قادة انقلاب {الإنقاذ} يعترفون سراً بسيطرة «الإخوان» على السودان

البشير أقر بتصفية 28 ضابطاً ودفنهم بعد ترصد مع سبق الإصرار

قادة انقلاب {الإنقاذ} يعترفون سراً بسيطرة «الإخوان» على السودان
TT

قادة انقلاب {الإنقاذ} يعترفون سراً بسيطرة «الإخوان» على السودان

قادة انقلاب {الإنقاذ} يعترفون سراً بسيطرة «الإخوان» على السودان

أثارت تسريبات إعلامية لوقائع اجتماعات سرية لـ«جماعة الإخوان المسلمين» السودانيين ضجة واسعة، وكشفت عن سيطرة الإسلامويين بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير على مفاصل الدولة في البلاد، طوال العقود الثلاثة الماضية.
وفي الحلقات الوثائقية التي بثتها وتبثها فضائية «العربية» لما يبدو أنه اجتماع سري بحضور البشير، ورجل الإسلاميين المتشدد علي عثمان محمد طه وآخرين، اعترف البشير بتفاصيل سيطرة الجماعة على السلطة، وتمكنها من الدولة، والتخطيط لانقلاب 30 يونيو (حزيران)، وبتدبيره من قبل عراب الإسلاميين حسن الترابي، ونائبه علي عثمان محمد طه، وبالجرائم الكبيرة التي ارتكبت أثناء حكمهم.
وأقر البشير بالصورة والصوت، بتبعية حكومته للحركة الإسلامية، وقال: «(الإخوان) موجودون في كل مفاصل ومؤسسات الدولة»، وتابع: «كل أعضاء المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني، وكل قيادات الدولة، أعضاء مجلس الشورى، موجودون داخل هذه القاعة»، ويقصد بها قاعة الاجتماع الذي نقلت عنه التسجيلات.
وأوضح البشير، أن «الإخوان» يسيطرون على مفاصل الدولة كافة، ويقول: «(الإخوان) ليسوا في القيادة فقط، بل كل مفاصل الدولة يسيطرون عليها»، وتابع: «على من يعيبون علينا السيطرة على مفاصل الدولة، وأننا أتينا بـ(الإخوان) ومكنّاهم، أن يشاهدوا ما حدث لـ(الإخوان) في مصر؛ لأن كل مفاصل الدولة كانت ضدهم، لذلك أخرجوا من الدولة في يوم واحد».
ويستنكر البشير وبلهجة حادة، الخلافات بين «الإخوان» بقوله: «عضو الحركة إذا طلبنا منه أخذ بندقيته والوقوف حارساً أمام هذا المبنى، فسيأخذ بندقيته ويقف حارساً»، ويتابع ملمحاً ببعض تمرد وكيفية تعامله المرتقب معه، بقوله: «هذا هو عضو الحركة، وهو إذا لم يفعل ما يطلب منه فهو ليس عضواً بالحركة، والذي لا يطيع الأوامر في المنشط والمكره، ليس عضواً في الحركة»، ويضيف: «سنكون واضحين جداً، عندما نقول لعضو الحركة احمل بندقيتك يحملها، اذهب يذهب، هذه عضوية الحركة التي نريدها».
وتأكيداً لعدم جدوى الخلافات بينهم، يقول البشير: «المسؤولون في الحكومة والولاة، أعضاء المجلس التشريعي، أعضاء البرلمان، قيادة المؤتمر الوطني حركة إسلامية كلهم حركة إسلامية، فلماذا التنازع»؟
ويكشف البشير عن تفاصيل جريمة إعدام 28 ضابطاً من ضباط الجيش السوداني، معترفاً بأن حكومته قتلتهم «دفناً» بقوله: «أوصلناهم رمضان ثم دفناهم فانتهت الحكاية»، ويرجع البشير قتل ضباط رمضان إلى سباق بين مجموعتهم المحسوبة على حزب البعث العربي الاشتراكي، على الانقلاب على الحكم الديمقراطي، بقوله: «سبقناهم بـ48 ساعة، كان انقلابهم مخططاً له الأحد، ونحن نفذنا انقلابنا يوم الجمعة»، ويتابع: «هؤلاء جمعوا خيرة ضباط الجيش، ولم يكونوا عدداً محدوداً، صحيح البعثيين عددهم قليل لكن التنظيم فيه خيرة ضباط الجيش، لم يتوقفوا بعد انقلابنا، وسهرنا طوال ليلة السبت لإحباط محاولة البعثيين يوم السبت».
