قلق عربي ودولي بعد إجازة البرلمان التركي التدخل في ليبيا

ترمب يطالب بعدم تأجيج الصراع... و«النواب» الليبي يدعو لجلسة طارئة... والسيسي يبحث مع مجلس الأمن القومي «تهديدات» أنقرة

السيسي خلال اجتماع مجلس الأمن القومي (صفحة المتحدث الرئاسي في مصر)
السيسي خلال اجتماع مجلس الأمن القومي (صفحة المتحدث الرئاسي في مصر)
TT

قلق عربي ودولي بعد إجازة البرلمان التركي التدخل في ليبيا

السيسي خلال اجتماع مجلس الأمن القومي (صفحة المتحدث الرئاسي في مصر)
السيسي خلال اجتماع مجلس الأمن القومي (صفحة المتحدث الرئاسي في مصر)

أثار قرار البرلمان التركي، أمس، بالموافقة على إرسال قوات عسكرية لمساندة حكومة «الوفاق» في ليبيا، ردود أفعال غاضبة على مستويات عدة.
ففي واشنطن دعت الإدارة الأميركية الأطراف الخارجية الفاعلة إلى عدم تأجيج الصراع في ليبيا، بعد مصادقة البرلمان التركي بالأغلبية على إرسال قوات إليها، إذ قال مسؤول بالخارجية الأميركية لقناة «الحرة»، أمس، إن واشنطن «تحث جميع الأطراف الفاعلة لتجنب تفاقم الأوضاع في تلك الدولة».
وبحث الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع نظيره التركي، أمس، المستجدات الإقليمية، وفي مقدمتها ليبيا، وذلك خلال اتصال هاتفي، بحسب بيان صادر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، حيث أبلغ ترمب الرئيس التركي بأن «التدخل الأجنبي يعقد الوضع في ليبيا».
وقد جاء الاتصال الهاتفي عقب تصويت البرلمان التركي بالأغلبية لصالح إرسال قوات إلى ليبيا.
وكان مسؤول كبير بالخارجية قد ذكر في تصريحات للصحافيين أن الولايات المتحدة «تشعر بقلق بالغ إزاء تصاعد حدة الصراع في ليبيا»، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تواصل الاعتراف بحكومة الوفاق الوطني، التي يقودها فائز السراج. لكنه أضاف أن واشنطن لا تنحاز لطرف في الصراع، وتتحدث مع جميع الأطراف التي قد تكون مؤثرة في محاولة صياغة اتفاق يحل الصراع.
وفي القاهرة، نددت السلطات المصرية على لسان خارجيتها بالقرار التركي، فيما اعتبرت جامعة الدول العربية هذه الخطوة «إذكاءً للصراع الدائر هناك».
وقال السفير بسام راضي، المتحدث باسم الرئاسة المصرية، في بيان أمس، إن الرئيس السيسي عقد اجتماعاً بمجلس الأمن القومي «تناول التطورات الراهنة المتصلة بالأزمة الليبية، والتهديدات الناشئة عن التدخل العسكري الخارجي في ليبيا»، مشيراً إلى أنه «تم تحديد مجموعة من الإجراءات على مختلف الأصعدة، للتصدي لأي تهديد للأمن القومي المصري».
ونددت سلطات مصر في بيان نشرته وزارة الخارجية، أمس، بتمرير البرلمان التركي المذكرة، المقدمة من الرئيس رجب طيب إردوغان بتفويضه لإرسال قوات تركية إلى ليبيا. وقالت إن ذلك جاء على تأسيس «مذكرة التفاهم الباطلة الموقعة بين فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، والحكومة التركية حول التعاون الأمني والعسكري». كما وصفت هذه الخطوة بأنها «انتهاك لمقررات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن حول ليبيا بشكل صارخ، وبالأخص القرار 1970 لسنة 2011، الذي أنشأ لجنة عقوبات ليبيا، وحظر توريد الأسلحة والتعاون العسكري معها إلا بموافقة لجنة العقوبات».
كما حذرت مصر من مغبة «أي تدخل عسكري تركي في ليبيا وتداعياته»، مؤكدة أن «مثل هذا التدخل سيؤثر سلباً على استقرار منطقة البحر المتوسط، وتركيا ستتحمّل مسؤولية ذلك».
وفي هذا الصدد، أشارت مصر إلى «وحدة الموقف العربي، الرافض لأي تدخل خارجي في ليبيا، والذي اعتمده مجلس جامعة الدول العربية في اجتماعه الأخير، وتذكر بالدور الخطير الذي تلعبه تركيا بدعمها للتنظيمات الإرهابية، وقيامها بنقل عناصر متطرفة من سوريا إلى ليبيا، مما يُبرز الحاجة المُلحة لدعم استعادة منطق الدولة الوطنية، ومؤسساتها في ليبيا، مقابل منطق الميليشيات والجماعات المُسلحة، الذي تدعمه تركيا ويعوق عودة الاستقرار في هذا البلد العربي»، مشيرة إلى أن «أي احتمال للتدخل العسكري التركي في ليبيا يهدد الأمن القومي العربي بصفة عامة، والأمن القومي المصري بصفة خاصة، مما يستوجب اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بحماية المصالح العربية من مثل هذه التهديدات».
