أزمة مياه تطال ربع سكان العالم... وملايين العرب يواجهون العطش

أزمة مياه تطال ربع سكان العالم... وملايين العرب يواجهون العطش
TT

أزمة مياه تطال ربع سكان العالم... وملايين العرب يواجهون العطش

أزمة مياه تطال ربع سكان العالم... وملايين العرب يواجهون العطش

عندما نفدت المياه في مدينة كيب تاون الجنوب أفريقية ومدينة تشيناي الهندية، عملت هاتان المدينتان على تطبيق حلول مؤثرة، لكنها بعيدة عن الكمال. في كيب تاون، اصطف الناس في طوابير طويلة للحصول على كميات محدودة من المياه، بعد انتظار عدة ساعات. وفي تشيناي، سيّرت البلدية صهاريج مياه جلبتها من مسافات بعيدة لتوزيعها على الناس العطشى، وفي كثير من الأحيان كانت هذه المياه غير آمنة.
كشفت الأزمة في هاتين المدينتين صورة قاتمة عن غياب المساواة الاجتماعية، حيث استطاع الأغنياء تدبر أمرهم على نفقتهم الخاصة، في حين كان على الفقراء انتظار المساعدة الحكومية. وفي المدينتين، اعتبر كثيرون أن كل يوم يأتي هو بمثابة يوم مشؤوم لحين الحصول على المياه.
ولم يقتصر الأمر على التباين بين الأغنياء والفقراء، بل تعداه إلى التمييز على أساس الجنس الاجتماعي. فالنساء في كلتا المدينتين اضطلعن بمهام إضافية لتأمين المياه، سواء بالانتظار ضمن الطوابير أو من خلال السير لمسافات طويلاً بحثاً عن الماء.
هذه التجربة التي عاشتها المدينتان قد تمتد لتشمل معظم دول الجنوب التي تعاني من أزمة في توفير المياه نتيجة أسباب مختلفة، من أهمها عدم إعطاء البنية التحتية الطبيعية الأهمية التي تستحقها. وتلعب النظم البيئية، كالغابات والأراضي الرطبة دوراً مهمّاً في تنقية المياه وإزالة الملوثات وتنظيم الجريان السطحي والحد من الفيضانات. وتشير التقديرات إلى أن أحواض تصريف المياه التي تتجمع فيها مياه الهطولات فقدت ربع مساحة غاباتها منذ مطلع الألفية بسبب التوسع الحضري غير المدروس، وقطع الأشجار عشوائياً.
ومن ناحية أخرى، يجرى تبديد المياه وهدرها بأساليب غير رشيدة، كريّ الأراضي الزراعية بطريقة الغمر واستخدام المياه في محطات الطاقة الحرارية لمرة واحدة، حيث يجري طرح أغلب المياه العادمة من دون معالجة أو محاولة إدخالها في حلقة مغلقة للتوفير في الاستهلاك.
ويؤدي ازدياد عدد السكان إلى نمو الطلب على المياه. وبغياب البنية التحتية المناسبة التي تستوعب الطلب المتزايد، يصبح من الصعب توفير المياه بشكل آمن وكافٍ. كما يسهم تغيُّر المناخ في زيادة الأحوال الجوية المتطرفة، كفترات الجفاف الطويلة والعواصف الومضية التي تسبب فيضانات طارئة لا تغذي مصادر المياه الجوفية بشكل جيد.
ووفقاً للبيانات التي يوفرها معهد الموارد العالمي، تعاني 17 دولة تضم نحو ربع سكان العالم ارتفاعاً شديداً في الإجهاد المائي، وهو كمية المياه التي يمكن الحصول عليها من المصادر الجوفية والسطحية مقارنة بالكمية المتاحة. ومن بين هذه الدول قطر وفلسطين ولبنان والأردن وليبيا والكويت والسعودية والإمارات والبحرين وعُمان. كما تواجه 8 دول عربية أخرى ارتفاعاً في الإجهاد المائي، هي اليمن والمغرب والجزائر وتونس وسوريا وجيبوتي والعراق ومصر. وفي المحصلة، فإن أكثر من 370 مليون مواطن عربي يعاني من أزمة مياه حادة أو مرتفعة.
ويحذر تقرير مشترك صدر عن منظمة الأغذية الزراعة للأمم المتحدة (الفاو) و«البنك الدولي» في أغسطس (آب) 2019 من أن تتسبب ندرة المياه المرتبطة بالمناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بخسائر اقتصادية تُقدّر بما بين 6 و14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050، وهي النسبة الأعلى في العالم.
وتشمل الخسائر الاقتصادية ارتفاع معدلات البطالة بفعل تأثير ندرة المياه على سبل العيش التقليدية، مثل الزراعة. والنتيجة يمكن أن تكون انعدام الأمن الغذائي واضطرار الناس للهجرة، إلى جانب تزايد الإحباط من حكومات غير قادرة على ضمان تقديم الخدمات الأساسية، وهو ما قد يصبح محركاً آخر لعدم الاستقرار.
واللافت أن العديد من المناطق التي تعاني من «إجهاد مائي شديد» تقع في مناطق الصراعات، حيث يمكن أن تصبح المياه عاملاً مساهماً في إذكاء نارها. كما تعاني العديد من المناطق التي تضطر إلى استيعاب أعداد كبيرة من النازحين من إجهاد مائي.
طلب متزايد وبحث عن حلول

