سانشيز يفشل في امتحانه الأول لتشكيل الحكومة الإسبانية الجديدة

أجواء «الحرب الأهلية» خيّمت على جلسة الثقة

سانشيز يغادر البرلمان الإسباني في مدريد أمس (أ.ب)
سانشيز يغادر البرلمان الإسباني في مدريد أمس (أ.ب)
TT

سانشيز يفشل في امتحانه الأول لتشكيل الحكومة الإسبانية الجديدة

سانشيز يغادر البرلمان الإسباني في مدريد أمس (أ.ب)
سانشيز يغادر البرلمان الإسباني في مدريد أمس (أ.ب)

تحوّل البرلمان الإسباني، أمس، إلى ما يشبه غارة كلامية عنيفة شنّتها القوى والأحزاب السياسية المعارضة ضد الزعيم الاشتراكي بيدرو سانشيز ومشروعه لتشكيل الحكومة الجديدة بالتحالف مع اليساريين والشيوعيين، ودعم غير مباشر من بعض القوى الانفصالية في إقليمي بلاد الباسك وكاتالونيا. وعاشت إسبانيا صباح البارحة، عبر النقاش العنيف الذي ساد الجلسة البرلمانية الثانية لطرح الثقة، أجواء مقلقة طغت عليها الانقسامات السياسية الحادة التي كشفت عمق الشرخ في المشهد السياسي الذي استعاد مناخاً لم يعرفه منذ الحرب الأهلية.
وكان مجلس النوّاب الإسباني قد استأنف نشاطه العادي بعد ثمانية أشهر من الانقطاع عن النشاط منذ الربيع الماضي، بسبب تعذّر تشكيل أغلبية برلمانية لتأليف حكومة إثر انتخابات أبريل (نيسان)، والعودة إلى صناديق الاقتراع في العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وإذ كانت الأوساط السياسية تعوّل على استئناف النشاط البرلماني كفرصة لتنفيس الاحتقان المتراكم، سياسياً واجتماعياً، بسبب الأزمة الانفصالية في كاتالونيا، جاءت جلسة الثقة التي بدأت يوم السبت الماضي لتفجّر الخلافات العميقة التي تعتمل منذ سنوات حول شكل الدولة ونظام الحكم والمطالب الانفصالية.
وفشل سانشيز في الحصول على ثقة البرلمان في الجولة الأولى من التصويت، إذ لم يحصل سوى على تأييد 166 نائباً، أي 10 أصوات دون الأغلبية المطلوبة في الجولة الأولى، بينما بلغت الأصوات التي اعترضت على تشكيله الحكومة 165 وامتنع 18 عن التصويت. ومن المنتظر أن ينال سانشيز الثقة في الجلسة التالية غدا الثلاثاء، حيث يكفيه الحصول على أغلبية بسيطة من الأصوات المؤيدة، علما بأن إحدى النائبات عن حزبه لم تتمكّن من المشاركة والتصويت في جلسة أمس بسبب المرض، وهي قد أعلنت أنها ستشارك في الجلسة المقبلة.
ويكمن بيت القصيد في حصول سانشيز على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، وفي الحملة القاسية التي تشنّها المعارضة عليه منذ فترة، والتي لامست حدود القدح والذم في جلسة البارحة، في موقف الانفصاليين الكاتالونيين من حزب اليسار الجمهوري وحزب «بيلدو» الذي يعتبر وريث منظمة «إيتا» الإرهابية الباسكية التي قرّرت حلّ نفسها منذ عامين والتخلّي عن النشاط العسكري للمطالبة باستقلال إقليم الباسك عن إسبانيا. فقد قرّر هذان الحزبان الامتناع عن التصويت في جلسة الثقة، بما يتيح لسانشيز في الجولة الثانية أن تكون الأصوات المؤيدة له أكثر من الأصوات المعترضة. لكن هذا القرار كان ثمرة مفاوضات طويلة ومعقّدة تعتبر الأحزاب اليمينية أن الزعيم الاشتراكي قدّم بموجبها تنازلات كبيرة للقوى التي تريد «تقسيم إسبانيا»، مقابل امتناعها عن التصويت لتمهيد الطريق أمامه من أجل تشكيل الحكومة.
ورغم الاتفاق الذي توصّل إليه سانشيز مع هذه القوى، فإن ممثليها في البرلمان حذّروه من أنّهم لن يترددوا لحظة في إسقاط حكومته إذا تخلّى عن تعهداته أو ماطل في تحقيقها. وقالت الناطقة بلسان حزب «بيلدو» الباسكي: «من غير أصواتنا والتجاوب مع مطالب أمّتنا، لن تكون هناك حكومة تقدمية في إسبانيا».
وقاطعت الأحزاب اليمينية غير مرة الناطقة بلسان «بيلدو» خلال إلقائها كلمتها، على وقع هتافات مثل «مجرمون» في إشارة إلى مئات الضحايا التي أوقعتها عمليات «إيتا» بين مدنيين وعسكريين، والتي لم تعتذر عنها هذه القوة السياسية التي تشكّلت من قاعدتها الشعبية بعد حلّها. أمّا الناطق بلسان اليسار الجمهوري في كاتالونيا، فقد أعلن أن «لا بقاء للحكومة من غير التفعيل السريع لمائدة الحوار بين الحكومتين المركزية والإقليمية».
وفي هجومها على سانشيز استخدمت الأحزاب اليمينية، وبخاصة الحزب الشعبي الذي يقود المعارضة، عبارات مثل «كذّاب» و«رئيس مزيّف» و«عديم الكرامة» و«متعجرف» و«مثير للشفقة». ويأتي هذا الهجوم العنيف الذي بدأ بُعيد الانتخابات الأخيرة مطالع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما أعلن سانشيز عن توصّله إلى اتفاق مع حزب «بوديموس» اليساري لتشكيل حكومة تقدمية، وأنه سيتفاوض مع القوى الانفصالية اليسارية بهدف الحصول على تأييدها أو امتناعها عن التصويت لتشكيل الحكومة الجديدة. كما يندرج هذا الهجوم في سياق استراتيجية الحزب الشعبي لاستعادة الحكومة، بعد أن تمكّن في الانتخابات الأخيرة، وبعكس التوقعات، من استرداد موقعه كقوة ثانية في المشهد السياسي. ويدرك هذا الحزب، الذي تناوب على الحكم في إسبانيا مع الاشتراكيين منذ عودة الديمقراطية أواخر سبعينات القرن الماضي، أن حكومة سانشيز التي رهنت بقاءها للقوى الانفصالية، قد تسقط عند أول اختبار دقيق مع هذه القوى، ما يشرّع أمامه الأبواب للفوز في الانتخابات المقبلة بعد الإنهاك الطويل الذي يكون سانشيز قد راكمه بسبب عدم تمكّنه من تشكيل حكومة مستقرّة للمرة الثالثة على التوالي.
وبعد تهديدات زعيم الحزب الشعبي بابلو كاسادو بإحالة سانشيز إلى القضاء بتهمة «خيانة الدستور»، يُخشى أن ينتقل هذا الاحتقان السياسي إلى الشارع إذا لم تتمكّن المؤسسات من احتوائه، خاصة بعد التصعيد الخطير الذي شهدته الأزمة الانفصالية الكاتالونية في الأيام الأخيرة.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».