وبدأ البشير حانقاً من قرار حسن الترابي بحل الحركة الإسلامية عشية الانقلاب، وقدم شرحاً للانقلاب وقال: «سألته الدولة ملك من يا شيخ حسن، فنحن مقتنعون بأنها ملك للحركة الإسلامية»، ويوضح أن الشيخ الترابي أتاهم وهم ضباط وأبلغهم بأن «إخوانكم قرروا تسلم السلطة»، وهم لم يسألوا من هم إخوانهم، وقالوا: «سمعاً وطاعة».
وانتقد البشير بشدة الاعتداءات التي قام بها بعض الإسلاميين ضد بعض أهله، في الوقت الذي كان لا يتورع فيه من إهانة وإذلال بقية المواطنين، بقوله: إن الإسلاميين أذلوا ذويه وأهانوهم لكونهم شيوعيين أو اتحاديين ديمقراطيين، رغم إعلانهم الولاء لـ«ابنهم عمر البشير»، وبغضب قال البشير: «قلت لهم نحن نحكم لنعز أهل السودان كلهم، والنتيجة يذل أهلي، فلو ذبحوكم لا تؤيدوا الإنقاذ»، معترفاً بفصل مئات الآلاف من السودانيين من وظائفهم من أجل تمكين «الإخوان».
ويعترف الرجل الذي اشتهر بتهديداته للسودانيين بكتائب الظل أثناء الثورة الشعبية علي عثمان محمد طه، وبتوجيهه الشهير للقيادات العسكرية بإطلاق الرصاص صوب المعارضين بغرض القتل، والتي قالها بالإنجليزية (Shoot to kill)، يعترف بدوره في الانقلاب وبتمسكه ببقائه، وبتكراره مرة أخرى إذا تشابهات الظروف، بقوله: «بالمعطيات التي كانت سائدة في 1989 لو عاد التاريخ القهقري، فسنقف نفس الموقف، وسنقوم بالتغيير الذي حدث».
ويؤكد عثمان بعنجهية لافتة: «الدولة القائمة الآن هي دولة المشروع الإسلامي»، ويتابع: «إذا كنا نريد تشكيل رؤيتنا للمرحلة القادمة فينبغي أن يكون تحليلنا متوافقاً مع طبيعة الأحداث، والمواقف التي نتخذها يجب أن تكون واضحة وجلية ومتفقاً عليها»، ويستطرد: «أقولها بالصوت العالي ويشاركني في هذا معظم إخواننا إن لم يكن جميعهم، بالمعطيات التي كانت قائمة في 1989، لو عاد التاريخ القهقري، فسنقف نفس الموقف، وسنقوم بالتغير الذي حدث».
ويؤكد عثمان أن «الدولة القائمة – وقتها - هي دولة المشروع الإسلامي، التي يجب المحافظة عليها، وأن تكرس الجهود من أجل ذلك، باعتبارها منصة أولى تسعى (الحركة الإسلامية) لتنزيل مشروعها بواسطتها، وتجمع بها بين السلطان والقرآن».
بيد أن عثمان انتقد بعض ممارسات «إخوانه» معترفاً بخرقهم القوانين التي يشرعونها بأنفسهم من أجل مصالحهم، إذا لم تأتِ بمن يريدونه في المكان المحدد، وتابع: «الدولة بكاملها والحركة والحزب تسنّ قانوناً بواسطة البرلمان الذي يسيطر عليه أعضاؤها، لكنها بمجرد اكتشاف أنه لا يحقق أغراضهم يجمدونه ويسلبون حقوق الناس».
