الأمم المتحدة 2020: يوبيل ماسي متخم بخلافات وتحديات

أولويات متضاربة تشلّ قدرات مجلس الأمن من كوريا الشمالية وإيران إلى التنمية وتغير المناخ

مبنى الأمم المتحدة في نيويورك
مبنى الأمم المتحدة في نيويورك
TT

الأمم المتحدة 2020: يوبيل ماسي متخم بخلافات وتحديات

مبنى الأمم المتحدة في نيويورك
مبنى الأمم المتحدة في نيويورك

تواجه الأمم المتحدة في 2020، مع احتفالها بمرور 75 عاماً على إنشائها، تحديات تشبه مشقّات تسلق الجبال. قدّم عام 2019 مؤشرات تنذر بصعوبات متعددة الأوجه: من ضائقة مالية خانقة قادت إلى التقشف حتى في استخدام السلالم الكهربائية وورق الطباعة في المقر الرئيسي للمنظمة الدولية في نيويورك، إلى مساعٍ تواصلت بلا هوادة من أجل «ترشيق» عمليات حفظ السلام وخفض تكاليفها الباهظة، فضلاً عن إخفاقات في صون الأمن والسلم الدوليين في مناطق كثيرة من العالم، ومنها سوريا التي لا تزال تمثل تحدياً صارخاً لدور مجلس الأمن، المنتدى العالمي الأقوى لاتخاذ القرارات ووقف النزاعات.
لكن لائحة الأسباب تطول لتفيد بأن الأمم المتحدة تبقى منتدى عالمياً وحيداً لا غنى عنه في المستقبل المنظور. لا تزال تعكس صورة الأمم التي أنشأتها مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وعلى أنقاض عصبة الأمم التي سبقتها.

ترمب: أميركا أولاً... و«العمل سوياً»
في غداء أقامه الرئيس الأميركي دونالد ترمب أخيراً في البيت الأبيض لأعضاء مجلس الأمن، راسماً أمامهم الخطوط العامة لأولوياته على الساحة الدولية، ولا سيما خلال تولي الولايات المتحدة الرئاسة الدورية للمجلس في ديسمبر (كانون الأول) 2019. لم يستوجب الأمر الكثير من الوقت كي يستخلص المدعوون أن «ترمب أمام العدسات ليس كالرئيس الأميركي خلف الأضواء»، وفقاً لانطباعات اثنين من المندوبين الدائمين الذين شاركوا في اللقاء الذي استمر أكثر من ساعة. طلب الرئيس الأميركي من ممثلي الدول «العمل سوياً» من أجل تحقيق «أفكار عظيمة» تمكن المجتمع الدولي من التعامل مع «تهديدات أمنية مشتركة، بما فيها الإرهاب، وتهريب المخدرات، والهجرة غير القانونية، والهجمات الإلكترونية، وانتشار الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية». وركز على «مواجهة تهديدات» كثيرة، وضع على رأسها «سلوك النظام الإيراني، الذي قتل المئات والمئات من الناس في وقت قصير للغاية»، مطالباً وسائل الإعلام بتغطية «الوضع الفظيع» هناك. وطالب بأن تنضم دول العالم إلى جهود الولايات المتحدة في «تشجيع الحرية الدينية عبر العالم».
لا تلتقي أولويات من ينادي بشعار «أميركا أولاً» مع ما يراه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من تحديات. تبتعد هموم الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ عن تطلعات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. لم يعد يقرأ الرئيس الأميركي ونظراؤه الأوروبيون من كتاب واحد. وعلى رغم الإدراك العميق لحقيقة أن الأمم المتحدة، بمكوناتها الرئيسية من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة ومن المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى مجلس حقوق الإنسان وغيرها من الوكالات الدولية، لا تزال تشكل المنتدى العالمي الأوسع والأرحب للعلاقات الدولية والدبلوماسية المتعددة الأطراف، يخشى مسؤولون في المنظمة الدولية ودبلوماسيون من الدول الـ193 الأعضاء في جمعيتها العامة، من تفاقم التحديات والصعوبات الراهنة لتصل إلى حدود الأزمة خلال النصف الثاني من سنة 2020، ولا سيما إذا تواصلت عمليات التجاذب والاستقطاب بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، وكذلك بين الدول الكبرى بمساهماتها في الميزانية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى الميزانيات المنفصلة لدوائرها، وأبرزها على الإطلاق دائرة عمليات حفظ السلام، ووكالاتها المختلفة. قد لا تسمح الضائقة المالية للأمم المتحدة بأن تحتفل كما ينبغي بيوبيلها الألماسي.

