احتجاجات وقطع طرق في العراق واحتقان في البصرة بعد اغتيال ناشطة

السفير البريطاني لا يجد ما يبرر استخدام «القوة المميتة» ضد المتظاهرين

محتجون يقطعون طرقات في بغداد أمس (أ.ب)
محتجون يقطعون طرقات في بغداد أمس (أ.ب)
TT

احتجاجات وقطع طرق في العراق واحتقان في البصرة بعد اغتيال ناشطة

محتجون يقطعون طرقات في بغداد أمس (أ.ب)
محتجون يقطعون طرقات في بغداد أمس (أ.ب)

استمرت الاحتجاجات في العراق، أمس، وسُجّلت صدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن في بغداد وعدد من المحافظات بوسط البلاد وجنوبها، في حين شهدت البصرة احتقاناً واضحاً على خلفية اغتيال ناشطة معروفة. وجاءت هذه التحركات الشعبية الجديدة على رغم انخفاض درجات الحرارة وموجة الأمطار الغزيرة التي اجتاحت بغداد وعدداً من المحافظات.
وأفاد ناشطون بأن العاصمة بغداد ومحافظات عدة شهدت تصعيداً في الاحتجاجات السلمية في الساعات الماضية، تمثلت خصوصاً بقطع الطرق الرئيسية الرابطة بين محافظات البلاد، إضافة إلى قطع الطرق الحيوية والمهمة في داخل كل محافظة.
كذلك، أفيد بأن الصدامات تواصلت أمس بين المتظاهرين والقوات الأمنية في ساحة الطيران وقرب طريق محمد القاسم للمرور السريع ببغداد. وعمد المتظاهرون إلى قطع هذه الطريق مرات عدة في أوقات مختلفة من يوم أمس، في حين استخدمت قوات الأمن الرصاص الحي والقنابل الصوتية والمسيلة للدموع لإبعاد الحشود، ومنعها من قطع الطريق السريعة. وأسفرت المواجهات عن وقوع ما لا يقل عن 10 إصابات وحالات اختناق بين صفوف المحتجين.
وتواصلت الاحتجاجات أيضاً في مدن جنوب البلاد، وبينها الناصرية والديوانية والنجف والحلة، وقطع متظاهرون شوارع رئيسية تربط المدن وأخرى فرعية؛ ما أدى إلى توقف العمل في مؤسسات حكومية وتعليمية، وفق مراسلي وكالة الصحافة الفرنسية. ويطالب المحتجون بطبقة سياسية جديدة بدلاً من المسؤولين الذين يحتكرون السلطة منذ ما يقارب 17 عاماً.
وتخوض الأحزاب السياسية العراقية مفاوضات ماراثونية بهدف تسمية رئيس وزراء بدلاً من المستقيل عادل عبد المهدي، من دون التوصل إلى اتفاق حتى الساعة.
وشهدت محافظة البصرة الجنوبية، أمس، توتراً شديداً بعد قيام عناصر مسلحة مجهولة بإطلاق الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين عند التقاطع التجاري قرب مستشفى الفيحاء بوسط مدينة البصرة. وأسفر الهجوم الذي غالباً ما تتهم بمثله فصائل مسلحة موالية لإيران، عن مقتل المسعفة المعروفة في ساحة الاعتصام بالبصرة بـ«أم جنات». وبعد مقتلها، توعد ناشطون السلطات المحلية بموجة تصعيد جديدة وأطلقوا هاشتاغ على «تويتر» تحت اسم «انتظروا البصرة».
وقال ضابط في شرطة البصرة لوكالة الصحافة الفرنسية: «قتلت الناشطة المدنية جنات ماذي (49 عاماً) بهجوم شنّه مسلحون مجهولون يستقلون سيارة رباعية الدفع»، مشيراً إلى إصابة خمسة أشخاص آخرين أيضاً، بينهم ناشطة بجروح بالغة. ووقع الهجوم قبيل منتصف ليلة الثلاثاء - الأربعاء، وأكد مصدر طبي في دائرة الطب العدلي في البصرة تسلّم «جثة الناشطة التي فارقت الحياة إثر إصابتها بالرصاص».
وتعرض هؤلاء، وهم متظاهرون وناشطون يقدمون خدمات طبية وإسعافات أولية للمتظاهرين، للهجوم في طريق عودتهم من ساحة الاحتجاجات، وفق مراسل وكالة الصحافة الفرنسية.
ونفت قيادة عمليات البصرة، من جهتها، قطع الطرقات المؤدية للموانئ في المحافظة. وقالت القيادة، في بيان، إن ما تم نشره من أخبار «بخصوص قطع الطريق المؤدية إلى الموانئ العراقية والمنشآت الحيوية غير صحيح». وأضافت أن «الوضع الأمني ضمن قاطع العمليات جيّد، وجميع الطرق الرئيسية والفرعية مفتوحة ومؤمّنة من قبل القوات الأمنية».