واعترف عثمان بدعم حكومته لتنظيمات «الإخوان» في كل من «فلسطين وموريتانيا وتونس والمغرب»، وأنهم استعرضوا أوضاع الحركات الإسلامية في هذه الأقطار، واستمعت لهم فأجمعوا على أن «التجربة الإسلامية السودانية، متقدمة في تجربتها وقدرتها على تقديم صورة للمشروع الإسلامي بأفضل مما هو عليه الحال في هذه البلدان».
وبدوره، يؤكد القيادي في تنظيم «الإخوان» عصام البشير دعم حكومة البشير للحركات الإسلامية، بقوله: «نؤكد أن دعمنا لهذه الحركات لم ينقطع يوماً، وإن تعددت الوسائل، وتنوعت الصور، تبعاً لتقدير المصالح والمفاسد»، في حين يقول القيادي أمين حسن عمر: «إذا كان إخوتنا في تونس مثلاً في حاجة إلى دورة تدريبية في كيفية إدارة الحملات الانتخابية، فسنعينهم، وإذا احتجنا لعونهم فسيعينونا».
بيد أن عضو المجلس التنسيقي لـ«قوى إعلان الحرية والتغيير» التي تمثل التحالف الحاكم بعد الثورة التي أسقطت نظام «الإخوان» محمد حسن عربي، قلل من أهمية تلك الاعترافات وأثرها على عمليات تصفية وتفكيك تمكين نظام الإنقاذ، بقوله إن إجراءات لجنة تفكيك نظام الإنقاذ ذات طابع إداري وليس قانونياً، تستند إلى قانون تفكيك نظام الإنقاذ، والذي يعطيها صلاحيات واسعة لتفكيك الواجهات والتنظيمات والنقابات، وأشكال التمكين الحزبي كافة.
وأوضح عربي، أن اللجنة التي يترأسها عضو مجلس السيادة ياسر العطا، تملك المعلومات اللازمة لأداء عملها، وليست في حاجة إلى اعترافات البشير و«الإخوان»، وقال: «اللجنة تملك المعلومات اللازمة لتفكيك التمكين ومكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة»، وتابع: «المعلومات التي أوردتها القناة معروفة لكل السودانيين، وليس فيها جديد فيما يتعلق بتفكيك نظام الإنقاذ».
لكن عربي يرى أن اعترافات البشير بدوره في الانقلاب، مستندات قانونية بموجب قانون الإثبات السوداني، وحجيتها – حال ثبوت صحتها – ذات طابع فني وتقني، وتعتبر حجة عليهم واعترافاً غير قضائي بموجب القانون، وتعد بيّنة مبدئية تسند قضية الاتهام، ستشكل في مرحلة تقييم الدعوى الجنائية بيّنة كافية لتوجيه الاتهام وإحالة المتهمين بموجبها للتحقيق.
وإشارة إلى ما ذكره البشير في إفاداته المسجلة بشأن جريمة قتل ضباط «محاولة رمضان»، يقول عربي: «النائب العام شكّل لجنة بسلطات نيابة جنائية للتحقيق في مجزرة شهداء رمضان، واعتراف النظام البائد بدفنهم اعترافاً ضمنياً بالقتل».
وأوضح عربي وهو محامٍ، أن لجنة النائب العام ستحقق ما إن كانت الإعدامات قد تمت وفقاً لأساس قانوني أم لا، وتابع: «ستجيب على معلومة ما إن كان الضباط قد قدموا لمحاكمات بموجب القانون، أم أنها مسرحية قانونية لتبرير المجزرة»، ويضيف: «بالنسبة لنا كقانونين لا توجد محاكمة عقوبتها الإعدام تتم في ساعات قلائل، ويتم خلالها الاستفراد بالمحكوم ضدهم، وعدم إتاحة الفرص لهم للدفاع عن أنفسهم، وعدم تمكينهم من استئناف الأحكام الصادرة في حقهم، فضلاً عن تنفيذ الإعدامات في اليوم نفسه»، ويستطرد: «بهذه الحيثيات هذه جريمة اتخذت تحت غطاء القانون والقضاء العسكريين، ولا سيما أن البشير وحركته وضباطه قد ارتكبوا الفعل ذاته».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.