أولويات متضاربة
لا يقتصر الخلاف على الأولويات بين الدول الأكثر تأثيراً في المنظمة الدولية، بل يمتد أيضاً إلى كيفية النظر إلى مسألة التغير المناخي التي يضعها الأمين العام أنطونيو غوتيريش على رأس اهتماماته، بينما لا تقيم لها الإدارة الأميركية الراهنة أي اعتبار رئيسي. هناك آراء روسية وصينية وهندية وبرازيلية مختلفة في هذه القضية. بدأت هذه التحديات الجيوسياسية تخرج إلى العلن منذ سنوات كثيرة حين اعتبر البعض أن الولايات المتحدة تعيش «مرحلة انكفاء» عن الساحة الدولية، مما سمح لروسيا ليس فقط باستخدام حق النقض (الفيتو) أكثر من 12 مرة منذ عام 2011 لتعطيل مشاريع قرارات قدمتها الدول الغربية متضامنة في شأن الحرب السورية، بل أيضاً بالتقدم عسكرياً في سوريا وكذلك في أوكرانيا.
بينما عرضت الصين بدائل من قرارات اتخذتها الولايات المتحدة لخفض المساهمات الأميركية في تمويل الميزانية العامة للمنظمة الدولية، بالإضافة إلى المساهمة أكثر في عمليات حفظ السلام وتمويلها. ظهرت تباينات متوترة بين الولايات المتحدة من جهة وفرنسا وبريطانيا من الجهة الأخرى حيال المواقف التي ينبغي اتخاذها من النفوذ الصيني المتزايد في أفريقيا، ومن عدم قيام بيجينغ بخطوات ضاغطة للجم الطموحات النووية لدى كوريا الشمالية ووضع حد لاضطهاد أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار، فضلاً عن الغموض في المسائل المتعلقة بالبرنامج النووي لدى إيران.
إيران تثير خلافاً عميقاً بين إدارة الرئيس دونالد ترمب من جهة وحلفاء أميركا التاريخيين في العواصم الأوروبية التي لا تزال تتمسك بخطة العمل المشتركة الشاملة، أو ما يعرف بالاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران و«مجموعة 5 + 1» للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، على رغم مضي أكثر من سنة ونصف السنة على انسحاب الولايات المتحدة منه. ظهرت في الآونة الأخيرة مؤشرات إلى إمكان موافقة الدول الأوروبية على اقتراح أميركي لتفعيل آلية إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران «سناب باك»، وبالتالي نقض القرار 2231 الذي صادق على الاتفاق النووي.

بين الفيتو الروسي والتمويل الأميركي
منع الفيتو الروسي مجلس الأمن من اتخاذ قرارات حاسمة في الحرب السورية، ودفعت الخلافات المستحكمة بين القوى الدولية الرئيسية إلى شلّ قدرة مجلس الأمن على الاضطلاع بالدور المرسوم له في ميثاق الأمم المتحدة، وخصوصاً لجهة صون الأمن والسلم الدوليين. كل هذه التعقيدات، بالإضافة إلى تصاعد التوجهات القومية ومبادئ القرارات الأحادية، دفعت الولايات المتحدة إلى تقليص اعتمادها على المنتدى المتعدد الأطراف في نيويورك، بل سعت إلى خفض مساهماتها المالية فيه. وأدى ذلك إلى «شح مالي لا سابق له» في الموارد المالية للمنظمة الدولية، لا تزال بعض السلالم الكهربائية متوقفة عن العمل في المقر النيويوركي من أجل توفير بضعة آلاف من الدولارات. لجأت الأمانة العامة عام 2019 إلى احتياطاتها المالية من أجل تغطية عجز تبلغ قيمته أكثر من نصف مليار دولار. وقال غوتيريش إن الجمعية العامة للأمم المتحدة وافقت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي على ميزانية للمنظمة الدولية لمدة عامين بقيمة 5.4 مليارات دولار. وهي ميزانية منفصلة عن ميزانية حفظ السلام.
ليست الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي لم تدفع مستحقاتها للمنظمة لعام 2019، ولكنها المدين الأكبر بين 55 دولة لم تدفع ما يتوجب عليها بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. يقع على عاتق الأرجنتين والبرازيل وإسرائيل وكوريا الجنوبية وفنزويلا ما يصل إلى 97 في المائة من إجمالي الديون المستحقة للأمم المتحدة عام 2019. يستحق على البرازيل وحدها مبلغ 143 مليون دولار. تصل الاشتراكات غير المدفوعة من الدول الأعضاء إلى 1.4 مليار دولار. وإلى جانب الديون المستحقة على الولايات المتحدة والبرازيل، تدين الأرجنتين بمبلغ 47 مليون دولار. ولا يمكن لإيران وفنزويلا، اللتين تبلغ ديونهما 27 مليون دولار و17 مليون دولار على التوالي، أن تدفعا بسبب العقوبات الاقتصادية الأميركية. تعد إسرائيل (11 مليون دولار) وكوريا الجنوبية (10 ملايين دولار) من الجهات المانحة الكبرى الأخرى التي لا تزال مستحقة على 2019 مستحقاتها.

تغير المناخ
وفقاً لرؤية غوتيريش، يواجه العالم «لحظة حرجة على جبهات عدة»، واضعاً في صدارة اهتمامه حال الطوارئ المناخية وتفاقم انعدام المساواة وتزايد الكراهية وعدم التسامح، فضلاً عن عدد من التحديات الخاصة بالأمن والسلم. في الوقت الذي يخشى من تصاعد التوتر في الخليج، يطالب بالحوار لإيجاد حلول سياسية من ليبيا إلى اليمن ومن سوريا إلى إسرائيل - فلسطين ومن أفغانستان إلى جنوب السودان. يأمل في أن يواصل زعماء العالم التزامهم تنفيذ أجندة 2030 للتنمية المستدامة، بالإضافة إلى تحديد سنة 2050 للوصول إلى تحييد الانبعاث الكربوني، بغية تحديد ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية، بدلاً من 3.4 أو 3.9 درجة بحلول نهاية هذا القرن.


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».