تونس تحتفل بالذكرى التاسعة للثورة

TT

تونس تحتفل بالذكرى التاسعة للثورة

احتفل التونسيون أمس بالذكرى التاسعة لثورة 2011 في أجواء غلبت عليها تساؤلات عدة حول مصير حكومتهم الجديدة المرتقبة، ومتى تصبح جاهزة لمزاولة عملها، خاصة في ظل التردي المستمر لأوضاعهم الاجتماعية. وانتظمت بالمناسبة مظاهرات نقابية واجتماعية عدة، صب معظمها في توجيه انتقادات حادة للطبقة السياسية، والتأكيد مجدداً على فشلها في إنقاذ الوضع الاجتماعي والاقتصادي من الانهيار.
في غضون ذلك، دعت مجموعة من الأحزاب السياسية، التي شاركت في الإطاحة بالنظام السابق إلى «الوحدة وتغليب المصلحة الوطنية من أجل استكمال استحقاقات الثورة»، فيما نبهت أحزاب أخرى في بيانات لها إلى المخاطر التي تتهدد الثورة التونسية، ودعت إلى ضرورة الانتباه إلى «القوى المضادة للثورة، الساعية لإحباط الانتقال السياسي في تونس».
من جهته، انتقد نور الدين الطبوبي، الأمين العام لاتحاد الشغل (رئيس نقابة العمال)، بشدة الطبقة السياسية خلال تجمع عمالي وسط العاصمة بقوله: «على من منحتهم الانتخابات البرلمانية والرئاسية أمانة إدارة شؤون تونس أن يتحملوا مسؤوليّتهم، ويعجلوا بتشكيل الحكومة الجديدة». داعياً إلى تشكيل سريع لـ«حكومة إنقاذ وطني، يُحدد لها برنامج قصير المدى، موسوم بالنجاعة وسرعة الإنجاز».
كما أبرز الطبوبي أن الحكومة المرتقبة مطالبة بأن تكون «محدودة العدد، تتكون من كفاءات سياسية وشخصيات وطنية، مشهود لها بالخبرة العالية والقدرة على المبادرة، وتتحلّى بالنزاهة ونظافة اليد لتتفرغ لخدمة تونس، وإنقاذ المواطنين من براثن الحاجة والفقر والتهميش».
في غضون ذلك، حذر رئيس الاتحاد العام للشغل من اختراق سيادة بلاده، رداً على زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبل أسابيع، بقوله: «إردوغان أو غيره... السيادة خط أحمر، ولا ولاء لغير تونس... تونس أكبر من إردوغان، ومن أي محاور».
وأضاف الطبوبي: «نُدين التدخلات الأجنبية في الشأن الليبي، ودعوات الحرب التي أصبحت بعض الدول تدق طُبولها من وراء البحار، خدمة لمصالحها على حساب الشعب الليبي، في تحد سافر للأعراف والقوانين الدولية».
واستغل جل التونسيين مناسبة الاحتفال بالذكرى التاسعة للثورة، أمس، لنشر تعليقات وتغريدات تعبر عن إحساسهم بتراجع مستوياتهم الاجتماعية، وتنتقد إخفاق الحكومات المتتالية في تحقيق إقلاع اقتصادي واجتماعي بعد نجاح مسار الانتقال السياسي.
وفي هذا السياق، توقع عبد الرحمان الهذيلي، رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة حقوقية مستقلة)، أن يشهد الوضع الاجتماعي «تصعيدا اجتماعيا جديدا»، وذلك بسبب إخفاق حكومات ما بعد الثورة في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتواصل التفاوت والفوارق بين الفئات الاجتماعية والجهات. مبرزاً أن تونس «تعرف يومياً نحو 23 تحركا احتجاجيا، وهو ما يدعو للقلق... ولذلك يجب التفكير بسرعة في خطة انتقال اقتصادي واجتماعي، تضع حداً لمزيد من التدهور في الأوضاع الاجتماعية، وتعيد الأمل للتونسيين».
من جهة ثانية، وبخصوص المشاورات المتعلقة باختيار رئيس الحكومة الجديدة من قبل رئيس الجمهورية، وجه قيس سعيد مراسلة إلى الأحزاب والائتلافات والكتل البرلمانيّة، دعاهم فيها إلى تقديم مقترحات مكتوبة حول الشخصية، أو الشخصيات التي يرون أنها الأقدر على تكوين حكومة في أجل أقصاه يوم غد الخميس، لينهي بذلك جدلاً أطلقته بعض القيادات السياسية حول الطريقة التي سيعتمدها الرئيس لاختيار رئيس جديد للحكومة، بعد إخفاق حكومة الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان.
وناشد الرئيس قيس سعيد الأحزاب السياسية تقديم مقترحاتها في أسرع وقت، وذلك لمنح مدة كافية لتعميق المشاورات مع مختلف الأطراف السياسية، واحتراماً للمدة التي نصّ عليها الدستور، والتي تنتهي الاثنين المقبل. وفي هذا الشأن، أكد زهير المغزاوي، رئيس حركة الشعب (قومي)، على ضرورة «اختيار شخصية وطنية متفق عليها، وعلى قيادة جماعية للبلاد، وفق برنامج واضح، وبتوافقات مع المنظمات الوطنية».
واعتبر المغزاوي، الذي تمسك حزبه منذ البداية بـ«حكومة الرئيس»، بدل مرشح تدعمه حركة النهضة، أن المرحلة الحالية تستوجب قيادة جماعية للحكم، بما فيها حركة النهضة. نافياً أن تكون حكومة الرئيس المقبلة هي حكومة قيس سعيد.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.