«وجوه وأماكن»... معرض يحتفي بالثقافتين السعودية والمصرية بالقاهرة

يشهد تدشين كتاب «بورتريه داوستاشي»

الفنانون المصريون والسعوديون المشاركون بالورشة
الفنانون المصريون والسعوديون المشاركون بالورشة
TT

«وجوه وأماكن»... معرض يحتفي بالثقافتين السعودية والمصرية بالقاهرة

الفنانون المصريون والسعوديون المشاركون بالورشة
الفنانون المصريون والسعوديون المشاركون بالورشة

لحظات ثقافية جديدة وتجديدية بالنسبة للفنان والمتلقي، على السواء، تفجر الطاقات الإبداعية وتكسر هيمنة الفن التقليدي في مزج مدهش بين الحضارتين والثقافتين المصرية والسعودية، يحتضنها الآن حدث فني مميز في غاليري «ضي» بالقاهرة، يجمع هذا الحدث بين تدشين كتاب البورتريه للفنان الكبير عصمت داوستاشي، بجانب إطلاق معرضين؛ الأول لداوستاشي عن البورتريه، والآخر بعنوان «حوارات الوجوه والأماكن» لنخبة من الفنانين التشكيليين المصريين والسعوديين، وهو عبارة عن إنتاج الورشة التي نظمها الغاليري لهم على مدار الثلاثة أسابيع الماضية.
وعلى صفحات كتاب «البورتريه» لداوستاشي، نعيش مع الوجوه التي رسمها خلال رحلته الفنية، وندرك أن البورتريه ليس الوجه فقط، وإنما كامل الجسد والزمان والمكان والحالة الصحية والنفسية والمزاج الشخصي والوطن والعمر والعمل وغير ذلك، مما يخص صاحب الوجه الذي يرسمه الفنان، يقول داوستاشي لـ«الشرق الأوسط»: «ليس البورتريه هو الشكل الخارجي، إنما هو إبحار داخل النفس الإنسانية بكل مكنوناتها وتفاصيلها وتجاربها الإنسانية».
وعن هذه الاحتفالية الكبرى التي أطلقها غاليري «ضي»، يقول طلال زاهد وهو من كبار رعاة الفن التشكيلي السعودي والمصري: «تأتي الورشة تكريماً للفنان الكبير عصمت مع إصدار كتابه المهم، وقد وجدنا أنها فرصة لدعوة نخبة من الفنانين المصريين والسعوديين لتبادل الخبرات، فيما يعد مجهوداً مشتركاً بينهم وتجسيداً للإخاء بين الشعبين الشقيقين». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «بلا شك عندما تصبح هناك ورش تضم مجموعات مختلفة من الفنانين يعملون معاً في وقت واحد، يصبح هناك أيضاً نوع من التنافس الشريف، ويحاول كل فنان الارتقاء بعمله، وهو ما تحقق في هذه الورشة التي نجحت في تحفيز الفنانين على العطاء الفني، ويظهر ذلك واضحاً عبر مشاهدة أعمالهم في المعرض الفني الذي أعقبها، كما أن الورشة تساعد على بناء صداقات حميمة بين الفنانين من البلدين، وبل حتى من الدولة نفسها، فعندما يعملون معا كتفاً بكتف يحدث التقارب والألفة وتزداد الخبرات».
وأشار إلى أنه «في هذا المعرض يستطيع الزائر أن يرى نماذج لروائع أبدعها الفنانون الذين قمنا بدعوتهم للمشاركة، ولأنهم جاءوا لتقديم أعمال في مصر فقد حاولوا المزج بين البيئتين والحضارتين المصرية والسعودية، إذ أسعدني للغاية ما لمسته من تشابك الحضارتين في الأعمال، فقد امتزجا وكأنهما روح واحدة، وتعكس اللوحات حقيقة أنه لا يوجد تضارب بين الثقافتين، بل يوجد تكامل واضح».