خلال نصف القرن الماضي، ارتفع المعدل العالمي لكمية المياه العذبة المستخرجة من مصادر المياه الجوفية والسطحية بمقدار مرتين ونصف المرة. كما سجل الطلب على المياه لري المحاصيل زيادة بأكثر من الضعف، حيث يستهلك الري الزراعي نحو 67 في المائة من المياه المستخدمة كل عام. وتتجاوز هذه النسبة 80 في المائة في المنطقة العربية.
وعلى الرغم من تضاعف الاستخدام المنزلي للمياه بمقدار ستة أضعاف خلال الفترة ذاتها، فإن نسبته لا تتجاوز 10 في المائة فقط من كمية المياه المستخرجة. في حين تستهلك الصناعات نحو 21 في المائة من إجمالي عمليات سحب المياه.
وحذرت منظمات عدة تابعة للأمم المتحدة من أن تغيُّر المناخ سيفاقم من ندرة المياه. ووفقاً لتوقعات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، واستناداً للاتجاهات الحالية، ستؤدي ندرة المياه في بعض المناطق القاحلة وشبه القاحلة إلى نزوح ما بين 24 مليوناً و700 مليون شخص بحلول عام 2030.
ونظراً لأن العوامل الاجتماعية والاقتصادية تُعدّ المحرك الرئيسي للطلب على المياه في العالم، فإنه يمكن التخفيف من وطأة هذه الأزمة عن طريق الإدارة الجيدة للمياه. فعلى سبيل المثال، أنشأت سنغافورة ما سمته الحكومة بـ«الصنابير الوطنية الأربعة»، وهو نظام يقوم على التقاط مياه الأمطار وتجميعها، واستيراد المياه من ماليزيا، وتوفير تنقية عالية الجودة لمياه الصرف، وتحلية مياه البحر.
كما تطور دول عديدة في الشرق الأوسط وفي الهند تقنيات متقدمة في معالجة المياه وإدارتها، بما في ذلك دعم الأبحاث الخاصة بالزراعات الدقيقة والمحاصيل المقاومة للجفاف التي تستهلك كميات قليلة من مياه الري. وبعد عقود من التقدُّم البطيء، انخفضت تكاليف تحلية مياه البحر، وازداد استخدامها لتوفير مياه الشرب في جميع أنحاء العالم.
وكانت أول محطة تجارية لإزالة الملوحة من المياه شيدت في ستينات القرن الماضي، وهناك الآن نحو 20 ألف منشأة حول العالم تحول مياه البحر إلى مياه عذبة تغطي حاجة 300 مليون شخص. وتنتج السعودية، التي تندر فيها المياه العذبة وتنعم بوفرة الوقود الأحفوري اللازم لتشغيل محطات التحلية، نحو خُمس إجمالي المياه المحلاة في العالم. ومن المتوقع إدخال الشمس كعنصر أساسي في مزيج الطاقة لتشغيل محطات التحلية.
وفي مواجهة أزمة المياه، تطبق الدول العربية عدداً من الإجراءات، تشمل على سبيل المثال تقييد استهلاك المياه لبعض الاستعمالات، كما فعلت السعودية بحظر زراعة الأعلاف التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، والتحوّل إلى مصادر الطاقة المتجددة لخفض النفقات وتوفير الطاقة لتحلية المياه المالحة، وإعادة ضخ المياه المعالجة لتغذية الأحواض المائية الجوفية كما فعلت أبوظبي.
ويمكن اتباع إجراءات أخرى للتكيُّف مع ندرة المياه، تشمل إلى جانب الإصلاحات المؤسساتية تحديث أنظمة الري، وتغيير أنماط زراعة المحاصيل، وتطوير مصادر مياه جديدة كحصاد مياه الأمطار ومعالجة ملوحة التربة وتدوير المياه العادمة، وتسعير المياه، والتوسع في قطاع الطاقة المتجددة، بوصفها مصدراً لدعم المياه والغذاء.


