الفصل الأكثر هدوءاً وأقل ازدحاماً بالسياح، والأنسب للباحثين عن عطلة هادئة بعيداً عن الضجيج.

- (3) أطباق متعددة الثقافات
تأثر المطبخ القبرصي بالثقافات الإسلامية واليونانية والشرق أوسطية والأوروبية والآسيوية، إذ يعتمد بشكل كبير على الأسماك والفواكه البحرية الطازجة، وخاصة الكالاماري (الحبار)، التي يأتي بها الصيادون إلى المطاعم كل يوم. وهنالك أيضاً الأطباق الشعبية المكونة من الجبن الحلومي المشوي والكباب ونقانق «Loukaniko» الحارة المنكهة بالتوابل والخبز الساخن. كما يتميز المطبخ القبرصي بـ«mezedes»، وهي مقبلات تتكون من 20 طبقاً تقريباً. أما الحلويات، فإنها تحمل إرثاً قديماً، وتتوزع بين حلوى الأرز مع السكر ونكهة اللوز وماء الورد والفستق والمعجنات المحلية والحلقوم والبقلاوة. وبالتأكيد لا يمكن مغادرة المطعم دون احتساء القهوة القبرصية التي لا تشبه غيرها.

- (4) التجول في عمق التاريخ
تضم الجزيرة بين جنباتها تاريخاً ثرياً، كونها جزءاً من الإمبراطوريتين البيزنطية والعثمانية، إضافة إلى اليونانية والإغريقية. فقد تركت هذه الحضارات كثيراً من الآثار واللقى المتوزعة على جميع أنحاء البلاد، ومنها كهوف العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي، والمقابر الفينيقية، والفسيفساء الرومانية، إضافة إلى القلاع القديمة على قمم الجبال، والكنائس البيزنطية، والجوامع العثمانية، مع كثير من اللوحات الجدارية الشهيرة التي يمكن اكتشافها في أثناء التجول في المدن، جنباً إلى جنب مع الإرث المعماري المحفوظ الذي يعود إلى فترة لوزينيان والبندقية والعصور الإسلامية. وتجدر الإشارة إلى أن الجزيرة كانت موطناً لكثير من الكتاب والشعراء والفلاسفة. فتحت شجرة تبلغ من العمر أكثر من مائتي عام، ما تزال شاخصة حتى اليوم، كتب الروائي البريطاني لورانس دوريل روايته «Bitter Lemons» التي يصف فيها السنوات الثلاث التي قضاها في جزيرة قبرص.

- (5) حفلات الهواء الطلق
تعد قبرص وجهة مناسبة للشباب ومحبي السهر، حيث تتوهج فيها الحياة الليلية في فصل الصيف، وفي مدينة «Ayia Napa» على وجه الخصوص. فهي عاصمة للحفلات غير الرسمية، إذ تضم عدداً لا يستهان به من النوادي والمسارح التي يحيي فيها مطربون من كل أنحاء العالم حفلات تقام أفضلها من شهر يونيو (حزيران) إلى أغسطس (آب). ففي هذا الوقت، تتحول الساحة الرئيسية في «أيا نابا» إلى ما يشبه السيرك متعدد الفنون، علماً بأن السهر حتى الصباح آمن في هذه الجزيرة، إذ تنخفض فيها معدلات الجريمة بنسب غير مسبوقة، مقارنة بغيرها.

- (6) سهولة الانتقال بين المدن
تتميز قبرص بتوفرها على شبكة طرق حكومية سريعة منتظمة اقتصادية، تربط المدن والقرى بعضها ببعض. ويمكن مثلاً التنقل من نيقوسيا العاصمة إلى ميناء ليماسول خلال ساعة واحدة فقط عبر طريق الخط السريع. كما يمكن الوصول إلى جميع المدن الكبرى في الجزيرة خلال ساعتين أو أقل. وتتوفر لمن يحب قيادة السيارة الفرصة لاستئجار سيارة ليوم أو أيام بسعر معقول، والقيام بهذه الرحلات باستخدام الطرق السريعة التي توفر فرصة للتمتع بالمناظر الطبيعية على جانبي الطرق.

- (7) التزلج شتاءً
يحظى جبل أوليمبوس، الواقع في أعلى قمة جبال ترودوس، بشعبية كبيرة خلال فصل الشتاء، لما يوفره من فرصة للتزلج على الثلوج المتراكمة على سفوحه، ومن خلال 4 أماكن يُستقبل في كل منها نوع محدد من المتزلجين، من المبتدئين إلى المحترفين. وما يميز هذه الأماكن أسعار الدخول المعقولة المتاحة للجميع، حيث تبلغ تكلفة تذكرة التزلج اليومية 18 يورو. وإذا لم يكن التزلج من الأولويات، فيمكن أن يقوم السائح بجولات في سفوح جبال ترودوس، ومشاهدة المنازل نصف الحجرية ونصف الخشبية، والمشي بين أشجار غابات الصنوبر والسرو والسنديان التي تطل من بينها البنايات البيزنطية القديمة التي وضعتها منظمة «اليونيسكو» في قائمة التراث العالمي.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.