كما دعت مصر المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته بشكل عاجل في التصدي لهذا التطور، المنذر بالتصعيد الإقليمي، وآثاره الوخيمة على جهود التوصل عبر عملية برلين لتسوية شاملة، وقابلة للتنفيذ، تقوم على معالجة كل جوانب الأزمة الليبية من خلال المسار الأممي.
في السياق ذاته، أكدت الجامعة العربية على لسان مصدر مسؤول بالأمانة العامة، دعمها العملية السياسية من خلال التنفيذ الكامل لاتفاق الصخيرات الموقع في ديسمبر (كانون الأول) 2015، باعتباره المرجعية الوحيدة للتسوية في ليبيا، معربة عن القلق من التصعيد العسكري، الذي يفاقم الوضع المتأزم في ليبيا، ويهدد أمن واستقرار دول الجوار الليبي، والمنطقة كلها، بما فيها المتوسط. وأكدت أن التسوية السياسية «تظل من المنظور العربي هي الحل الوحيد لعودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا».
وأوضح المصدر أنه تنفيذاً لقرار مجلس الجامعة، فقد أجرى الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، اتصالاً هاتفياً، أمس، مع السكرتير العام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تناول خلاله آخر تطورات الموقف في ليبيا، كما أطلعه على فحوى قرار مجلس الجامعة الأخير بهذا الخصوص، ونقل له قلق الدول الأعضاء من تداعيات تصعيد الموقف على النحو الجاري حاليا.
وفي ليبيا، أدان مجلس النواب الليبي والحكومة المؤقتة في شرق البلاد، قرار البرلمان التركي، بينما تصاعدت حالة الغضب لدى بعض المكونات السياسية في البلاد.
وقال المتحدث باسم مجلس النواب الليبي، عبد الله بليحق، في تصريح صحافي، أمس، إنه «تقرر دعوة أعضاء المجلس غداً (السبت) لجلسة عاجلة بمدينة بنغازي لمناقشة تداعيات التدخل التركي السافر في ليبيا، وموافقة البرلمان التركي على إرسال قوات غازية إلى ليبيا»، واعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن القرار «يعد غزوا استعماريا لليبيا، وانتهاكا خارقا لسيادتها، وسنواجهه بكل قوة».
من جانبه، قال العقيد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي في قوات حفتر، إن «القوات التركية لن تغير شيئا في المعركة. نحن على أعتاب طرابلس، وسنكثف من غاراتنا على أي مطارات ستستقبل هذه القوات». فيما قال المتحدث باسم الإعلام الحربي التابع لقوات حفتر المنذر الخرطوش: «لا للإحباط والكلام عن التدخل التركي، وعلى إرسال قوات مرتزقة يحملون الجنسية السورية وغيرها. لقد رفعنا منذ البداية لواء الجهاد ضد المستعمر. فقد قاتلنا تنظيم (داعش) بمختلف الجنسيات... والوضع الآن في العاصمة لا يختلف، ولن يختلف بعد الدخول التركي».
كما اعتبر «حرك مانديلا»، الداعم لسيف الإسلام القذافي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن موافقة البرلمان التركي «يعتبر انتهاكاً معلناً واستعماراً لليبيا». وقال المتحدث باسم الحراك عبد المنعم أدرنبة: «رغم اختلافنا في توجهاتنا اليوم، فإنه يجب أن نتحد ضد هذه المهزلة»، مشددا على دعوة الجميع «للاستعداد للدفاع عن ليبيا، والرفض القاطع لكل ما تقوم به حكومة الوفاق غير المسؤولة من إجراءات».
وفي المغرب، قال الحسن عبيابة، الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، أمس، إن بلاده مستعدة لبذل أي مجهود لحل الأزمة في ليبيا. مشيرا إلى أن «المغرب يحترم السيادة الليبية»، وأن الرباط «تحترم كل المجهودات التي بذلت من أجل تنفيذ اتفاق الصخيرات»، الذي اعتبره «مرجعيا».
وفي الجزائر، قالت السلطات إنها ترفض وجود أي قوة أجنبية «مهما كانت» في الجارة ليبيا.
ففي تصريح للصحافة على هامش إرسال مساعدات إنسانية إلى ليبيا، قال صبري بوقادوم، وزير الشؤون الخارجية، إن الجزائر «ستقوم في الأيام القليلة القادمة بالعديد من المبادرات في اتجاه الحل السلمي للأزمة الليبية ما بين الليبيين فقط»، مضيفا أن الجزائر «لا تقبل بوجود أي قوة أجنبية مهما كانت».
وبعد تذكيره بموقف الجزائر الثابت بخصوص عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، جدد الوزير التأكيد أن «لغة المدفعية ليست هي الحل، وإنما يكمن الحل في التشاور بين جميع الليبيين وبمساعدة جميع الجيران وبالأخص الجزائر».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.