ويضيف طلال زاهد: «إن الفن السعودي بدأ في الأربعينات من القرن الماضي، ومنذ البداية نشأ قوياً، فقد سافر الرواد، منهم عبد الحليم رضوي ومحمد السليم رحمهما الله، في بعثات للخارج، وعند العودة قاموا بالتدريس لسائر الفنانين السعوديين، وبالتدرج شهد الفن التشكيلي في السعودية تطوراً كبيراً، وسيبقى التطور مستمراً لأن هناك إرادة ومواهب حقيقة يزخر بها المشهد التشكيلي السعودي». ويشهد غاليري «ضي» فعاليات متنوعة وثرية وزاخرة بالمشاهد الفنية المحفزة على الإبداع والعطاء الفني والتعاون المشترك بين شعبين شقيقين بينهما روابط تاريخية وحضارية وطيدة، وفق هشام قنديل مدير الغاليري، الذي يضيف لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً إن «كتاب دواستاشي يُعد توثيقاً لجانب مهم من الحركة الفنية، ويمثل دراسة متعمقة في فن البورتريه».
فيما قال الفنان الناقد محمد الناصر، قومسير ورشة «وجوه وأماكن»، إنها «حلقة من سلسلة ورش عمل بين أتيليه جدة وقاعة ضي برعاية الزاهدية للثقافة والإبداع».
وخلال زيارتك لمعرض «حوارات الوجوه والأماكن»، لا تستطيع إخفاء انبهارك باللوحات والمنحوتات الزاخرة بالجمال والمعاني والأحاسيس المتدفقة، وتشاهد بورتريهات لرموز فنية وثقافية منها بورتريه للأديب نجيب محفوظ أبدعه دكتور طاهر عبد العظيم، الأستاذ بكلية فنون جميلة جامعة حلوان، الذي شارك بـ12 عملاً، ويعتبر المعرض فرصة للاطلاع على أساليب فنية وأذواق وشخصيات مختلفة ما يثري الفنانين، كما قدمت الفنانة الشابة د. منى رأفت مجموعة من الوجوه من البيئة المصرية، إضافة إلى وجوه أوروبية تأثراً برحلتها الفنية إلى إيطاليا أخيراً، بينما يأخذ الفنان جمال هلال الزائر إلى روح مجلة «صباح الخير» المرحة عبر مجموعة من البورتريهات التي تقدم تبرز دلال الفتاة المصرية، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، «أن الورشة حققت أهدافها، حيث تحقق تبادل الخبرات بين المشاركين، وأثناء الورشة أبدى الإخوة السعوديون اهتمامهم بالتشخيص والبورتريه، وتابعوا نحت التماثيل ورسم الموديل بشكل أكاديمي حي، كما احتفى المصريون بالبيئة السعودية ومفردات التراث السعودي».
ويدهشك في المعرض براعة الفنانين السعوديين في تجسيد المناظر الطبيعية الخلابة والأمكنة التي تزخر بالدفء الإنساني في مصر والسعودية، ومنها أعمال الفنان عبد الرحمن المغربي الذي قدم عملين مستلهمين من الريف، ويقول: «تميزت الورشة بإكساب المشاركين الخبرة البصرية والاحتكاك، والتعرف على اتجاهات متعددة، وباندماج الحضارات المصرية والسعودية».
أما الفنان السعودي الشاب رائد الأحمدي، فيظهر تأثره البالغ بنشأته في منطقة بللحمر في عسير جنوب السعودية، حيث تلتقي على سطح لوحاته بالمعرض بحكايات الفلاحين ومفردات القرى، قائلاً: «أعمالي تضم العناصر المشتركة بين الريفين المصري والسعودي، فقد اكتشفت أن ثمة تشابهاً إنسانياً وبيئياً كبيراً، حتى في فرحتهم بجني المحصول، والأغاني والرقص والسعادة المرتبطة به».
وتقول الفنانة السعودية علا حجازي: «الرائع في هذه الورشة أنها لا تقتصر على إبداع مجموعة لوحات، إنما هي فرصة للتبادل الثقافي واكتساب الخبرات والمنافسة بين الفنانين، فمصر ملهمة للفنانين، وهي ليست فقط (أم الدنيا) لكنها (أم الفنون) أيضاً، وقد تعلمنا الكثير من فنانيها الرواد، وقبل سفرنا لأوروبا، كنا نأتي لمصر ونستلهم من أعمال فنانيها، وعلى الجانب الآخر شهد التشكيل السعودي من بداياته محاولات مستمرة للخروج من التقليدية إلى فن يحاكي به الفنون العالمية بهوية سعودية من حيث مفرداته المأخوذة من البيئة وتراثها الأصيل بدعم وتعزيز حقيقي من الدولة».