مقالات ذات صلة

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:55

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية…

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد الوزير السعودي يتسلم رئاسة السعودية رسمياً لمؤتمر «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

«كوب 16 الرياض» يجمع صناع السياسات لإعادة تأهيل الأراضي ومكافحة التصحر

اجتمع عدد كبير من صنُاع السياسات والمنظمات الدولية والدوائر غير الحكومية وكبرى الجهات المعنية، الاثنين، في الرياض، للبحث عن حلول عاجلة للأزمات البيئية.

آيات نور (الرياض) عبير حمدي (الرياض) زينب علي (الرياض)
الاقتصاد وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية د. أسامة فقيها مع عدد من المتحدثين (الشرق الأوسط) play-circle 01:04

فقيها لـ«الشرق الأوسط»: مساعٍ سعودية لزيادة التزامات الدول بمكافحة تدهور الأراضي

أكد وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية الدكتور أسامة فقيها لـ«الشرق الأوسط» أن المملكة تسعى ليكون مؤتمر «كوب 16» نقطة تحول تاريخية بمسيرة «الاتفاقية».

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد جانب من حضور مؤتمر «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

«منتدى السعودية الخضراء» يجمع المئات من صنّاع السياسات حول العالم

تحتضن الرياض النسخة الرابعة من «منتدى مبادرة السعودية الخضراء» يومي 3 و4 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تحت شعار «بطبيعتنا نبادر»، خلال مؤتمر «كوب 16».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
TT

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)

بات ما يزيد قليلاً على 75 في المائة من أراضي العالم «أكثر جفافاً بشكل دائم» على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفق تقرير تدعمه الأمم المتحدة صدر، الاثنين، تزامناً مع مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) في السعودية.

وصارت الأراضي الجافة الآن تغطي 40 في المائة من مساحة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، حسبما خلصت دراسة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، محذرة من أن هذا التحول يمكن أن يؤثر فيما يصل إلى خمسة مليارات شخص بحلول عام 2100، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأظهر التقرير الذي يشير إلى «تهديد وجودي» تفرضه مسارات يتعذّر تغيير اتجاهها، أن الأراضي الجافة، المناطق التي تصعب زراعتها، زادت بمقدار 4.3 مليون كلم مربع بين عامي 1990 و2020، وهي مساحة تعادل ثلث مساحة الهند.

تحذيرات من «القحط»

وجاء التحذير خلال اجتماع مؤتمر «كوب 16» الذي بدأ الأسبوع الماضي في الرياض ويستمر 12 يوماً، بهدف حماية الأراضي واستعادتها والاستجابة إلى الجفاف في ظل تغير المناخ المستمر.

ويحذّر التقرير من أن القحط، وهو نقص مزمن في المياه، يمتد الآن على 40.6 في المائة من كتلة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، مقابل 37.5 في المائة قبل 30 عاماً.

أشخاص يسيرون عبر جزء من نهر الأمازون تظهر عليه علامات الجفاف في كولومبيا (أ.ب)

كما يحذّر من أن المناطق الأكثر تضرراً تشمل الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط وجنوب أفريقيا وجنوب أستراليا وبعض مناطق آسيا وأميركا اللاتينية.

وقال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إبراهيم ثياو: «على عكس الجفاف -فترات مؤقتة من انخفاض هطول الأمطار- يمثّل القحط تحولاً دائماً لا هوادة فيه».

وأضاف أن «المناطق المناخية الأكثر جفافاً التي تؤثر الآن في أراضٍ شاسعة في جميع أنحاء العالم لن تعود إلى ما كانت عليه، وهذا التغيير يعيد تعريف الحياة على الأرض».

«أسوأ سيناريو»

وأضاف التقرير أن التغييرات تُعزى إلى حد كبير إلى الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تغيّر هطول الأمطار وتزيد من نسب التبخر.

وتشمل آثار نقص المياه المزمن تدهور التربة وانهيار النظام البيئي وانعدام الأمن الغذائي والهجرة القسرية، وفقاً للعلماء.

وحسب التقرير، يعيش بالفعل 2.3 مليار شخص في مناطق جافة تتوسع، مع توقعات تشير إلى أن «أسوأ سيناريو» يتمثّل في عيش 5 مليارات شخص في هذه الظروف مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

ولمواجهة هذا الاتجاه، حثّ العلماء الأعضاء على «دمج مقاييس القحط في أنظمة مراقبة الجفاف الحالية»، وتحسين إدارة التربة والمياه، و«بناء القدرة على الصمود في المجتمعات الأكثر ضعفاً».