وفي محافظة ذي قار (عاصمتها الناصرية) تواصلت الاحتجاجات وعمليات قطع الطرق، ووجّه المتظاهرون، أمس، رسالة تحذير إلى وزير الداخلية مفادها أنهم سيبقون في مواقعهم، بعد قيام الوزير باستبدال قائد الشرطة ريسان الإبراهيمي المرضي عنه من قبل المتظاهرين بقائد جديد، كما أعلنوا عن تشكيل قوة من بين صفوفهم لمنع من سموهم بـ«المندسين» من مضايقة المتظاهرين واستهدافهم.
وقال الصيدلاني والناشط البارز علاء الركابي، عبر تسجيل صوتي انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إن «متظاهري الناصرية سيتبعون نظاماً صارماً في ملاحقة المندسين الذين يحاولون حرف المظاهرات أو تشويه سمعتها، وسنعتقل أي مندس ونسلمه إلى الشرطة، وذلك من خلال تشكيل قوة من المتظاهرين خاصة بهذا الشأن، بالتعاون مع الشرطة المحلية في ذي قار». وأضاف: «لسنا قطاع طرق أو مخربين، نحن نريد حقوقنا وحقوق العراق، والموت لن يخيفنا، ولن نجامل بعد اليوم على أي خطأ يرتكب بحق المتظاهرين».
من جهته، أدان السفير البريطاني في بغداد، ستيفن هيكي، أمس، استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين، معتبراً أنه لا يوجد ما يبرر استخدامها. وقال هيكي في تغريدة عبر «تويتر»: «ندين قتل وجرح المزيد من المتظاهرين، ولا شك أنه على المحتجين المحافظة على سلميتهم، لكن ليس هناك ما يبرر استخدام القوة المميتة المفرطة، حيث قتل حتى الآن أكثر من 600 متظاهر». وأضاف أن «هناك حاجة ماسة إلى ضبط النفس وإجراء تحقيقات موثوقة، وكذلك الاستجابة العملية لمطالب المتظاهرين لتحقيق الإصلاح».
وكانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، قد كشفت، أول من أمس، عن حصيلة جديدة لضحايا ومعتقلي المظاهرات منذ صباح الأحد الماضي. وذكرت المفوضية، في بيان، أنها وثّقت، من خلال فرقها الرصدية المنتشرة في ساحات التظاهر لبغداد وعدد من المحافظات، المظاهرات الجارية و«ما رافقها من أحداث مؤسفة تسببت بسقوط ضحايا واعتقالات نتيجة المصادمات التي حدثت بين المتظاهرين والقوات الأمنية». وقالت: إن حصيلة الصدامات في محافظة بغداد كانت 4 قتلى و85 مصاباً من المتظاهرين واعتقال 36 منهم. وأضافت أنها وثّقت مقتل متظاهر وإصابة 3 في محافظة ديالى. وفي محافظة البصرة تسببت الصدامات بين المتظاهرين والقوات الأمنية في مقتل 3 متظاهرين وإصابة متظاهر واحد و24 عنصراً من القوات الأمنية واعتقال 22 متظاهراً. وفي محافظة ذي قار تسببت الصدامات في إصابة 8 متظاهرين. أما في محافظة كربلاء، فكانت الحصيلة مقتل اثنين من المتظاهرين وإصابة 18 واعتقال 30 آخرين.
وأشارت إلى أنها «وثّقت قيام أعداد من المتظاهرين بغلق الطرق الرئيسية التي تربط بين المحافظات وحرق الإطارات واستمرار غلق الدوائر الرسمية والمؤسسات التربوية وتعطيل الكثير من المرافق العامة التي تقدم الخدمات للمواطنين».
وشددت على «ضمان حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي»، ودعت «الأطراف كافة إلى الابتعاد عن اللجوء إلى العنف والعنف المتبادل والتعاون فيما بينهم لحماية الممتلكات كافة الخاصة والعامة والتأكيد على فرز العناصر التي تقوم بحرف المظاهرات عن مسارها السلمي ومطالبة الحكومة الاستجابة العاجلة لمطالب المتظاهرين السلميين».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.