«من القلب إلى اليدين»... معرض يطير من ميلانو إلى باريس

حوار صامت بين الفنّ والموضة (إعلانات المعرض)
حوار صامت بين الفنّ والموضة (إعلانات المعرض)
TT

«من القلب إلى اليدين»... معرض يطير من ميلانو إلى باريس

حوار صامت بين الفنّ والموضة (إعلانات المعرض)
حوار صامت بين الفنّ والموضة (إعلانات المعرض)

للمرّة الأولى، تجتمع في باريس، وفي مكان واحد، 200 قطعة من تصاميم الإيطاليَيْن دومنيكو دولتشي وستيفانو غبانا، الشريكَيْن اللذين نالت أزياؤهما إعجاباً عالمياً لعقود. إنه معرض «من القلب إلى اليدين» الذي يستضيفه القصر الكبير من 10 يناير (كانون الثاني) حتى نهاية مارس (آذار) 2025.

تطريز فوق تطريز (إعلانات المعرض)

وإذا كانت الموضة الإيطالية، وتلك التي تنتجها ميلانو بالتحديد، لا تحتاج إلى شهادة، فإنّ هذا المعرض يقدّم للزوار المحطّات التي سلكتها المسيرة الجمالية والإبداعية لهذين الخيّاطَيْن الموهوبَيْن اللذين جمعا اسميهما تحت توقيع واحد. ونظراً إلى ضخامته، خصَّص القصر الكبير للمعرض 10 صالات فسيحة على مساحة 1200 متر مربّع. وهو ليس مجرّد استعراض لفساتين سبقت رؤيتها على المنصات في مواسم عروض الأزياء الراقية، وإنما وقفة عند الثقافة الإيطالية واسترجاع لتاريخ الموضة في ذلك البلد، وللعناصر التي غذّت مخيّلة دولتشي وغبانا، مثل الفنون التشكيلية والموسيقى والسينما والمسرح والأوبرا والباليه والعمارة والحرف الشعبية والتقاليد المحلّية الفولكلورية. هذه كلّها رفدت إبداع الثنائي ومعها تلك البصمة الخاصة المُسمّاة «الدولتشي فيتا»، أي العيشة الناعمة الرخية. ويمكن القول إنّ المعرض هو رسالة حبّ إلى الثقافة الإيطالية مكتوبة بالخيط والإبرة.

للحفلات الخاصة (إعلانات المعرض)

عروس ميلانو (إعلانات المعرض)

هذا المعرض الذي بدأ مسيرته من مدينة ميلانو الساحرة، يقدّم، أيضاً، أعمالاً غير معروضة لعدد من التشكيليين الإيطاليين المعاصرين، في حوار صامت بين الفنّ والموضة، أي بين خامة اللوحة وخامة القماش. إنها دعوة للجمهور لاقتحام عالم من الجمال والألوان، والمُشاركة في اكتشاف المنابع التي استمدَّ منها المصمّمان أفكارهما. دعوةٌ تتبع مراحل عملية خروج الزيّ إلى منصات العرض؛ ومنها إلى أجساد الأنيقات، من لحظة اختيار القماش، حتى تفصيله وتزيينه بالتطريزات وباقي اللمسات الأخيرة. كما أنها مغامرة تسمح للزائر بالغوص في تفاصيل المهارات الإيطالية في الخياطة؛ تلك التجربة التي تراكمت جيلاً بعد جيل، وشكَّلت خزيناً يسند كل إبداع جديد. هذه هي باختصار قيمة «فيتو آمانو»، التي تعني مصنوعاً باليد.

دنيا من بياض (إعلانات المعرض)

رسمت تفاصيل المعرض مؤرّخة الموضة فلورنس مولر. فقد رأت في الثنائي رمزاً للثقافة الإيطالية. بدأت علاقة الصديقين دولتشي وغبانا في ثمانينات القرن الماضي. الأول من صقلية والثاني من ميلانو. شابان طموحان يعملان معاً لحساب المصمّم كوريجياري، إذ شمل دولتشي صديقه غبانا برعايته وعلّمه كيف يرسم التصاميم، وكذلك مبادئ مهنة صناعة الأزياء وخفاياها؛ إذ وُلد دولتشي في حضن الأقمشة والمقصات والخيوط، وكان أبوه خياطاً وأمه تبيع الأقمشة. وهو قد تكمَّن من خياطة أول قطعة له في السادسة من العمر. أما غبانا، ابن ميلانو، فلم يهتم بالأزياء إلا في سنّ المراهقة. وقد اعتاد القول إنّ فساتين الدمى هي التي علّمته كل ما تجب معرفته عن الموضة.

الخلفية الذهبية تسحر العين (إعلانات المعرض)

الأحمر الملوكي (إعلانات المعرض)

عام 1983، ولدت العلامة التجارية «دولتشي وغبانا»؛ وقد كانت في البداية مكتباً للاستشارات في شؤون تصميم الثياب. ثم قدَّم الثنائي أول مجموعة لهما من الأزياء في ربيع 1986 بعنوان «هندسة». ومثل كل بداية، فإنهما كانا شبه مفلسين، جمعا القماش من هنا وهناك وجاءا بعارضات من الصديقات اللواتي استخدمن حليهنّ الخاصة على منصة العرض. أما ستارة المسرح، فكانت شرشفاً من شقة دولتشي. ومع حلول الشتاء، قدَّما مجموعتهما التالية بعنوان «امرأة حقيقية»، فشكَّلت منعطفاً في مسيرة الدار. لقد أثارت إعجاب المستثمرين ونقاد الموضة. كانت ثياباً تستلهم الثقافة الإيطالية بشكل واضح، وكذلك تأثُّر المصمّمين بالسينما، لا سيما فيلم «الفهد» للمخرج لوتشينو فيسكونتي. كما أثارت مخيّلة الثنائي نجمات الشاشة يومذاك، مثيلات صوفيا لورين وكلوديا كاردينالي. وكان من الخامات المفضّلة لهما الحرير والدانتيل. وهو اختيار لم يتغيّر خلال السنوات الـ40 الماضية. والهدف أزياء تجمع بين الفخامة والحسّية، وأيضاً الدعابة والجرأة والمبالغة.

جمال الأزهار المطرَّزة (إعلانات المعرض)

اجتمعت هذه القطع للمرّة الأولى في قصر «بالازو ريالي» في ميلانو. ومن هناك تنتقل إلى باريس لتُعرض في واحد من أبهى قصورها التاريخية. إنه القصر الكبير الواقع على بُعد خطوات من «الشانزليزيه»، المُشيَّد عام 1897 ليستقبل المعرض الكوني لعام 1900. وعلى مدى أكثر من 100 عام، أدّى هذا القصر دوره في استضافة الأحداث الفنية الكبرى التي تُتقن العاصمة الفرنسية تقديمها.